8 من أصل 10 تعرضن للعنف بشكل من الأشكال خلال الطفولة

نساء كينيا ضحايا الاغتصاب وتجاهل السلطة

صورة

أثار حادث اغتصاب طالبة في كينيا حالة واسعة من الغضب وردود فعل منددة. وللحد من هذه الظاهرة يقوم نشطاء بحملة توعية شاملة، منذ فترة، لم تؤت ثمارها بعد. ولم تعلم الطالبة ليز(16 عاماً)، التي كانت عائدة من جنازة جدها واضطرت للبقاء خارج البيت لوقت متأخر، أن يترصدها وحوش آدميون ليفترسوها تحت جنح الظلام، فقد اعترض طريقها أشخاص معروفون وآخرون لم تعرفهم، وتأكدت حينها أن الرجال الستة يريدون بها السوء. وحاولت الهروب في البداية، وعندما أمسكوا بها قاومت، وعلى الرغم من الفارق العددي فقد راحت تضرب يميناً وشمالاً لعلها تجعلهم يتراجعون، لكن محاولاتها باءت بالفشل وراح الرجال يتناوبون اغتصابها، بعد أن ضربوها بعنف.

ترهيب الأطفال

قبل سنتين، اغتصبت شيكو البالغة من العمر تسع سنوات بقسوة شديدة ثم قتلت، عندما كانت عائدة إلى البيت من مدرسة كيامبو. وعاد أخوها إلى البيت من المدرسة ولم تكن بصحبته، وتقول أمها، »ظننت أنها ربما تأخرت في المدرسة لأنها كانت تلعب مع صديقاتها، فقد كانت تحبّ اللعب كثيراً. انتظرت وانتظرت لكنها لم تعد أبدا إلى البيت في ذلك اليوم«. وعثرت فرق البحث فيما بعد على جثة شيكو في مزرعة للبن قريبة من المدرسة. وألقي القبض على اثنين من المشتبه فيهما واقتيدا إلى المحكمة، إلا أنه أطلق سراحهما لاحقا لعدم توافر الأدّلة، وسُحل أحدهما وقتل بعد أن اتهم باغتصاب طفلة أخرى في المنطقة. ومن المحزن أن العنف لا يزال يطال حياة الأطفال في المدرسة التي كانت تذهب إليها شيكو، فقد قيل ان ثمانية فتيات وأربعة صبية كانوا قد اغتصبوا في السنة الماضية، وهم عائدون إلى البيت من المدرسة. وجعلت هذه الاعتداءات التلاميذ يشعرون بالصدمة والخوف من السير إلى البيت وحدهم. وتقول سلطات المدرسة إن مزارع البن تعتبر مخبأ للمجرمين، وتشجع التلاميذ على السير في مجموعات. وينحي زولا – أحد سكان كيامبو- باللوم على المجتمع لجعل الأطفال يشعرون بخيبة الأمل، إذ يقول »إن المجتمع الذي يفشل في حماية أكثر أبنائه ضعفا، معرض لأن يفقد روحه«، ويضيف أن » العنف مستمر في دوائر أكثر تدميراً. ويمكنه أن يحطّم البلاد إذا لم يتم وقفه«. ويرى زولا إن وقف هذه الدائرة يبدأ بالنظر في الطريقة التي تتم فيها تربية الأطفال وتواصلهم في المجتمع.


أعمال وحشية

نظمت وكالات تابعة للأمم المتحدة مؤتمر »أوقفوا الاغتصاب الآن«، في مارس الماضي، لوضع حد للعنف الجنسي، في نيروبي. وقال المشاركون إنه يجب على المنظمة وشركائها أن يرفعوا أصواتهم ويقولوا بصوت واحد إننا ضد إفلات مرتكبي العنف الجنسي من العقاب. وقاد أحد الأعضاء البارزين في البرلمان الكيني، نجوكي ندنغعو، حملة للدفاع عن مشروع قانون الجرائم الجنسية في البلاد، إلى أن أُقر القانون، وقال إن السبيل الوحيد لإنهاء العنف الجنسي، يكمن في إصدار قوانين ضده وفي فرض عقوبات أكثر صرامة. أما المستشار الخاصّ لمنسق الإغاثة في حالات الطوارئ للأمم المتحدة، دنيس مكنمارا، فيقول إنه »يجب أن نحكي قصص الاعتداء الجنسي المرعبة التي حدثت أثناء الحرب مراراً وتكراراً«. وأضاف أن العنف الجنسي، »عار في جبين الحرب. وهو أيضا عار علينا نحن الذين نعرف أن هذه الأعمال الوحشية تحدث، لكننا لا نفعل شيئاً لمحاربتها. إن معرفة الشيء ليس عذراً للتقاعس".


الإفلات من العقاب
تقول الأمم المتحدة إن حالات الاغتصاب والاعتداءات الجنسية ضد النساء التي جرى الإبلاغ عنها تضاعفت في المناطق المتأثرة بأعمال العنف السياسي في كينيا، وسط أجواء تفلت فيها العصابات التي ترتكب هذه الجرائم من العقاب. ودعت مديرة مكتب مركز منع الأزمات والإنعاش التابع للمنظمة، كاثلين كرافيرو، إلى تنظيم برامج إغاثة في كينيا للتأكد من حماية النساء والفتيات من هذه الهجمات.

وعندما انتهوا من جريمتهم، قام الجناة بجر الفتاة إلى حفرة عميقة وألقوها هناك، وعلى الرغم من الإصابات المروعة وسقوطها في حفرة عمقها أربعة أمتار تقريباً، تمكنت ليز من العثور على سلالم يستخدمها العمال وسحبت جسمها المصاب بكسور بصعوبة إلى السطح، ولحسن الحظ وجدها القرويون الذين سمعوا صراخها. وبعد أن أسعفوا الفتاة، شكلوا مجموعات للبحث عن الجناة، فالضحية تعرفت إلى بعضهم وراحت تردد أسماءهم. وبالفعل تمكن القرويون من العثور على ثلاثة منهم وقادوهم زحفاً إلى مركز الشرطة في قرية تينغولو، الواقعة شمال كينيا. وتم توقيف المتهمين الثلاثة، ووعد ضباط الشرطة الأهالي بأن الجناة سيحصلون على العقاب المناسب. وفي الصباح، أعطي المغتصبون الثلاثة مناجل وطلب منهم تهذيب الحشيش الموجود في ساحة المركز، وبعدها سمح لهم بالانصراف.

لم تتلق ليز العلاج الضروري بعد كل ما لاقته نظراً لبعد المراكز الصحية، لكنها تناولت مضادات حيوية ومهدئات اشتراها لها أحدهم من صيدلية قريبة. وحين اكتشفت أنها لا تستطيع الحركة، بعد أسبوع من الحادث، اضطرت والدتها لتبيع الدجاج الذي بحوزة العائلة، ويعد المصدر الرئيس لدخلها، من أجل علاج ليز في عيادة خاصة في مدينة مجاورة. وهناك أخطأ الطبيب في تشخيص حالتها، ونصح بخضوعها للعلاج الطبيعي، الأمر الذي جعل حالتها تزداد سوءاً. ونفد المال بسرعة، وأجّرت الأم أرض العائلة ورهنت منزلها لتأمين نحو 100 دولار لأخذ ابنتها إلى مستشفى في مدينة كاكاميغا، حيث تم تشخيص حالتها بشكل صحيح، ووجد الأطباء أن ليز أصيبت بضرر بالغ في الحبل الشوكي كما أصيبت بالناسور.

صدمة نفسية

لم تكن قصة ليز لتصل إلى أرجاء العالم لولا جاريد موماني، الذي يعمل مديراً لمجموعة عيادات متخصصة في علاج ضحايا العنف الجنسي، وقد اطلع على حالة المراهقة وأصيب بالصدمة. واتصل موماني بصحافية في «ديلي نايشن» التي تصدر في نيروبي، ويقول «لقد أزعجني ما حدث للفتاة كثيراً، وأردت أن أنقل قصتها للعالم».

ويضيف «لقد كان ذلك محاولة قتل وليس مجرد حالة معزولة، وهذا الحادث يدخل ضمن حالات كثيرة مشابهة». وعندما زارت الصحافية، نجيري روجين، الضحية بعد ثلاثة أشهر من اغتصابها (في 26 يونيو) وجدتها مصدومة نفسياً فوق كرسي متحرك.

وأسهمت جهود الصحافية في جمع نحو 4000 جنيه استرليني كانت ضرورية لإجراء عملية جراحية. وبعد أشهر من الحادث لم يتم القبض على المهاجمين الستة، الأمر الذي زاد من ألم ليز ووالدتها.

ويدرس ثلاثة منهم في المدينة نفسها التي تسكن فيها الضحية، وتعرفت الشرطة إلى الجناة في اليوم الثاني من الواقعة. وبعد ضغوط مستمرة أصدرت الشرطة أوامر توقيف بحق الطلاب الثلاثة، وعند تقديمها إلى المدرسة، طلب أساتذة تأجيل التوقيف إلى أن يكمل الطلاب الامتحانات الفصلية.

ووافقت الشرطة على الطلب، إلا أنها قالت لاحقاً إن المدرسة قامت بتضليل أجهزة الأمن وساعدت الجناة على الاختفاء والإفلات من العقاب.

هذه القضية ليست إلا حالة واحدة من بين حالات كثيرة تحصل سنوياً في كينيا، إذ ترتفع نسبة عمليات الاغتصاب، حسب ما جاء في تقريرعن الجرائم أعدته الشرطة الكينية ونشر أخيراً.

وفي الفترة الممتدة بين يناير ومايو من العام الجاري، تم الإبلاغ عن 338 حالة اغتصاب مقارنة بـ297 حالة تم الإبلاغ عنها خلال الفترة نفسها من عام 2011، و332 حالة في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2012. وأظهرت الإحصاءات أن نسبة عمليات اغتصاب الأولاد تبلغ 78% من مجمل الحالات المبلغ عنها.

وفي السياق ذاته، رجحت مؤسسات حقوقية أن يكون عدد هذه الحالات أعلى بكثير، إذ إنه لا يتم الإبلاغ عن جميع الحالات. ولا يثق كثير من الضحايا بالشرطة. وفي حين أن القانون الكيني يفرض عقوبات صارمة، فإنه لا يؤدي إلى ما يكفي من الاعتقالات في حالات الاغتصاب، ذلك أن العديد من ضباط الشرطة يتعاملون مع مثل هذه الشكاوى عبر تجاهلها أو معارضتها.


تفشي ظاهرة الاغتصاب في كينيا

تعامل الشرطة

لا تتعامل الشرطة الكينية بشكل محترف مع البلاغات المقدمة عن حالات الاغتصاب ما يؤدي إلى إطلاق سراح العديد من الجناة وتورط هؤلاء في عمليات اغتصاب جديدة. ويتعمد بعض الضباط طرح أسئلة محرجة وفي غير محلها، مما يشعر الضحايا بالعار فيخترن عدم متابعة قضاياهن.

تقول عاملة اجتماعية في إحدى منظمات حماية الأطفال وتدعى ماري ماهوكا، إن حالات الاغتصاب في منطقة بوسيا الفقيرة والقريبة من بحيرة فيكتوريا، هي نتيجة معتقدات ومفاهيم خاطئة، إذ بات الأهالي يغضون الطرف عن الجرائم المرتكبة في حق النساء ويفضلون عدم الشكوى، وفي حال اشتكوا لا يصرون على موقفهم إلى النهاية.  فالفتيات لا قيمة لهن في مجتمع بوسيا، بحسب ماهوكا، التي صدمت بممارسات الناس هناك، ووجدت أن «التكفير» عن خطأ كبير مثل الاغتصاب يتم بتقديم عنزة أو كيس من الذرة إلى أهل الفتاة. وتدعم ماهوكا الفتيات اللاتي تعرضن للاغتصاب منذ عام 1998، وقبل أسابيع جاءتها طفلة في السادسة تعرضت للاعتداء الجنسي من قبل شاب في العشرينات من العمر، وتقول إن «هذا الأمر يحدث يومياً وفي الغالب لا يتم الإبلاغ عنه». وتعمل المنظمة التي تنتمي إليها ماهوكي تحت شعار «التعليم الريفي والتحفيز الاقتصادي»، حتى لا تستجلب عداء الأهالي الذين لا يريدون أن تطفو قضايا الاغتصاب إلى السطح ويعرف بها الجميع. وتقول العاملة الاجتماعية إنها حققت في حادثة ليز، ووجدت أن الاعتداء جاء بعد أن رفضت الضحية صداقة أحد الشباب (وهو من المهاجمين)، فقام بترصدها والاعتداء عليها برفقة أصدقائه من أجل تأديبها. وتقول تقارير حقوقية إن ثمانية نساء من أصل 10 في كينيا تعرضن للعنف بشكل من الأشكال خلال فترة الطفولة. وأشار تقرير نشرته لجنة حقوقية كينية عام 2006، إلى أن فتاة أو امرأة تغتصب كل نصف ساعة. ويواجه الرئيس الكيني السابق، أوهورو كينياتا، اتهامات بالوقوف وراء العنف الذي أودى بحياة 1300 شخص في أعقاب انتخابات 2007. ومن المتوقع أن تبدأ محاكمته في محكمة الجنايات الدولية هذا الشهر.

وتؤكد الناشطة الحقوقية الكينية نبيلة عبدالمالك، أن قانون البلاد يشدد العقوبات في ما يخص الاعتداءات الجنسية، وإذا ثبتت التهمة فإن العقوبة تصل إلى السجن 15 عاماً. وينص القانون أيضاً على أن الدولة تتكفل بنفقات علاج ضحايا الاعتداءات الجنسية والبدنية. وتقول نبيلة «إنها مسؤولية الحكومة، والجميع يفلتون من العقوبة، ابتداء من المواطن العادي إلى رئيس البلاد الذي يواجه اتهامات في لاهاي بسبب تشجيعه على العنف». أما الصحافي الكيني راسنا وارا فيقول، إن النساء في بلاده أخفقوا في شد انتباه المسؤولين الرجال، وحتى النساء، ويجدن أنفسهن في نهاية المطاف عند المنظمات غير الحكومية طلباً للمساعدة والدعم. ويضيف أن «حادث الاغتصاب الأخير يدل على سلوك مجتمعنا تجاه المرأة، والعنف ضد النساء بات أمراً عادياً».

 

 

 

 

 

 

 

تويتر