انتهاج ساركوزي سياسة التنوع شجعها على خوض غمار السياسة
الجالية الآسيوية في فرنسا.. «لـــــــــوبي»في الطريق لأماكن صنع القرار
ساركوزي شجع الآسيويين وغيرهمفي فرنسا على الانـــــــــــــــــــــــــــخراط في الأنشطة السياسية.
بدأت الجالية الآسيوية في فرنسا تنظيم صفوفها أسوة بالجاليات الأخرى، على الرغم من عددها القليل نسبياً، سعياً منها للتأثير في المجال السياسي وإثبات انتمائها الوطني بعد أن أثارت الحكومة جدلاً واسعاً حول الهوية. وتستهدف أحزاب متطرفة الأقليات العرقية لكسب الأصوات في الانتخابات البرلمانية. وقد شجعت سياسة التنوع التي انتهجها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، منذ مجيئه إلى السلطة، الآسيويين في فرنسا، وغيرهم، على الانخراط في الأنشطة الاجتماعية والسياسية، ومن المعروف أن هذه الشريحة من المجتمع تفضل عدم الظهور العلني، خلافاً للجاليتين العربية والإفريقية. وقد سطع نجم عدد من الشخصيات الفرنسية من أصول عربية، مثل رشيدة داتي التي تقلدت منصب وزيرة العدل، وراما ياد التي أصبحت وزيرة للرياضة.
وتتألف الجالية الآسيوية من المهاجرين الذين قدموا من الصين وكمبوديا وفيتنام، وعلى الرغم من اختلاف ثقافاتهم وتوجهاتهم، إلا أنهم باتوا يتفقون على ضرورة تكوين مجموعة ضغط آسيوية في فرنسا، الأمر الذي يمثل منعطفاً مهماً في تاريخ الجالية منذ أربعة عقود. ويحاول بعض النشطاء حشد دعم الآسيويين بمن في ذلك الذين يشغلون مناصب مهمة في مؤسسات فرنسية كبرى مثل البورصة وغيرها، ويتم التركيز أيضا على المهاجرين الذين قدموا خلال السبعينات من القرن الماضي، فضلاً عن الجيل الثاني الذي حصل على مستوى تعليمي عالٍ. ويبلغ عدد الآسيويين في فرنسا نحو 1.5 مليون، منهم 800 ألف فيتنامي.
رغبة في الظهور
يعد شينفا تيو أحد أهم الوجوه في الحركة الآسيوية الوليدة، وقد أسهم في إنشاء نادي القرن الواحد والعشرين، الذي يضم نخبة من كبار الموظفين ورجال الأعمال، وجاء إطلاق النادي تجسيداً لسياسة ساركوزي التي تشجع التنوع الثقافي في إطار مبادئ الجمهورية. وهاجر تيو (48 عاماً) إلى فرنسا عام 1975 فارّاً مع عائلته من الحرب الأهلية في كمبوديا. ويترأس حالياً مؤسسة إنتاج سمعي بصري، الأمر الذي ساعده على تسليط الضوء على المأساة الكمبودية، من خلال إنتاج أفلام وثائقية في هذا الشأن. ويشارك تيو في تنشيط برنامج تلفزيوني أسبوعي يناقش العلاقات الفرنسية الصينية، ويستضيف في العادة خبراء وشخصيات فرنسية من أصول آسيوية، وفي هذا السياق يقول: «إنها خطوة عملاقة، في السابق كان الآسيويون يتفادون وسائل الإعلام»، مستدركاً «وبعد وجودهم على الأراضي الفرنسي لمدة 40 عاماً، بدأوا يظهرون رغبة في التعرف على ما يجري حولهم». ويقول تيو ان إطلاق برنامج «سينوسفير» أمر طبيعي لا يدعو إلى القلق، فهو برنامج يعبر عن انشغالات واهتمامات شريحة من المجتمع الفرنسي، كما الحال في البرامج الخاصة بالأفارقة والمنحدرين من أصول مغاربية.
ويناضل تيو في صفوف حزب «الاتحاد من أجل حركة شعبية»، الحاكم، ويقول انه ضد التمييز في عالم السياسة، إلا أن البعض يرى أنه يتأرجح بين مطامعه السياسة من جهة، وولائه لأصوله الآسيوية والتزامه بإيصال صوت الجالية إلى أماكن صنع القرار. وقد تم تعيينه، أخيراً، أميناً عاماً لمكتب العلاقات الفرنسية الآسيوية في الحزب الحاكم. كما يحاول تيو الحصول على دعم حزبه للترشح في الدائرة التاسعة، في العاصمة الفرنسية، التي تتركز فيها الجالية الآسيوية.
مجلس وطني
تبدو الآنسة ثو ـ فان بلانشار، بالحماس نفسه تقريباً، فقد قدمت إلى فرنسا من فيتنام وهي في السابعة من العمر، وتشغل حاليا منصب مساعد سيناتور باريس في البرلمان الفرنسي. واليوم لا تخفي بلانشار (32 عاماً) طموحها في خوض غمار السياسة. وعلى الرغم من أنها تلقت تعليمها في مدارس راقية في باريس إلى أنها لم تنخرط في النشاطات الاجتماعية، وتعتقد المساعدة البرلمانية أن بعض الجاليات في فرنسا تفضل الظهور في حين تفضل أخرى البقاء في الظل. ولا تهتم بلانشار بأن تقدم نفسها على أنها آسيوية، بقدر ما تريد من السياسيين أن يستمعوا لاهتمامات الجالية الآسيوية. وفي المقابل، تم ترشيح بلانشار لتكون ضمن هيئة المجلس الوطني للآسيويين في فرنسا. وقد تم تقديم الطلب بتشكيل المجلس في مارس الماضي ويطمح مؤسسوه أن يكون هيئة استشارية في المستقبل، ومرجعاً سياسياً لكل ما يهم الجالية الآسيوية في البلاد.
|
ثقافة مختلفة
يحافظ الصينيون في فرنسا، على ما يبدو، على عاداتهم في ما يخص السياسة، كما لو أنهم في الصين، حيث لا يوجد انفتاح أو ممارسة سياسية. ويقول الخبير في شؤون الجاليات الآسيوية، بيار بيكار، ان الصينيين ليست من عاداتهم المشاركة في الحياة السياسية الفرنسية، وأعتقد أن العادات والتقاليد تلعب دوراً رئيساً في هذا السلوك. وفي المقابل، يعرف الطلاب الآسيويون نجاحاً كبيراً في المدارس والجامعات، وتقول بيانات رسمية ان 50٪ من النساء الآسيويات (18-50 عاماً) حصلن على شهادات عليا، مقارنة بـ37٪ من مجموع حاملي الشهادات في فرنسا. وأظهرت دراسة محلية أن وضع المهاجرين تغير بعد عام ،1974 حيث باتت نسبة المتعلمين منهم كبيرة، وبات الوافدون الجدد يحظون بالتفضيل مقارنة بالجيل الثاني من المهاجرين. |
يعد هوانغ تان (51 عاماً) من الأعضاء النشطين في المجلس الآسيوي، ويعارض فكرة توجيه المجلس إلى أغراض حزبية محلية. وكان تان قد جاء إلى فرنسا من كمبوديا، عندما كان في الـ15 من العمر، وقد أنشأ علاقات جيدة مع أبناء الجالية خصوصاً الصينيين، ويقول «نحن لسنا حزباً سياسياً ونريد أن ندافع عن مبادئ الجمهورية». ويعمل تان منذ 1980 في بلدية باريس ويطمح أن يكون قيادياً في هيئة تهتم بشؤون الآسيويين في فرنسا. ويدعو الناشط إلى الاعتراف بدور الصينيين الذين شاركوا في الحرب العالمية الأولى إلى جانب القوات الفرنسية. ويحاول تان وعدد من الصينيين الحصول على موافقة الجهة الوصية لإطلاق إذاعة بلغة «ماندرين» الصينية «لقد قدمنا ثلاثة طلبات إلى الآن»، يقول تان «توجد إذاعات خاصة بالجالية المغاربية واليهودية، فلما لا للصينيين؟».
ينشط تان، أيضاً، ضمن تجمع للصينيين المجنسين في فرنسا، ويلتقي الناشط بزملائه في مطعم صيني بالعاصمة الفرنسية، لمناقشة مسائل تخص الجالية وتبادل وجهات النظر. ومن بين أعضاء التجمع المتخصص في المجال النووي، سيان زهاو، (48 عاماً)، والمهندس في الاتصالات زيالونغ كونغ (35 عاماً). ويجمع هؤلاء على أنهم يشعرون بالإحباط لأنهم لا يسهمون في فتح آفاق جديدة للشركات الفرنسية في الصين. وعبرت زهاو عن استيائها من التمييز في مجال العمل، وتقول إن الصينيين ليس بإمكانهم الوصول إلى مستويات معينة في أماكن عملهم. ويعتقد بعض أعضاء التجمع أن نظرة الفرنسيين لاتزال سلبية في العموم، إذ عادة ما تربط وسائل الإعلام بين الصيني والعمل بطريقة غير شرعية أو التجسس. ويشير أحدهم إلى أن الولايات المتحدة تستوعب التنوع الثقافي والعرقي بشكل أفضل من فرنسا، حيث بإمكان الأجانب الوصول إلى مناصب رفيعة في جميع المؤسسات.
انطباع سلبي
تستقطب جمعية الشباب الصيني في فرنسا عدداً كبيراً من المهاجرين من الجيل الثاني، ويجتمع أعضاء الجمعية في المطاعم الصينية، أول جمعة من كل شهر، وتراوح أعمار الأعضاء بين 20 و35 عاماً. وتقول رئيسة الجمعية، ساشا لين، ان الانطباع الشائع حول الآسيويين في فرنسا سلبي ومن الصعب تغييره. وتضيف لين (32 عاماً) انه يتعين على الصينيين التأقلم مع المحيط الذين يعيشون فيه بكل الوسائل. وخلافاً لآبائهم الذين جاؤوا إلى فرنسا قبل عقود ولم تتح لهم فرصة الذهاب إلى المدارس، فقد حصل أبناء الجيل الثاني على تعليم جامعي وحصل الكثير منهم على شهادات عليا في الهندسة والقانون والعلوم السياسية، وهم يشعرون بأنهم قد تحرروا من إرث آبائهم.
يسعى الجيل الثاني لتحديد موقف واضح من مسألة الهوية، ويناضل الجميع من أجل الاندماج وتغيير الانطباع السلبي السائد، وتقول لين «من اجل الحصول على أي شيء يجب التظاهر»، مشيرة إلى أنه حان الوقت للخروج من الظل، لأن ذلك يرسخ الأفكار السلبية حول الآسيويين. ومن بين الشخصيات التي انضمت إلى هذا النضال، آن داو تريكسل، التي تنحدر من أصول فيتنامية، وهي مقربة من الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك وزوجته بيرندات. وتقول تريكسل أن تجربتها مع الحكومة كانت محبطة، إذ تم استدعاؤها من طرف الإليزيه في سبتمبر ،2010 وعُرض عليها منصب في الحكومة، إلا أن شيئاً لم يكن. وتتساءل تريكسل «هل نحن الآسيويون لا نحدث ضجيجاً بما يكفي؟ هل نحن منغلقون أكثر من اللازم؟» مضيفة «قد يكون ذلك صحيحاً، ولكن ذلك يعد جزءاً من ثقافتنا»، وتكون تريكسل بذلك لخصت مشكلة الآسيويين الفرنسيين في ما يخص الهوية «لدينا انطباع أننا قدمنا كل شيء من أجل الاندماج، فنحن أناس نعمل ولا نترك أولادنا يتسكعون في الشوارع، ونتفق مع الرئيس ساركوزي على العمل أكثر، لتتم مكافأتنا بشكل مجزٍ».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news
