أكثر وحشية من تجارة الرقيق الإفريقي والتطهير العرقي

الاسترقاق الجنسي.. عبودية جديدة تمــارس في وضح النهار

فتيات صغيرات يقعن في شباك صيادي الرقيق الأبيض. أرشيفية

قُدر للفتاتين الصغيرتين، نيث وموم، أن تقعا في شباك صيادي الرقيق الابيض في كمبوديا. عاشت نيث في أحد المواخير أشهراً عدة، إذ تم بيعها لصاحب الماخور من قبل ابن عمها، كانت ضعيفة ولا تدري كم سنها، لكنها تبدو في الرابعة عشرة، بيعت عذريتها في مناقصة، وفاز بها مدير صالة قمار من تايلاند، مات في ما بعد بمرض نقص المناعة المكتسبة (ايدز). أيضاً تبدو موم فتاة ناحلة تعيش تحت خط البؤس في ماخور آخر، تم اجبارها على ممارسة البغاء منذ خمس سنوات.

وقُدر أيضاً ان يسافر الصحافي وكاتب العمود الشهير، نيكولاس كريستوف، الحائز على جائزة بلوتزير مرتين، الى منطقة موحشة وخطرة في الشمال الغربي من كمبوديا، إذ استطاع ان يحرر هاتين الفتاتين، بعد ان اشتراهما من سيديهما صحابي المواخير، فدفع 150 دولاراً مقابل نيث و203 دولارات مقابل موم. واستطاع كريستوف بمساعدة منظمة خيرية اميركية ان يدمجهما مرة اخرى في المجتمع الكمبودي.

وتُعد قصة نيث وموم محطة صغيرة ضمن المحطات الاخرى التي كشفها كريستوف، وزوجته شيريل وودن، عن الظلم الذي شاهداه في العالم الحديث. ويعتقد كريستوف أن هذا السلوك غير الاخلاقي المتمثل في استخدام الفتيات الصغيرات في تجارة الجنس لا يقل وحشية وفظاعة عن تجارة الرقيق الافريقي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر أو فظائع التطهير العرقي في القرن العشرين.

وسجل كريستوف وزوجته وودن تجربتهما مع هذا النوع من الاضطهاد في كتابهما «نصف السماء»، ويعود السبب في تسمية الكتاب الى المثل الصيني الذي يقول «ان المرأة تمسك نصف السماء». نصف السماء هي أيضاً منظمة انسانية أسسها كريستوف.

مزايدة على عذرية فتاة

بدأت هذه الكارثة العالمية تتكشف بالتدريج امام أنظار كريستوف وودن، اذ اكتشفا ان ما يصل الى مليوني فتاة تختفي من على ظهر الارض بسبب «التطهير النوعي»، او ما يعني موتهن بسبب الاضطهاد، واخذ الكاتبان يتحريان ويسجلان مختلف انواع الاضطهاد الذي تتعرض له الفتيات، بدءاً من الاسترقاق الجنسي وقتل الفتاة بدواعي ما يسمى الشرف والاغتصاب والختان الى الحالات الاقل حدة، مثل منع الفتاة من التعليم والرعاية الصحية. ووسع الكاتبان شبكتهما لتضم الصين والهند وكوريا واليابان وإفريقيا.

ويروي كريستوف «ذهبت إلى قرية خارج العاصمة فينوم بن، حيث تجرى مزايدة على عذرية احدى الفتيات، ومن سخرية الاقدار أن الشرطة بدلاً من مساعدة الفتاة جاءت لكي تمنعها من الهرب من سيدها»، ويضيف أن «الفرق الوحيد بين هذه الممارسات وعبودية القرن الـ 19 هو أن هؤلاء الفتيات سيقضين نحبهن بسبب مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز)، ولايزلن في الـ20 من اعمارهن. ويرى انها ليست عبودية سرية، وانما تتم ممارستها في وضح النهار، تماماً مثلما كان العبيد الأفارقة قبل 150 عاماً يعملون في مزارع اسيادهم البيض.

امرأة تضطهد امرأة

ليس الرجال في جميع الاحوال متورطين في هذه الممارسات، اذ هناك ايضاً النساء، ففي احد المواخير الهندية كشف كريستوف وزوجته أن صاحبة الماخور تجلد الفتيات بنفسها اذا رفضن الانصياع لأوامرها بممارسة الجنس مع العملاء، وفي بعض الاحيان تكلف زوجة ابنها أو أبناءها بالقيام بجلد الفتيات. ويرى كريستوف ان التحدي الاخلاقي في هذا القرن يتمثل في الصراع من اجل المساواة بين الجنسين في العالم النامي. ويقول إن آخرين يعتقدون ان المقارنة بين محنة هؤلاء الفتيات اليوم والاسترقاق في القرون الماضية أو المحرقة أو التطهير العرقي امر مبالغ فيه. ويرد على ذلك بقوله إن «هذه الممارسات استمرت عقدين من الزمان في الخفاء قبل ان تظهر للعلن، وعندما نسمع بان من 60 الى 100 مليون انثى اختفين من الحياة العامة فإن مثل هذا الرقم يمكن مقارنته بتجارة الرق في اوجها في القرن ا،لـ 18 عندما تم ترحيل 80 ألفاً من الارقاء من إفريقيا الى العالم الجديد، لنكتشف ان تجارة النساء عبر الحدود الدولية تبلغ 10 اضعاف تجارة الرقيق.»

ويقول المؤلفان انهما سافرا بعد زواجهما مباشرة الى الصين (وودن من اصل صيني)، لتغطية احداث ميدان تيانمين لمصلحة صحيفة نيويورك تايمز. وتقول وودن «لقد افزعنا ما رأيناه في ميدان تيانمين»، لكنها تضيف «تجولنا في الضواحي بعدها بعام أو عامين وبدأنا نكتشف ما لم نسمع به من قبل: قتل جماعي للصغار، حيث تموت اكثر من 30 مليون فتاة صغيرة داخل المجتمع الصيني». واكتشف الزوجان أنه وعلى رأس كل اسبوع تموت الفتيات اليافعات في الصين جراء عدم حصولهن على الرعاية الصحية، تماماً مثل عدد المحتجين الذين ماتوا في ميدان تيانمين (800 شخص).

اكتشاف مثل هذه الحقائق المؤلمة والانتهاكات الفظيعة جعلهما يتساءلان عن جدية العمل الصحافي الذي كانا يؤديانه هناك في الولايات المتحدة، حيث يتجادلان مع بقية الصحافيين في المسائل الجيوبولتيكية كل اليوم، في الوقت الذي تحدث فيه مثل هذه الانتهاكات الانسانية في مكان ما من العالم، وفي الوقت الذي يجري فيه كل ذلك تحت انظارهم دون ان يكتب عنه احد، مثله مثل «قضايا النساء» التي تتجاهلها صحافة التيار الرئيس، وتقول وودن «شعرنا بالفشل في عدم رؤيتنا كل ما يجري من فظاعات تحت اعيننا». وخلال السنوات اكتشفا أن هناك خيطاً يربط كل هذه العناصر ببعضها بعضاً، وان هناك سلوكاً اجتماعياً لا يسمح للنساء بان يصبحن اعضاء نشطات في المجتمع، وألا تتم معاملتهن كآدميات.

 روح لا تقهر

نشأت مختار مالي في قرية زراعية في جنوب البنجاب، وعندما كانت طفلة تعرضت للاغتصاب من أعضاء الطبقة العليا في العشيرة، وكان من المتوقع ان تنتحر، كما تفعل معظم النساء في قريتها في مثل هذه الحالات، وبدلاً عن ذلك ذهبت إلى الشرطة، واستطاعت ان تحصل على تعويض يعادل 8300 دولار، شيدت به مدرسة في القرية.


مثال جريء آخر

سونيثا كريشنا، التي يبلغ طولها أربع اقدام ونصف القدم فقط، صارت مقاتلة شرسة ضد تجارة الفتيات، وأسست منظمة في حيدرباد اطلقت عليها اسم براجوالا والتي ساعدت ما يصل الى 1500 امرأة هربن من البغاء ليحصلن على مهن جديدة، مثل النجارة والتلحيم.


مثال من إثيوبيا

ماميتو الاثيوبية، فتاة أمية في الخامسة عشرة من عمرها، تعيش في قرية نائية في اثيوبيا، لا يصل اليها طريق ولا يوجد فيها طبيب، تزوجت برجل من القرية، وحملت منه، وبعد ثلاث أيام من آلام المخاض ولدت جنيناً ميتاً، تقول «بعد أن افقت كان السرير رطباً من البول، واعتقدت بأنني ساصبح على ما يرام خلال يومين أو ثلاثة، لكن ذلك لم يحدث». اصيبت هذه السيدة بما يعرف بالناسور البولي، وتتعرض النساء لهذا المرض بسبب زواجهن في سن مبكرة، حيث الرحم لم ينضج بعد، وبسبب سوء التغذية. في نهاية الامر يقول كريستوف ان المرأة عُوفيت واصبحت طبية مرموقة.


 تعريف العبودية الجنسية في القانون

تعرّف المادة 7 (2) (ج) من قانون روما العبودية الجنسية بأنها تعني ممارسة أي او جميع السلطات المتعلقة «بحقوق الملكية» على شخص ما، ويشمل ذلك الانتهاك الجنسي المتكرر أو اجبار الضحية على تقديم الخدمات الجنسية، ويشمل أيضاً الاغتصاب من قبل المالك. ويضم التعريف ايضاً الحالات التي يجبر فيها الشخص على مزاولة الاعمال المنزلية أو الزواج أو اجباره على ممارسة أعمال السخرة الاخرى مثل ممارسة الانشطة الجنسية، وأيضاً الاتجار في الاشخاص، خصوصاً النساء والاطفال.

تسلم كل من كريستوف وودن رسالة من امرأة ما تقول فيها «بعد ان قرأت كتابكما صارت لدي رغبة جادة في مساعدة النساء»، وتضيف كاتبة الرسالة «سافرت الى اوغندا حيث شاهدت كيف تعيش المرأة في فقر مدقع».

وفي ما يتعلق بالفتاتين اللتين حررهما كريستوف، موم ونيث، فإن الحياة اصبحت صعبة امامهن، إذ انزلقت موم مرة اخرى داخل حياة المواخير لكي تتمكن من شراء عقاقير ميثامفيتامين المنشطة المحظورة، التي ادمنتها عند ممارستها حياة البغاء في المرة الاولى، قبل أن يشتريها كريستوف ويعتقها، ونالت حريتها للمرة الثانية بعد حملة مشددة من السلطات الحكومية ضد المواخير، وتزوجت احد زبائنها. سافر كريستوف إلى كمبوديا عام 2008 لمقابلتها، ادعت بأنها اصبحت ربة منزل، وانها تركت حياتها السابقة وراء ظهرها.

أما نيث فإنها تعرضت لمشاكل هي الاخرى، وخضعت لتشخيص طبي ثبت من خلاله أنها مصابة بفيروس (اتش آي في) المسبب لنقص المناعة المكتسبة، وكانت تعتقد بان اجلها قد آن، لكنها وجدت علاجاً له، وتزوجت ورزقت ولداً، واخبرت كريستوف بأنها تخطط لفتح صالون لتصفيف الشعر، وقالت إنها ستسمي الصالون باسم كريستوف.

 

تويتر