‏‏‏5000 طفل مسلح.. والناس يخشون العصابات حتى في وجود الجيش والشرطة

«أحياء الموت» والمخـدرات تغتـال جمال ريو دي جانيرو‏

وزارة الداخلية البرازيلية أطلقت حملة أمنية واسعة بهدف إعادة الهدوء والأمن للأحياء العشوائية التي أصبحت بؤراً للجريمة المنظمة. أ.ف.ب

‏‏لم يكن في وسع أحد قبل عام من الآن أن يغامر بنفسه ويذهب إلى ضواحي مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية، حيث تسيطر عصابات المخدرات على كل شيء، من دون حماية كافية. ويقع حي «مورو سانتا مارتا» العشوائي في الناحية الجنوبية من المدينة بين الأحياء السكنية، وعرف المكان بمعقل العصابات المتوحشة ولم تكن الشرطة تجرؤ على اقتحام الحي إلا في أعداد كبيرة. وتقوم مجموعات تعمل لمصلحة المهربين بتأمين دخول المخدرات وخروجها، وتعتبر «سانتا مارتا» مركزاً مهماً لبيع شتى أصناف المواد المخدرة مثل الكوكايين والماريغوانا وصنف جديد يُسمى «كراك». وفي أعلى التلة يقيم زعيم العصابة الذي شكل فرقة مدججة بكل أنواع الأسلحة الأوتوماتيكية لحمايته.

 

   http://media.emaratalyoum.com/inline-images/100361.jpg

‏الكرنفال والعنف

تعتبر مدينة ريو دي جانيرو الساحلية، المشهورة بالكرنفال الاستعراضي السنوي، والتي يقطنها ستة ملايين نسمة، واحدة من اكثر المدن عنفاً في العالم مع وقوع عمليات تبادل لاطلاقأ النار بشكل شبه يومي بين الشرطة وعصابات مدججة بالسلاح تسيطرأ على كثير من المناطق العشوائية في المدينة والتي يبلغ عددها نحو 1000 منطقة.‏

أما الآن فقد «انتهى كل شيء» بحسب رئيس جمعية سكان الحي خوسيه ماريو. ويقول هذا الأخير إنه في المرات السابقة كانت الشرطة تقتحم المكان وتقوم بالقضاء على بعض المجرمين وتعتقل آخرين ثم تنسحب، إلا أن الوضع سرعان ما يعود كما كان عليه. أما هذه المرة فقد اختلف الأمر بالنسبة له، حيث قامت قوات الأمن بعملية واسعة ومنظمة، ولم تنسحب الشرطة منذ ديسمبر الماضي. ويوجد حالياً نحو 120 شرطياً في سانتا مارتا، مجهزين بأحدث الأسلحة ووسائل الاتصالات.

وفي غضون ذلك أطلقت وزارة الداخلية البرازيلية حملة أمنية واسعة بهدف إعادة الهدوء والأمن للأحياء العشوائية التي أصبحت بؤراً للجريمة المنظمة توفر مناخاً مناسباً لتنامي ظاهرة العصابات الخارجة عن القانون. وتقوم القوات المشتركة-وتضم عناصر من الشرطة والجيش، بفرض القانون بالقوة.

وقد تم اختيار العناصر بعناية ضمن المتخرجين الجدد في الأكاديميات العسكرية. وفي ذلك تقول المتخصصة في المجال الأمني، سلفيا راموس، «لم يتورط هؤلاء في الفساد وقد تلقوا تكوينا يشجعهم على احترام القانون وحقوق الإنسان»، كما تتقاضى العناصر رواتب عالية مقارنة بنظائرهم في الأماكن الأخرى نظراً لخطورة الأحياء ولمنع وقوع هؤلاء الشبان في فخ الإغراءات المادية التي تقدمها العصابات.

أطفال مسلحون

يذكر أن القوة الأمنية التي شكلها الرئيس البرازيلي ايناسيو لولا دا سيلفا في عام 2004 والبالغ قوامها 7700 جندي تدخلت ثلاث مرات لكبح العنف منذ انشائها. واعتبر لولا ما حصل في ريو دي جانيرو إرهابا. وقد خلفت هجمات العصابات على حافلات ومراكز شرطة عشرات القتلى في السنوات الأخيرة. وفي احد الحوادث تم حرق ركاب حافلة احياء بعدما اضرم فيها مسلح النار، كما هوجمت مراكز للشرطة عدة بالقنابل اليدوية والأسلحة الرشاشة.

وتعرف الـ«ريو» بكونها من بين اعنف المدن في العالم، كما ان احياء الصفيح فيها تشهد اشتباكات مسلحة بين الشرطة والعصابات بشكل مستمر وكانت موجة من العنف قد اجتاحت مدينة ساو باولو في ،2006 لكن حاكمها كلاوديو ليمبو رفض في حينها تدخل القوات الفيدرالية.

يسيطر تجار المخدرات على كثير من الأحياء الفقيرة في ريو دي جانيرو، وغالباً ما تكون لهم صلات بالشرطة والسياسيين المحليين.

وتوظف العصابات المراهقين لحماية مناطق نفوذها، ويحصل بعض هؤلاء على رتب ويطلق عليهم اسم جنود كما لو كانوا في جيش نظامي. وفي العقدين الماضيين، قتل نحو 4000 شخص ممن تقل أعمارهم عن 18 سنة. ويقارن هذا العدد بـ 500 طفل استشهدوا في المواجهات بين الفلسطينيين والإسرائيليين خلال الفترة نفسها، حسب الإحصاءات غير الرسمية. ويقدر عدد الأطفال المسلحين في ريو بنحو 5000 طفل. وتحدث معظم حوادث القتل في نزاعات على النفوذ على مناطق معينة بين عصابات المخدرات.

أوضاع مزرية

يعيش سكان أحياء الصفيح التي يتجاوز عددها 300 في ريو دي جانيرو، في أوضاع مزرية للغاية وبعد الحملة الأمنية الأخيرة التي يأمل المراقبون أن تكون بداية لتهدئة حقيقية، حتى «يتمكن كبار السن من الخروج والحياة من جديد»، حسب تعبير ساكنة في حي سانتا مارتا، وهي الممرضة آنا كريستينا ماركيس. وتقوم ماركيس مع زملائها بتقديم العلاج للعديد من العائلات الفقيرة هناك. إلا أن البعض لايزال متردداً في الحديث عن عصابات المخدرات على الرغم من سيطرة الشرطة والجيش على الحي. ويقول القس في كنيسة محلية، فالديسي باريرا، «هنا، لا يمكننا الحديث عن التهريب، الناس خائفون»، مضيفاً «ماذا سيحدث لو غادرت قوات الأمن الحي وعادت العصابات لتفرض قانونها الخاص». ولايزال السكان يتذكرون ما حدث في التسعينات عندما اقامت فرقة من الشرطة في الحي لمدة أشهر وفجأة قررت الرحيل تاركة وراءها آلاف الأشخاص يواجهون مصيرهم على أيدي المجرمين الذين عادوا بقوة وانتقموا من الأهالي بقسوة. ويقول مراقبون إن السكان ينتظرون انتخابات العام الجاري، وفي حال تغيرت الحكومة ولم تنسحب عناصر الشرطة والجيش فإن ذلك يعني أنها باقية إلى أجل غير مسمى.

http://media.emaratalyoum.com/inline-images/100692.jpg

تعزيز الأمن

على غرار ما يحدث في سانتا مارتا تُوجد أعداد كبيرة من الشرطة والجيش في الأحياء العشوائية الأخرى في ريو دي جانيرو، وتقدر بعض المصادر عدد سكان هذه التجمعات بنحو 110 آلاف نسمة إلا أن العدد يزيد على ذلك بكثير. وفي الوقت الذي تعاني فيه الأجهزة الأمنية من نقص في العدد والعتاد، يقول المتخصصون في الشأن البرازيلي إنه يتعين على الحكومة توفير فرص عمل لشباب الأحياء العشوائية، بحسب المسؤولين، وإلا فإن المعركة التي تخوضها قوات الأمن حالياً ستنتهي بالخسارة.

اعتاد سكان الأحياء سماع إطلاق النار يومياً، بين أفراد العصابات المتناحرة، وقد دفع الأمر ببعض السكان إلى تعزيز الجدران والنوافذ لحماية منازلهم من الرصاص الطائش. وتختلف حدة العنف من منطقة إلى أخرى، ففي الوقت الذي يعاني فيه سكان المناطق المنخفضة الأمرين، تبقى التلال المرتفعة قلاعا حصينة للمهربين وقادة العصابات.

ويقول الأستاذ في الجامعة الاتحادية لولاية ريو دي جانيرو، جورجي لويز باربوسا، الذي يترأس مجموعة تدعم الضاحية الفقيرة «لن تحل القضية الأساسية لهذه المجتمعات من خلال بناء جدران»، مضيفاً «على العكس لن تحل القضايا الا بدمج الحي الفقير في المدينة».

وتسيطر عصابات المخدرات، شديدة التسليح، على عدد كبير من الضواحي الفقيرة ما فرض عليها عزلة أكبر من بقية مناطق المدينة الساحلية. وفشلت الشرطة في السيطرة عليها على الرغم من الغارات العنيفة المتكررة على هذه الضواحي. وأحياناً تلجأ العصابات إلى الغابة كملاذ، بل وتستغلها كمكان للتدريب ما يزيد من الشكوك بأن الاعتبارات الأمنية تمثل السبب الرئيس وراء بناء السور.

وأثارت توصيات بعض المسؤولين في عام 2004 ببناء جدار لأسباب امنية احتجاجات عامة. كما أثار اختيار مواقع بناء الجدران بعض الدهشة. فمن بين 13 حياً يقع 12 منها في المنطقة الجنوبية الثرية حيث توجد افخم المنازل والمطاعم والشواطئ الشهيرة.

لاتزال الثقة منعدمة بين السكان وعناصر الشرطة التي ينظر إليها على انها ضالعة في الفساد، هذا في الوقت الذي يقول فيه رجال الأمن أن الشكوك تساورهم في ما يخص العملية الأخيرة. وتقول النقيب برسيلا دي اوليفيرا التي تقود القوة المكلفة بحفظ الأمن في سانتا مارتا، انها قبلت توليها مهمة القيادة في هذا الحي «على مضض»، لأنها تعلم أن الأمر ليس سهلاً. وقد تم اختطاف الضابطة مرتين وحكم عليها بالموت من طرف العصابات، إلا أنها تمكنت من الفرار من قبضتهم. والغريب في الأمر أن سكان الحي هم الذين تواطأوا ضدها وسلموها للمجرمين. وكادت أن تقع مرة ثالثة في قبضة العصابات لولا مساعدة طفل حذرها من الكمين الذي نصب لها. وتقول «ومنذ ذلك الوقت أصبحت أكره سكان أحياء الصفيح».

 

 

تويتر