تبقى غير مؤهلة للتعامل مع المشكلة

الولايات المتحدة تواجه انكماشاً مقلقاً في عدد سكانها

صورة

كايرو مدينة تقع في الطرف الجنوبي من ولاية إلينوي، تأسست في أوائل القرن الـ19، سُميت بهذا الاسم لأنه كان من المتوقع أن تنمو لتصبح مدينة ضخمة. وتقع عند ملتقى نهري المسيسيبي وأوهايو، وكانت مركز النقل في المنطقة التي أصبحت تعرف باسم «مصر الصغيرة»، بسبب سهول الدلتا الشاسعة التي يمكن للمزارعين زراعة أي شيء فيها.

لكن حالها اليوم ليس كما تم التخطيط له، والتجول في المدينة تجربة غريبة. وتنهار المنازل الفيكتورية ذات الأبراج بلطف، بينما تغطيها الأعشاب الضارة. وبات وسط المدينة يشبه مكاناً مهجوراً لتصوير الأفلام. وكايرو اليوم ليست بها محطات بنزين ولا صيدليات ولا مستشفيات. ولقد تضاءل عدد المدارس من ست إلى اثنتين، وكلتاهما نصف فارغة.

«في السبعينات كان لدينا متجران للبقالة، وكانت لدينا محطتان للوقود»، تقول تويا ويلسون التي تدير مكتبة المدينة الفيكتورية الجميلة التي ماتزال تعمل. وتتابع: «كما تعلمون كان هناك كثير من الشركات والمحال المفتوحة». وبقي متجر بقالة متواضع واحد، لكن مؤسسة خيرية تديره بخسارة، وعندما زاره مراسل «الإيكونوميست»، كان هادئاً للغاية، مع وجود العديد من الأرفف الفارغة.

كايرو في طريقها لأن تصبح أحدث مدينة أشباح في أميركا. وبعد أن بلغ عدد سكانها ذروته (أكثر من 15 ألفاً) في عشرينات القرن الماضي، انخفض إلى 1700 شخص فقط بحلول تعداد عام 2020. وفقدت مقاطعة ألكسندر بولاية إلينوي، وعاصمتها، ثلث سكانها في العقد المنتهي عام 2020، ما يجعلها المكان الأسرع انكماشاً في أميركا.

هروب الشركات

انهيار مدينة كايرو له أسباب عدة. وقبل قرن من الزمن، بدأت عملية استبدال النقل النهري بالسكك الحديدية. وفي أعقاب تشريع الحقوق المدنية في السبعينات، هربت الشركات المملوكة للبيض لتجنّب توظيف السود. وفي العقد الماضي أدى هدم المساكن العامة إلى نزوح مزيد من السكان، لكن مشكلتها الكبرى - الآن - هي الرياح الديموغرافية المعاكسة على المستوى الوطني. وبين عامي 2010 و2020، فقدت أكثر من نصف مقاطعات البلاد - التي يسكنها ربع الأميركيين - عدداً من سكانها.

وعلى مدى العقود المقبلة ستشهد البلاد مزيداً من هذه الظاهرة، لأن عدد سكان أميركا ينمو بشكل أبطأ، وسيكون التغيير مؤلماً، بسبب الخصائص الديموغرافية والإدارية التي تتمتع بها أميركا.

وبين عامي 2010 و2020، ارتفع عدد السكان في البلاد بنحو 7.4%، وكان هذا أبطأ عقد من النمو منذ الكساد الكبير (عندما نما عدد السكان بنسبة 7.3%). وفي التسعينات كان معدل النمو 13%، والسبب الرئيس هو انخفاض معدلات المواليد. وكان معدل الخصوبة الإجمالي - وهو مقياس لعدد الأطفال الذين تُنجبهم المرأة النموذجية في حياتها - ثابتاً، أو يرتفع لمدة 30 عاماً منذ منتصف السبعينات.

ولكن في عام 2008، انخفض إلى أقل من 2.1، وهو المستوى اللازم للحفاظ على استقرار عدد السكان، ثم انخفض منذ ذلك الحين إلى 1.67. وإذا ظل أقل من 2.1، فإن الهجرة وحدها هي القادرة على الحفاظ على النمو السكاني على المدى الطويل، ومع ذلك انخفض صافي الهجرة أيضاً منذ التسعينات.

انخفاض عدد المهاجرين

كاد الوباء أن يوقف النمو السكاني تماماً. وفي عام 2020، توفي أكثر من 500 ألف شخص مقارنة بعام 2019، حتى مع انخفاض معدل المواليد أيضاً. ومع إغلاق الحدود وإغلاق المواقع الدبلوماسية الأميركية، انخفض صافي الهجرة بشكل حاد. وفي عام 2021، قدّر مكتب الإحصاء أن عدد السكان زاد بنسبة 0.2% فقط، وهو أدنى معدل في تاريخ البلاد. ومع انحسار «كوفيد-19»، تراجعت الوفيات. وفي العام الماضي، ووفقاً للتقديرات التي نشرها مكتب الميزانية في الكونغرس في يناير، زادت الهجرة، ويرجع ذلك - إلى حد كبير - إلى عبور الأشخاص الحدود الجنوبية بشكل غير قانوني.

لكن خبراء الديموغرافيا لا يعتقدون أن هذه الزيادة ستغيّر الاتجاه طويل المدى. وفي هذا العقد، وفقاً لوليام فراي، من معهد بروكينغز - وهو مركز أبحاث في واشنطن العاصمة - فمن المرجح أن ينمو عدد السكان بنحو 4%. وحتى لو افترضنا أن الهجرة ستظل مرتفعة، كما يشير فراي، فإن أميركا «ستظل تُظهر نمواً أبطأ في العقود المقبلة، مقارنة بأي عقد في تاريخ البلاد».

وهذه الظاهرة ليست فريدة من نوعها بالنسبة لأميركا. ويتزايد عدد السكان في العديد من البلدان الغنية الأخرى بشكل أبطأ، أو يتقلص، وكذلك هو الحال في العديد من البلدان النامية. وانكمشت الصين - أكبر منافس جيوسياسي لأميركا - في عام 2023 للعام الثاني على التوالي. وانخفض معدل الخصوبة إلى 1.15 طفل فقط لكل امرأة، وقد أصبح عدد سكان روسيا أقل مما كان عليه في عام 1991. والمشكلات الديموغرافية التي تواجهها أميركا أقل كثيراً من المشكلات التي تواجهها نظيراتها. ومع ذلك، هناك من الأسباب ما يدعو إلى القلق من أن أميركا ستتكيف مع النمو البطيء بقدر أقل من الاستعداد، مقارنة بالدول الأخرى.

جذب أشخاص جدد

ينمو عدد سكان الولايات المتحدة بالمعدل نفسه تقريباً، مثل سكان بريطانيا وفرنسا، لكن أميركا تختلف عن بريطانيا وفرنسا، حيث إن سكانها أكثر عرضة للتنقل في جميع أنحاء البلاد. وتنجح بعض أجزاء أميركا بشكل غير عادي في جذب أشخاص جدد. وقد زاد عدد سكان ولاية نيفادا بعشرة أضعاف منذ أوائل الستينات، عندما كانت فارغة للغاية، بحيث يمكن استخدامها لاختبار القنابل الذرية. وقد ارتفع العدد في ولاية تكساس أكثر من ثلاثة أضعاف خلال الفترة نفسها. وبشكل عام، توافد الأميركيون منذ فترة طويلة إلى ولايات «الحزام الشمسي» في الجنوب والجنوب الغربي.

وفي الماضي لم تكن هذه مشكلة، لأن عدد السكان كان ينمو بسرعة كافية، بحيث تمكّن كثير من الناس من مغادرة الولايات الأكثر برودة وغيوماً في الشمال الشرقي والغرب الأوسط دون التسبب في تقلص عدد سكانها. ولكن إذا كان عدد السكان ككل لا يكاد يتزايد، فلكي تنمو منطقة ما بسرعة، يجب أن تنكمش منطقة أخرى، كما تشير بيث جاروش، من المكتب المرجعي للسكان، وهي منظمة بحثية غير ربحية تعمل مع مكتب الإحصاء، وتقول إن «النمو يصبح لعبة محصلتها صفر».

الانكماش أمر سيئ لأسباب عديدة. وعندما يغادر الناس مكاناً ما، تصبح الأعمال التجارية أقل قابلية للحياة وأكثر عرضة للإغلاق. وتكافح المدارس التي ليس لديها عدد كافٍ من التلاميذ، من أجل الحفاظ على الفرق الرياضية، أو تدريس منهج دراسي واسع، حتى لو ظل تمويلها لكل تلميذ سخياً. عن «الإيكونوميست»

. في أعقاب تشريع الحقوق المدنية في السبعينات، هربت الشركات المملوكة للبيض لتجنّب توظيف السود.

. وفقاً لتقديرات يناير، زادت الهجرة - بسبب عبور الأشخاص الحدود الجنوبية - بشكل غير قانوني إلى حد كبير.

تويتر