في توجّه يدل على اليأس   

حكام ميانمار العسكريون يحاولون تجنيد رجال الروهينغا في الجيش

صورة

بعد تراجع سلطة المجلس العسكري الحاكم في ميانمار وتزايد خسائره للعديد من المناطق والبلدات، لجأ الحكام العسكريون إلى استراتيجية جديدة مثيرة للجدل والاستغراب في خوض الحرب، تتمثل في تجنيد مسلمي الروهينغا الذين كانوا ضحايا جيش ميانمار بالأمس، بموجب قانون الخدمة العسكرية الشعبية الجديد الذي تم إصداره خصيصاً لهذا الغرض.

وأثار هذا القانون الذي صدر في العاشر من فبراير الماضي استياءً واسع النطاق بين المواطنين الميانماريين، خصوصاً الروهينغا أنفسهم، ما دفع البعض إلى التفكير في الهجرة أو الانضمام إلى الجماعات المسلحة المناهضة للمجلس العسكري أو الجيوش العرقية.

وأدت الخسائر الأخيرة للمجلس العسكري الحاكم أمام جيش أراكان في ولاية راخين، بما فيها خسائر بلدات مهمة هي توكتو ومروكو وكيوتو ومايا بون وتونغو بو، إضافة إلى مدينة بالتوا في ولاية تشين؛ إلى دفع الحكام العسكريين لمحاولة يائسة تقضي بتجنيد مقاتلين جدد حتى من الروهينغا الذين طالما اعتاد الجيش التنكيل بهم وطردهم من البلاد.

إغراءات كثيرة

وأعلن الحكام العسكريون عن إغراءات كثيرة يمكن أن تدفع رجال الروهينغا إلى الانضمام لصفوف الجيش الحكومي. وأكد العسكريون أن رجال الروهينغا الذين ينضمون إلى الجيش سيحصلون على كيس من الأرز وبطاقة هوية وجنسية وراتب شهري قدره 150 ألف كياتس (41 دولاراً أميركياً).

وأصدر الجيش، في إجراء آخر مثير للجدل، توجيهاً بموجب قانون الخدمة العسكرية لتجنيد جنود جدد من مخيمات الروهينغا النازحين داخلياً بصورة مباشرة في سيتوي عاصمة ولاية راخين.

ويطالب الإجراء لجان إدارة المخيمات باختيار الأشخاص الملائمين للخدمة العسكرية من كل مخيم لتعزيز رتب الجيش، وبالتالي العمليات العسكرية التي تتم ضد جيش أراكان المتمرد الذي يقاتل ضد الحكم العسكري، بعد أن ألغى أخيراً وقف إطلاق النار مع الجيش وبدأ القتال، وأعلن عن نيته السيطرة على ولاية راخين بأكملها.

وأدان مجتمع الروهينغا حملة التجنيد التي لجأ إليها الحكام العسكريون في ميانمار، والتي يعتبرها كثيرون محاولة مستهجنة لاستخدام المجندين الروهينغا كدروع بشرية. وتبدو عبثية النظام واضحة للغاية، خصوصاً في ضوء «عملية تطهير المنطقة» التي قام بها الجيش عام 2017، والتي دفعت مئات الآلاف من الروهينغا إلى الفرار إلى بنغلاديش، وأثارت انتقادات دولية نتيجة الإبادة الجماعية التي وقعت في حينه.

قانون التجنيد

وينص القانون الجديد على تجنيد الرجال الذين تراوح أعمارهم بين 18 و45 عاماً، والنساء اللاتي تراوح أعمارهن بين 18 و35 عاماً في القوات المسلحة لمدة عامين، قابلة للتمديد إلى خمس سنوات أثناء حالات الطوارئ الوطنية، والتي تواجهها الدولة الآن بوضوح.

وتقوم وزارة الدفاع الآن بإصدار اللوائح والإجراءات والإعلانات والأوامر والإخطارات والتعليمات اللازمة لتنفيذ القانون. ويؤدي عدم الامتثال للتجنيد الإجباري إلى عقوبات بالسجن تراوح بين ثلاث وخمس سنوات وغرامات باهظة للمخالفين.

ويرفع المجلس العسكري غصن زيتون مزيفاً للروهينغا المحاصرين في مخيمات النازحين في ولاية راخين، وهو إرث خلفته الحملة الوحشية الأخيرة ضد الروهينغا. ويقصد الحكم العسكري من كل هذه التحركات إظهار أنه يريد منح الروهينغا حرية الحركة كحافز للتجنيد ومحاربة متمردي جيش أراكان في راخين.

وبالنظر إلى تناقص سلطة العسكريين في ميانمار، والتعقيدات التي ستنجم عن إشراك الروهينغا في وضع متقلب ومتفجر للغاية بالفعل في ولاية راخين، فإن هذه الخطوة تمثل علامة واضحة أخرى على اليأس المتزايد للنظام العسكري في ميانمار وضعفه.

خسارة العسكريين

وشهدت الأشهر الأخيرة خسارة العسكريين مناطق كبيرة خلال القتال مع المجموعات المسلحة التي تقاتل ضد انقلابه على الشرعية التي وصلت إلى السلطة بالانتخابات. وامتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بالصور التي تظهر سيطرة المتمردين على مواقع عسكرية، واستسلاماً جماعياً للجنود المنهكين، وحتى إسقاط طائرة عسكرية.

ويمكن مشاهدة القادة العسكريين في إحدى الصور وهم يرفعون الكؤوس في تنازل واضح إلى جانب الخصوم السابقين بعد الهزيمة في لاوكاي في ولاية شين الشمالية، حيث أفادت التقارير بأن ما يقرب من 2400 جندي أعلنوا استسلامهم.

وتشير تقديرات بعض التقارير إلى أن ما يقرب من ثلثي ميانمار تعيش حالة من الصراع العسكري مع تخلي العسكريين عن مناطق رئيسة على طول الحدود الشمالية مع الصين وفي المناطق الغربية بالقرب من الحدود الهندية، وفي أماكن أخرى، حيث واجهت الحركات المناهضة للانقلاب تقدماً أبطأ، حيث تتواصل المعارك الشرسة.

وتصاعدت الانتقادات الموجهة لقيادة الحكام العسكريين خصوصاً قائد الانقلاب الجنرال مين أونغ هلاينغ حتى بين الفصائل المؤيدة للجيش.

الاحتجاجات الأخيرة

ووصلت الاحتجاجات الأخيرة التي تضمنت تلك التي قادها الراهب المتعصب قومياً بوك ساياراردو إلى حد دعا فيها الراهب إلى استقالة الجنرال مين أونغ. ويؤكد هذا السخط بين المؤيدين التقليديين للجيش على الاستياء الواسع النطاق في المجتمع من حكم المجلس العسكري وحروبه.

وخضعت الحرب الأهلية الطويلة الأمد في ميانمار لتغيرات كبيرة مع ظهور مجموعات جديدة مختلفة متحالفة ضد المجلس العسكري بعد الانقلاب، وليس أقلها قوات الدفاع الشعبية الجديدة والمسلحة بشكل جيد.

وشجعت العمليات المنسقة الناجحة التي قامت بها الجماعات المسلحة العرقية ذات الخبرة، مثل «تحالف الإخوان»، و«المقاومة المؤيدة للديمقراطية» مع فقدان المجلس العسكري قبضته على مختلف المناطق.

وعلى الرغم من تزايد الخسائر في ميدان المعركة والسخط الداخلي فإن تغيير القيادة الموجودة على رأس المجلس العسكري لايزال بعيد المنال. وعلى الرغم من وجود تقارير عن تزايد الإحباط بين كبار الضباط فإن الثقافة العسكرية الراسخة من أعلى إلى أسفل تعني أن الإطاحة بمين أونغ هلاينغ لاتزال غير محتملة، كما أنه من غير الواضح أن تقوم قيادة بديلة بوقف العنف أو معالجة التظلمات الأساسية.

وأسهمت الحملات الوحشية التي يقوم بها الجيش في شتى أنحاء البلاد، بما فيها المناطق ذات الأغلبية الإثنية «البارما»، التي لم تتدخل في أي صراع مسلح تاريخياً، في جعل الجنود يفقدون معنوياتهم ويصابون بالإرهاق.

وهذا يؤثر على عمليات التجنيد الجديدة الضعيفة مع تزايد خيبة الأمل تجاه المجلس العسكري، ما يزيد من إضعاف قدرة الجيش على مواصلة عمليات مكافحة التمرد، وبالتالي لا يمكن النظر إلى محاولة المجلس العسكري تجنيد مسلمي الروهينغا إلا على أنها علامة على يأسه.

ولكن هذا التوجه العشوائي في التجنيد، بما فيه من بين أفراد الروهينغا، يعتبر مخاطرة قد تؤدي إلى تفاقم التوترات المرتفعة بشكل خطير بالفعل، وقد تؤدي في النهاية إلى مزيد من عدم الاستقرار وتفجير الوضع، حيث قد يختار كثيرون الانضمام إلى المقاومة بدلاً من القتال من أجل نظام مكروه على نطاق واسع ويعاني التخبط.

• أكد جيش ميانمار أن رجال الروهينغا الذين ينضمون إليه سيحصلون على كيس من الأرز وبطاقة هوية وجنسية وراتب شهري قدره 150 ألف كياتس (41 دولاراً أميركياً).

• على الرغم من وجود تقارير عن تزايد الإحباط بين كبار الضباط، فإن الثقافة العسكرية الراسخة من أعلى إلى أسفل تعني أن الإطاحة بمين أونغ هلاينغ لاتزال غير محتملة.

تويتر