40 عضواً برلمانياً غادروا السياسة الوطنية
الهولنديون استخفّوا باليمين فوقع زلزال سياسي
كان من الواضح قبل أشهر عدة من يوم الانتخابات الهولندية، أن الهولنديين سيكون لديهم رئيس حكومة جديد، والعشرات الجدد من أعضاء البرلمان. وأعلن أربعون عضواً في البرلمان (أي ما يعادل ربع أعضاء الغرفة السفلى)، إضافة إلى ثلاثة من أصل أربعة من قادة الائتلاف المحافظ المنتهية ولايته، نيّتهم مغادرة عالم السياسة الوطنية. وفي خضم هذا التغيير الانتخابي، ظهر أن الرجل الذي كان الدعامة الأساسية لليمين المتطرف خيرت فيلدرز - الذي سيصبح قريباً أطول شخص مكوثاً في البرلمان - هو الفائز الأكبر في كل ما حدث.
ولكن كيف نفهم هذا الزلزال السياسي الذي جعل فيلدرز وحزبه «بي في في» - واسمه حزب الحرية - يصبحان في الصدارة؟، وكيف سيؤثر ذلك في السياسة الهولندية والأوروبية؟ الدرس الأول والأكثر أهمية الذي يجب أن يعرفه السياسيون الهولنديون بصورة خاصة، هو الحدث الذي تردد مراراً وتكراراً خلال العقود الثلاثة الماضية، حول قضايا في هولندا وفي عموم أوروبا الغربية أيضاً. وإذا أجرينا الانتخابات حول قضايا اليمين المتطرف، وخصوصاً في ما يتعلق بـ«مشكلة الهجرة»، فسيفوز اليمين المتطرف من جديد، وشهدنا ذلك في السويد أخيراً.
تشابه مع السويد
وثمة تشابه آخر مع انتخابات السويد التي جرت العام الماضي، يكمن في أنه إذا أُجريت انتخابات بشأن مدى ملاءمة اليمين المتطرف للحكم، فإن اليمين سيفوز. وفي الأسبوع الماضي من الحملة وعندما صعد حزب الحرية بشكل مثير للصدمة في استطلاعات الرأي، تحدثت المقالة تلو الأخرى عن أن فيلدرز بدأ يتحدث بـ«لهجة أكثر اعتدالاً»، حيث بات يخفف من تصريحاته النارية.
وفي حقيقة الأمر، وحتى الإعلام الهولندي الذي يظل ذكياً باستمرار ونادراً ما يُبدي الانتقاد، بدأ يصف خيرت فيلدرز بالسياسي المعتدل. وكما أكد فيلدز مرات عدة، لم يكن هناك أي تغير في البرنامج، لكن ثمة تغيير واحد في الاستراتيجية، وهو لم يعمد إلى تخفيف مواقفه المتشددة بشأن الهجرة والإسلام، فضلاً عن رفضه لهما، وإنما قال إن ثمة «مشكلات أكبر» يعانيها المجتمع وأكثر أهمية من الحد من الهجرة في الوقت الراهن.
وفي نهاية المطاف، فإن المسؤول عن انتصار فيلدرز، الساحق والمفاجئ، هو عدوّه الشخصي، رئيس الحكومة المحافظ والمنتهية ولايته، مارك روتي، الذي قرر تدمير ائتلافه بسبب قضية طالبي اللجوء على وجه التحديد. وعن طريق نقل التركيز من الجدل بشأن استخدام المزارعين للنتروجين، والانقسام المزعوم بين المناطق الريفية والمدنية، إلى موضوع الهجرة، وانقسام المهاجرين الأصليين المزعوم. وكان حزب روتي - ويطلق عليه الحزب الشعبي للحرية والديمقراطية - يأمل أن يسيطر على الحملة، لكن كما هي الحال دائماً في هذه المرحلة، فاز حزب الحرية اليميني المتطرف.
ائتلاف مع فيلدرز
وإضافة إلى ذلك، عندما فتحت خليفة روتي في قيادة الحزب الشعبي الديمقراطي، وهي ديلان يسليغوس زيجيريوس، الباب لإقامة ائتلاف محتمل مع فيلدرز، على أمل أن تصبح رئيسة الحكومة لهذا الائتلاف، ساعدت على تطبيعه وتحسين صورته، وهو الأمر الذي تناوله الصحفيون الهولنديون، بعد أن شعروا بالملل من الحملة الانتخابية الضعيفة. وللإنصاف فقد استغل فيلدرز هذه الفرصة، مُظهراً تجربته السياسية، ومهاراته الاستثنائية في المقابلات والمناظرات مع وسائل الإعلام المتعددة.
ومع ذلك، وعلى الرغم من أن يسليغوس زيجيريوس كانت منفتحة للحكم مع فيلدرز، فإنها كانت مصرّة في الأيام الأخيرة في الحملة على أنها لن تعمل تحت قيادته. وبالنظر إلى أن السياسي القادم من أقصى اليسار، بيتر أومتزيغت، وحزبه «العقد الاجتماعي الجديد» قد استبعد العمل مع حزب فيلدرز مطلقاً، فإن انتصار هذا الانتخاب يمكن أن يتحوّل إلى هزيمة سياسية.
وفي الواقع، فإن حجم الانتصار الذي حققه فيلدرز والتقدّم الكبير الذي أحرزه على الحزب الشعبي للحرية والديمقراطية الذي حلّ في المركز الثالث، يمكن أن يجبر الأخير على الانضمام إلى ائتلاف مناوئ لائتلاف فيلدرز، إلى جانب تحالف حزب الخضر اليساري، بقيادة فرانس تيميرمانز، والاجتماعي الديمقراطي، وحركة أومتزيغت الجديدة. ولكن تبقى المشكلة الوحيدة في ذلك، وهي أن حزب الخضر، والديمقراطي الاجتماعي، باعتبارهما أكبر حزبين في الائتلاف، سيطالبان بالحصول على منصب رئيس الحكومة لتيميرمانز. وإضافة إلى ذلك، وبالنظر إلى أن يسليغوس زيجيريوس قد مدّت يدها لفيلدرز، فإنها رفضت تيميرمانز، لأنها قالت إنه «سيُثقل كاهل الدولة بالضرائب»، إضافة إلى أن قيام ائتلاف بقيادة تيميرمانز، يمكن أن يؤدي إلى ردة فعل عنيفة بين أعضاء الحزب الشعبي للحرية والديمقراطية، والناخبين.
دور هولندا في العالم
وبغض النظر عن نتيجة مفاوضات الائتلاف، فإن دور هولندا في بقية العالم - خصوصاً الاتحاد الأوروبي - سيتغير. أولاً: مع رحيل روتي وهو الزعيم السياسي المنتخب بصورة ديمقراطية، والأطول بقاء في الاتحاد الأوروبي، لم تعد الدولة تتمتع بوزن سياسي يفوق حجمها وثقلها، كما اعتادت في العقد السابق. وثانياً: على الرغم من أن هولندا توقفت عن كونها المحرك للتكامل الأوروبي، فقد كانت الائتلافات الهولندية التي قادها روتي خلال العقد الماضي تتحدّث أكثر مما تفعل.
والآن، مع كون الأحزاب المتشككة في الاتحاد الأوروبي، مثل حزب من أجل الحرية اليميني، وحزب أومتزيغت الوطني، الفائزين الكبيرين، فمن المحتمل أن يصبح الحزب الشعبي للحرية والديمقراطية المحافظ، أكثر تركيزاً على الهولنديين في سياسته الأوروبية، ما يزيد من تعقيد التحالف مع الأحزاب المناصرة للاتحاد الأوروبي (خصوصاً تحت قيادة تيميرمانز).
وفي الوقت الحاضر، يجب على هولندا أن تتصالح مع الواقع الجديد. وبعد 25 عاماً من تلبية احتياجات الناخبين اليمينيين، بدعوى هزيمة الحزب اليميني المتطرف، أصبح حزب اليمين المتطرف هو أكبر حزب في البرلمان على الإطلاق. وربما الآن، وبعد مرور أكثر من عشرين عاماً على صعود حزب بيم فورتوين اليميني والشعبوي، تستطيع البلاد أخيراً أن تبدأ مناقشة صادقة ومفتوحة حول مشكلة اليمين المتطرف.
• بغضّ النظر عن نتيجة مفاوضات الائتلاف، فإن دور هولندا في بقية العالم - خصوصاً الاتحاد الأوروبي - سيتغير.
• في نهاية المطاف فإن المسؤول عن انتصار فيلدرز الساحق والمفاجئ، هو عدوّه الشخصي، رئيس الحكومة المحافظ والمنتهية ولايته، مارك روتي، الذي قرر تدمير ائتلافه بسبب قضية طالبي اللجوء على وجه التحديد.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news