تسعى للتعبئة والحفاظ على مكتسبات الحرب

روسيا أمام مأزق وشيك في أوكرانيا خلال الشتاء

صورة

كان العديد من مراقبي حرب روسيا ضد أوكرانيا يناقشون ما يسمونه «المأزق الوشيك» في ساحة المعركة. ودفع آخرون باتجاه محادثات السلام وقاموا بصياغة «السيناريو الكوري» المستقبلي لأوكرانيا. ولكن يبدو أن الكرملين بدأ يفقد تفاؤله الواضح في ما يتعلق بصد القوات الأوكرانية، مع استمرار الهجوم المضاد البطيء والمطرد الذي تشنه كييف. ويسعى الجيش الروسي جاهداً للاستعداد لأسوأ السيناريوهات المحتملة مع بدء الحملة الشتوية.

ويسلط العديد من التطورات الأخيرة الضوء على مخاوف موسكو المتزايدة. أولاً: قام المسؤولون المحليون في بعض المناطق بزيادة المدفوعات لأولئك الذين يوافقون على توقيع عقود الخدمة مع وزارة الدفاع. ومن المحتمل أن يعني هذا الإجراء أن عدد المتطوعين كان أقل بكثير من المتوقع. ثانياً: ظهر المزيد من الأدلة على أن عدد الجنود والمتطوعين المتعاقدين، البالغ عددهم 410 آلاف، والذين تم تجنيدهم في عام 2023، لا يقترب من الأعداد المطلوبة. ثالثاً: يتزايد السخط بين زوجات وأمهات هؤلاء الجنود، الذين تم تعبئتهم قبل عام. وهن لا يطالبن بوقف الحرب تماماً، بل يدعون إلى التناوب المنتظم للقوات على طول الجبهة للسماح لأزواجهن وأبنائهن، بعودتهم إلى ديارهم لبعض الوقت. رابعاً: طلب سكرتير مجلس الأمن الروسي، نيكولاي باتروشيف، أخيراً من حكام الأقاليم وضع خطط للتعبئة على المستوى المحلي.

وتشهد كل هذه التطورات على حقيقة مفادها أن الكرملين يفترض أن وقف إطلاق النار لن يكون مقبولاً في كييف. ومن شأن مثل هذا السيناريو أن يسمح للجيش الروسي باستعادة قوته البشرية جزئياً، على الأقل على طول الجبهة؛ وتحسين تحصيناته الدفاعية لفصل الشتاء. إن موقف روسيا المتدهور في ساحة المعركة يدفع موسكو إلى النظر في اتخاذ تدابير محلية متطرفة، بما في ذلك موجة أخرى من التعبئة الجماهيرية والتعبئة الكاملة للاقتصاد المحلي لدعم الحرب.

تشكيلات تطوعية

وبدأت موسكو في إصدار سلسلة من التقارير الرسمية التي تغطي التجنيد العسكري في الجيش الروسي في مايو. وفي 9 نوفمبر، أعلن نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، ديمتري ميدفيديف، أنه تم تجنيد 410 آلاف جندي متعاقد، منذ يناير. ويبدو أن هذا العدد يشمل الجنود المتعاقدين الذين يعملون «كمتطوعين» (بمن في ذلك السجناء والعمال المهاجرون) في الوحدات النظامية، بالإضافة إلى أولئك الذين وقعوا عقوداً قصيرة الأجل مع وزارة الدفاع، للعمل في تشكيلات تطوعية منفصلة؛ وهذا الافتراض محتمل إلى حد كبير، حيث كان ميدفيديف قد أوضح في وقت سابق في 25 أكتوبر أنه تم تجنيد 305 آلاف جندي متعاقد، ونحو 80 ألف متطوع. وقد تم تضخيم هذه الإحصاءات في الماضي للتظاهر بأن كل شيء يسير كما هو مخطط له في ما يتعلق بجهود التجنيد.

واضطر معظم الأفراد «المجندين حديثاً» إلى البقاء في الجيش بعد انتهاء عقود خدمتهم. وتصفهم عقودهم الجديدة بأنهم مجندون أو متطوعون جدد، ما يزيد من تضخيم إحصاءات التجنيد. وأكد وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، في أكتوبر، أن بعض هؤلاء «المتطوعين»، بمن في ذلك السجناء والعمال المهاجرون، أكملوا فترة خدمتهم الأولى ووقعوا عقودهم الثانية في وقت ما بين يناير وسبتمبر. وببساطة، يقوم الكرملين بإحصاء المجندين بطريقته الخاصة، وتستمر هذه الممارسة، على الرغم من أنها قد تعود سلباً على البلاد، في الوقت الذي تتكبد فيه القوات الروسية خسائر فادحة على الخطوط الأمامية، وفقاً لمصادر أوروبية وروسية مستقلة.

متعاقدون حديثاً

ومع ذلك، يواصل المسؤولون في موسكو التصرف وكأن كل شيء على ما يرام. وأعلن عمدة موسكو، سيرغي سوبيانين، أن المدينة نفذت بالكامل خطتها للتجنيد لعام 2023، والتي تضم 22 ألف جندي متعاقد قبل الموعد المحدد. ويبدو هذا التصريح غير منطقي، حيث تم بالفعل تجنيد 25 ألف رجل في سن الخدمة العسكرية بين فبراير وديسمبر 2022، وفرّ عدد كبير من الروس من المنطقة لتجنب «التعبئة الجزئية»، في العام الماضي، وفقاً لمصادر روسية. وإضافة إلى ذلك، وبالنظر إلى أن ما يقرب من واحد من كل 10 مواطنين روس يعيش في موسكو وأن مسؤولي المدينة بحاجة إلى تجنيد العمال المهاجرين من آسيا الوسطى، قسراً، فإن العدد الإجمالي للجنود والمتطوعين المتعاقدين في روسيا لعام 2023 بالكاد يقترب من 200 ألف، وفقاً لمنظمة «سوفبودا» الروسية. ومن المقرر أن يخدم بعض الجنود «المتعاقدين حديثاً» في فروع القوات المسلحة الروسية، التي من المحتمل ألا تشارك أبداً بشكل مباشر في الحرب، ما يلقي مزيداً من الشك على الأرقام المعلنة من الكرملين.

ولاتزال روسيا تعاني عجزاً حاداً في القوى العسكرية العاملة في أوكرانيا. ويبدو أن المعطيات الحالية للقتال والتموضع العسكري للوحدات هما العاملان اللذان سمحا للقوات الروسية بالحفاظ على خطوطها الدفاعية على طول الجبهة. وإذا عادت القوات المسلحة الأوكرانية، بمساعدة كافية من الغرب، إلى حرب المناورة، فإن الكرملين سيواجه صعوبة في ساحة المعركة.

عن «جيمس تاون» و«ذا هيل»

600 ميل طول جبهة شرق أوكرانيا.

. السخط يتزايد بين زوجات وأمهات الجنود، الذين تم تعبئتهم قبل عام.

 


ميزة تكتيكية

رغم أن الهجوم المضاد الذي شنته أوكرانيا في يونيو كان سبباً في إثارة الآمال في الدول الغربية بتحقيق تقدم، فقد تحولت الحرب منذ ذلك الحين إلى معركة استنزاف وحشية؛ مع عدم إحراز أي من الجانبين أي تقدم حقيقي. ومع اقتراب فصل الشتاء، من غير المرجح أن تشهد الأشهر القليلة المقبلة أي مناورات مفاجئة عبر جبهة شرق أوكرانيا التي يبلغ طولها 600 ميل.

ولكن أوكرانيا فتحت جبهة جديدة في منطقة خيرسون الجنوبية، من خلال إنزال القوات بنجاح عبر نهر دنيبرو والحفاظ على الأرض، الأمر الذي قد يضغط على القوات الروسية ويصرف انتباهها عن ساحات القتال في منطقة زابوريجيا الجنوبية الشرقية.

وقال رئيس مكتب الرئاسة الأوكرانية، أندريه ييرماك، خلال إحدى الفعاليات الأسبوع الماضي، «رغم كل الصعاب، تمكنت قوات الدفاع الأوكرانية من اكتساب موطئ قدم على الضفة الغربية لنهر دنيبرو»، متابعاً «إنهم يقومون بتجريد شبه جزيرة القرم من السلاح خطوة بخطوة، ونحن نعرف كيفية تحقيق النصر».

وقال أستاذ التاريخ والسياسة العسكرية في جامعة كورنيل، ديفيد سيلبي: إن التطورات الأخيرة تظهر أن أوكرانيا تحتفظ بميزة تكتيكية، حتى لو كانت كييف تواجه «مهمة صعبة تتمثل في حرب طويلة ضد جيش روسي أكبر».

وقال سيلبي: «لدى أوكرانيا اليد العليا نوعاً ما، لكنها ليست أفضل بكثير من الجمود نفسه»، موضحاً «ما رأيناه خلال الشهرين الماضيين لا يذكرني بأي شيء بقدر ما يذكرني بمعارك الحرب العالمية الأولى، حيث يتم قياس التقدم بالأمتار وليس بالأميال، والإصابات كانت مروعة للغاية».

وأضاف سيلبي أن موطئ قدم خيرسون في أوكرانيا، وهي المنطقة التي ترتبط بشبه جزيرة القرم، التي تحتلها روسيا، يُعد واعداً. وأضاف «سيؤدي ذلك بالتأكيد إلى تهديد سيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم، وسيجعلهم يشعرون بالقلق بشأن ما إذا كان بإمكانهم الاحتفاظ بقواتهم في شبه جزيرة القرم»، متابعاً «إن القضية الكبرى هي في الواقع الحفاظ على عمل السلسلة اللوجستية؛ لأنه يتعين حمل كل شيء عبر النهر لدعم القوات هناك».

وقالت وزارة الدفاع البريطانية، في تحديث استخباراتي، إن القوات الروسية تحاول تطويق بلدة أفديفكا، لكنها فشلت في الاستيلاء عليها وعلى المناطق النائية من أوكرانيا، وستتكبد المزيد من الخسائر في محاولة الاستيلاء على مصنع الفحم الموجود على تخوم أفديفكا.

تويتر