مع استمرار مأساة غزة.. وتنظيم تظاهرات عالمية حاشدة مؤيدة للفلسطينيين

تحذيرات من تراجع مكانة الولايات المتحدة العالمية

صورة

بعد مرور شهر على حرب غزة، يقول القادة والمحللون إن دعم الرئيس الأميركي جو بايدن الثابت للقادة الإسرائيليين، حتى مع تصاعد عدد القتلى من المدنيين الفلسطينيين، يهدد بإلحاق ضرر دائم بمكانة واشنطن في المنطقة وخارجها، محذرين من قبول الولايات المتحدة المتصور للهجمات، وفي مخيمات اللاجئين.

ويتجه الغضب بشأن الضمانات المدنية للحملة، بشكل متزايد، نحو الولايات المتحدة، وليس فقط ضد إسرائيل، وكان مصدراً دائماً للاحتكاك طوال رحلات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في الشرق الأوسط وآسيا، خلال الأسبوع الماضي. وقد وجّه إليه رؤساء الوزراء والدبلوماسيون اللوم بشأن التصرفات الإسرائيلية، واتهم العديد منهم الأسلحة الأميركية ب

أنها تسهّل الهجمات، وأن الجهود المبذولة للضغط من أجل «وقف مؤقت لأسباب إنسانية»، بدلاً من وقف دائم لإطلاق النار، هي صيغة لاستمرار العنف ضد غير المقاتلين. وقال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، متحدثاً إلى جانب بلينكن في عمان «المنطقة بأكملها تغرق في بحر من الكراهية سيرسم ملامح الأجيال المقبلة». ودعا واشنطن إلى وقف الهجمات الإسرائيلية على المدنيين، قائلاً «للولايات المتحدة دور قيادي تلعبه في هذه الجهود، وعليها وعلينا جميعاً تقع المسؤولية الثقيلة لإنهاء هذه الكارثة».

وكانت محادثات بلينكن مع القادة الإسرائيليين متوترة، أيضاً، حيث لم يتنازل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وكبار مساعديه، لمخاوف الولايات المتحدة بشأن سلامة المدنيين، مؤكدين أن نشطاء «حماس» يختبئون بين المواطنين الأبرياء في غزة.

وحتى في طوكيو، خلال تجمع للدول الداعمة للولايات المتحدة عادة، أجرى وزراء الخارجية محادثات سادها التوتر حول تعامل واشنطن مع أزمة غزة، على الرغم من أن كبير دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، وجّه معظم غضبه إلى نظيره الألماني، بسبب تورطه في أزمة غزة، وهو ما يعني اتخاذ الجانب الأميركي بدلاً من دعم جهود بوريل لتوجيه دعوة أكثر حدة لإسرائيل لوقف هجومها. وفي وقت لاحق، خرج الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن الموقف الأميركي، ودعا إلى وقف إطلاق النار.

تداعيات طويلة المدى

مع تنظيم تظاهرات حاشدة مؤيدة للفلسطينيين في جميع أنحاء العالم، انتقد مئات الآلاف من الأشخاص في إندونيسيا وباكستان، وأماكن أخرى، إسرائيل وداعميها الأميركيين بسبب عدد القتلى، الذي تجاوز 11 ألف فلسطيني، كثير منهم أطفال، وفقاً لوزارة الصحة في قطاع غزة.

ويعترف مسؤولو إدارة بايدن بالتحدي الذي يواجهونه، بينما يوازنون بين الدعم لإسرائيل والخسائر الفادحة بين المدنيين في غزة. ويقول المسؤولون إنهم متفائلون بأنه إذا انتهى الرد الإسرائيلي بسرعة - على سبيل المثال من خلال إزالة القيادة العليا لـ«حماس» - فإن التداعيات طويلة المدى بالنسبة للولايات المتحدة ستكون أقل. وهناك أمل، أيضاً، في أن تتضاءل حالات الوفاة والإصابات غير المقصودة مع استبدال حملة القصف بالعمليات البرية، حتى مع تعبير بلينكن عن شعوره بالإلحاح بشأن سلامة المدنيين.

ويقول محللون إن المخاوف الأميركية بشأن تراجع النفوذ في الشرق الأوسط تسبق بفترة طويلة هجوم «حماس» في السابع من أكتوبر، ولكن الوضع الحالي من المحتمل أن يسرّع ويعمّق التداعيات. والعلاقات الوثيقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن النهج المتبع في غزة جعلت القادة العرب غير راغبين في أن يُنظر إليهم على أنهم يقدمون أي خدمات لواشنطن.

وفي ذلك يقول اللواء المتقاعد، عباس إبراهيم، وهو مسؤول لبناني كبير سابق، شارك في المفاوضات لتأمين خروج الرعايا الأجانب المحاصرين في غزة «ما يفعله الأميركيون، الآن، هو سياسة ستلحق الضرر بهم». ويتابع إبراهيم «إن ما لا يقل عن 1.3 مليار شخص في العالم سيكرهونهم. والأمر لم يعد يقتصر على المسلمين، بعد الآن، فهناك أناس يتظاهرون في جميع أنحاء العالم».

وقال الضابط اللبناني إنه نقل ذلك بصراحة إلى المسؤولين الأميركيين الذين سافروا إلى بيروت في الأيام الأخيرة كجزء من الدبلوماسية لتجنب صراع إقليمي أوسع. وقال «لم يجيبوا، هذه هي سياستهم، ولكنهم مخطئون».

تعزيز الصورة

وقد أعطى الغضب تجاه واشنطن، روسيا والصين فرصة لتصوير نفسيهما كمدافعين عن الفلسطينيين، وتعزيز صورتهما في العالم النامي، واستخدام وسائل الدعاية الخاصة بهما، لتضخيم العلاقة بين الولايات المتحدة والعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة. واستضافت موسكو كبار قادة «حماس»، الشهر الماضي، الأمر الذي لاقى إشادة من المنظمة وإدانة من إسرائيل.

وبالنسبة لعالم منقسم بالفعل حول الحرب الروسية ضد أوكرانيا، فإن أزمة غزة تقدم مبرراً لأولئك الذين يريدون استغلالها، وهو أن الدول الغربية تهتم بوفيات المسيحيين البيض الأوكرانيين أكثر من اهتمامها بالمسلمين غير البيض في الشرق الأوسط.

وقالت مديرة برنامج السياسة الخارجية في معهد بروكينغز، سوزان مالوني «هناك شيء يحدث في ما يتعلق برد الفعل على هذه الأزمة، لا يشبه أي شيء أستطيع أن أتذكره في السنوات الأخيرة، وربما يعود تاريخه إلى حرب الخليج وغيرها من أحداث السياسة الأميركية في الشرق الأوسط».

وأضافت مالوني أن «هناك شعوراً في العالم النامي بوجود معايير مزدوجة في ما يتعلق بالضحايا»، وهو تصور غير عادل، نظراً لأن روسيا غزت دولة مجاورة أضعف لا تشكل تهديداً أمنياً، وتم قتل مدنيين أوكرانيين، بينما ترد إسرائيل على تهديد مستمر من حركة حماس في أعقاب هجوم، وفقاً لمالوني. ومع ذلك، فإن حصيلة الحرب وضعت المسؤولين الأميركيين في موقف لا يمكن الدفاع عنه. ويعترف الكثيرون سراً بعدم ارتياحهم إزاء استهداف إسرائيل لمواقع «حماس» ضمن تجمعات المدنيين. وقد أعلن بلينكن مراراً، في اجتماعاته المغلقة مع زملائه من كبار الدبلوماسيين، عن ألمه عند رؤية صور أطفال فلسطينيين يتم انتشالهم من تحت الأنقاض، كما يقول المسؤولون.

تخفيف الكارثة

وخلال رحلاته في الأيام الأخيرة، زاد بلينكن من حدة لهجته بشكل كبير في الوقت الذي أبطأ فيه نتنياهو الجهود التي من شأنها تخفيف الكارثة الإنسانية.

لقد قُتل عدد كبير جداً من الفلسطينيين. وقال بلينكن، يوم الجمعة، في نيودلهي، في ختام جولة استمرت تسعة أيام، وتوقفت في ثماني دول والضفة الغربية «لقد عانى الكثير منهم (الفلسطينيون) في الأسابيع الماضية، ونريد أن نفعل كل ما في وسعنا لمنع إلحاق الضرر بهم».

وفي بداية رحلاته، عندما التقى بلينكن مع نتنياهو وغيره من القادة الإسرائيليين في تل أبيب، أخبرهم بأنه لا يمكن أن يكون هناك أسبوع آخر من المذبحة مثل تلك التي وقعت للتو، مع مقتل العشرات من اللاجئين عندما تم استهداف مخيماتهم، جراء القصف، وتضاؤل إمدادات الغذاء والمياه، وانقطاع الاتصالات الذي يعيق وصول سيارات الإسعاف إلى الجرحى.

ويقول المسؤولون الأميركيون إن إطالة أمد معاناة المدنيين يهدد بتطرف الشباب الفلسطيني، ويزيد من فرص نشوب حرب إقليمية إذا شعرت إيران والقوات التابعة لها بالحاجة إلى الرد.

• خلال تجمع للدول الداعمة للولايات المتحدة عادة، أجرى وزراء الخارجية محادثات  في طوكيو، سادها التوتر حول تعامل واشنطن مع أزمة غزة.

• المخاوف الأميركية بشأن تراجع النفوذ في الشرق الأوسط تسبق بفترة طويلة هجوم «حماس» الأخير على إسرائيل، ولكن الوضع الحالي من المحتمل أن يسرّع ويعمّق التداعيات.

تويتر