تبنت «الاستقلالية الاستراتيجية المفتوحة»

أوروبا تخطط لمواكبة أسوأ السيناريوهات في المستقبل

صورة

يعاني الاتحاد الأوروبي ظروفاً استثنائية، ابتداءً من الحروب على عتبة بابه إلى التضخم وأزمة المناخ، ناهيك بعدم الاستقرار السياسي في الولايات المتحدة والتنافس مع الصين، وفي كثير من الأحيان تغلبت الأحداث على الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي يجعل مهمة تحسين التخطيط للأسوأ أكثر إلحاحاً.

وبينما كان الزعماء الأوروبيون يكافحون النيران السياسية في قمتهم غير الرسمية التي عقدت الأسبوع الماضي في غرناطة، غير مدركين أن حركة حماس ستشن غارتها على إسرائيل في اليوم التالي، فقد بدأوا بهدوء مناقشة حول الرؤية الاستراتيجية.

وفي هذه المرحلة التي لاتزال تجربة فكرية إلى حد كبير، فإن مفهوم «الاستقلالية الاستراتيجية المفتوحة» تؤيده إسبانيا المضيفة التي تترأس حالياً مجلس الاتحاد الأوروبي. وتعكس الفكرة تحولاً في الأولويات للتنقل في عالم يتزايد فيه عدم اليقين، والابتعاد عن التحولات الخضراء والرقمية التي سيطرت على جدول الأعمال في السنوات الأخيرة. ولتعزيز المفهوم يدعو المؤيدون إلى إنشاء دور في المستقبل للمفوضية الأوروبية المسؤولة عن الاستقلالية الاستراتيجية المفتوحة، بل إن هناك حديثاً عن أن المفوض الفرنسي المسؤول عن السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي تيري بريتون قد يكون الرجل المناسب لهذا المنصب.

ومن المؤكد أن بريتون من المؤيدين المتحمسين لهذا المفهوم، ولكن ليس سراً أيضاً أنه يضغط من أجل الحصول على أعلى منصب في المفوضية.

تناقض في المصطلحات

بالنسبة للمبتدئين يبدو مفهوم الاستقلالية الاستراتيجية المفتوحة كأنه تناقض لفظي، وهذا لأنه كذلك بالفعل، وبعد العولمة المفرطة في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بدأت الثقة في الليبرالية تتآكل، ثم كشفت الحروب التجارية في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب والوباء والحرب الروسية ضد أوكرانيا عن اعتماد أوروبا الاقتصادي على الدول القوية التي تعتبر إما منافسة استراتيجية كامنة أو علنية.

وقال مسؤول في الرئاسة الإسبانية لصحيفة «بوليتيكو» - طلب عدم الكشف عن اسمه - «إن الولايات المتحدة والصين أصبحتا أكثر اعتماداً على نفسيهما، وكانت بعض الأصوات تقول إن هذا هو ما يتعين علينا القيام به»، متابعاً: «لكن هذه ليست فكرة جيدة بالنسبة لأوروبا».

وبدلاً من ذلك فإن مفهوم الاستقلالية الاستراتيجية المفتوحة يدور حول حماية الاتحاد الأوروبي بالقدر الكافي لحماية أمنه الاقتصادي في حين يظل لاعباً دولياً، وبعبارة أخرى فإنه يعني «التعاون المتعدد الأطراف حيثما أمكننا ذلك، والعمل بشكل مستقل حيثما يتعين علينا ذلك»، وفقاً للمسؤول الإسباني.

إنه قبول على مضض بأن سياسات القوى العظمى تهيمن الآن على الاقتصاد، وهذا يعني أيضاً أن الاستقلالية الاستراتيجية المفتوحة تشبه كتلة العجين، ولأن المفهوم يعتمد على نوع من المقياس المتدرج للانفتاح والحماية، فإن البلدين والقادة قادرون على سحبه في أي من الاتجاهين لتفسير ما يعنيه في الممارسة العملية.

في الأساس، تدور الجهود الكبيرة التي تبذلها الرئاسة الإسبانية حول توفير بديل بنكهة ليبرالية لسياسة الحماية (الفرنسية)، والأمر الذي لم يتضح بعد هو نطاق الفكرة: هل هو مفهوم ضيق قادر - على سبيل المثال - على توجيه المفاوضات التجارية، أم ينبغي له أن يجهز الاتحاد الأوروبي للاحتراز من المخاطر الجيوسياسية من الدرجة الأولى، مثل الغزو الصيني المحتمل لتايوان؟

أكثر توازناً وتطلعاً

إن الدفع من أجل استقلالية استراتيجية مفتوحة يدور حول مواجهة التحول إلى الداخل الذي كان يدور حول قطع التبعيات، مثل اعتماد الاتحاد الأوروبي على الطاقة الروسية، بعد أن أمر الرئيس فلاديمير بوتين بالحرب على أوكرانيا. وقال المسؤول الإسباني: «نحن نفتقد استراتيجية أكثر توازناً وتطلعاً للمستقبل»، بعد إعلان فرساي، في إشارة إلى الرد الأول لزعماء الاتحاد الأوروبي على الهجوم الروسي في 24 فبراير 2022.

وقدمت إسبانيا مساهمتها في المناقشة في شكل وثيقة سميكة صاغها مكتب الاستشراف التابع لها، بالتنسيق مع أكثر من 80 وزارة في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي.

وفي أوروبا المستقبل هذه ينبغي للكتلة أن تركز على دعم الشركات المتطورة في كل شيء من الغذاء إلى الطاقة الخضراء والصحة والتكنولوجيا. وكتب المؤلفون: «يجب أن يركز هذا النهج على إنتاج سلع ذات قيمة مضافة عالية»، ويجب أن يكون هناك أيضاً «مساحة لتشمل الإنتاج التنافسي دولياً للسلع الأساسية التي تعتبر ضرورية للبقاء»، مثل المنتجات الطبية، وهو درس من عصر الوباء.

وتتضمن إحدى الأفكار الأكثر حيوية توسيع استخدام الطحالب والحشرات والبروتينات القائمة على الميكروبات، لإطعام الماشية الأوروبية، بدلاً من إطعامها فول الصويا الأميركي، ويجب على بروكسل أيضاً توقيع اتفاقيات تجارية، وتعزيز ميزانيات البحث والتطوير، وتقليص الإجراءات الروتينية، ومنع التنافس الحكومي بين دول الاتحاد الأوروبي، وإنشاء مخزونات استراتيجية على مستوى الاتحاد الأوروبي من المواد الخام الرئيسة وإعادة تدوير المزيد.

ويرى الخبراء أن النهج الإسباني يمثل محاولة لموازنة السياسات التجارية الأكثر دفاعية للاتحاد الأوروبي في السنوات القليلة الماضية، بما في ذلك استراتيجية الأمن الاقتصادي الأخيرة. وقال زميل السياسات البارز في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، توبياس جيركي، إن الوثيقة الإسبانية تعطي «نظرة إيجابية لقدرة أوروبا على تشكيل هذا العالم»، موضحاً: أنها «لهجة مختلفة تماماً عن استراتيجية الأمن الاقتصادي، والتي هي سلبية إلى حد ما، والتي تركز كثيراً على المخاطر، وأقل بكثير على الفرص».

صندوق مفتوح

مع اقتراب موعد الانتخابات الأوروبية وتعيين أعضاء مفوضية جدد في العام المقبل، فإن صندوق الأفكار مفتوح للمرشحين الرئيسين والملفات لفترة السنوات الخمس المقبلة، بل إن بعض الدول تطرح فكرة تعيين نائب لرئيس المفوضية مسؤولاً عن الاستقلالية الاستراتيجية المفتوحة.

وكتبت هولندا وبلجيكا وفنلندا والبرتغال وسلوفاكيا في وثيقة مناقشة خلال الصيف: «يجب أن تكون مسؤولية قيادة الاستقلالية الاستراتيجية المفتوحة للاتحاد الأوروبي مدرجة بشكل واضح في حقيبة نائب الرئيس التنفيذي».

ومع ترشح تيري بريتون لمنصب رفيع في بروكسل، تبدو المحفظة مصممة خصيصاً لهذا الفرنسي النشط الذي أطلق بالفعل مشاريع قوانين تتعلق بالمواد الخام المهمة، والرقائق الدقيقة، وصناعة الدفاع، ودفع الاتحاد الأوروبي إلى تكثيف جهوده في إنتاج اللقاحات الخاصة به أثناء الوباء. وفي غضون ذلك شارك بريتون في حملة تأييد فرنسية في عطلة نهاية الأسبوع في بوردو، خلال مؤتمر حزب الرئيس إيمانويل ماكرون الوسطي، والذي حضرته أيضاً رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين. وقال بريتون على «إكس»، بعد لقائه مع رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن: «نحن ملتزمون بمواصلة تنفيذ الأجندة الأوروبية بشأن الاستقلالية الاستراتيجية، وأوروبا القوية».

• 80 وزارة في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي شاركت في صياغة الرؤية الجديدة.

• يرى الخبراء أن النهج الإسباني يمثل محاولة لموازنة السياسات التجارية الأكثر دفاعية للاتحاد الأوروبي، بما في ذلك استراتيجية الأمن الاقتصادي الأخيرة.

• بعد العولمة المفرطة في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بدأت الثقة في الليبرالية تتآكل.

تويتر