يُعدون الأكل في المنازل.. وحولوا سياراتهم الخاصة إلى عربات إسعاف لنقل المرضى

أهالٍ يديرون مستشفى في الخرطوم ويوفرون الطعام والعلاج والجراحات بإمكانات ذاتية

صورة

قدم أهال سودانيون بإمكاناتهم الخاصة نموذجاً للمبادرة الشعبية التكافلية، في تشغيل مستشفى «النو» بالخرطوم، في ظل افتقاد العون الرسمي، وفي ظل الحرب الدائرة الآن بين الجيش السوداني والدعم السريع، حيث عزز الأهالي استمرار عمل المستشفى بجهودهم الخاصة، عبر توفير الطعام والإمدادات للمرضى من المنازل، وتوفير الانتقال بالسيارات الخاصة، كما نجحوا في توفير حد أدنى من الطواقم الطبية والإدارية تكفي لتشغيل المستشفى لساعات، عبر حملات استنفار استخدموا فيها وسائل التواصل، بحسب مشاركين وشهود عيان في التجربة الطوعية الريادية.

وقال عوض عبدالكريم، أحد القادمين من الخرطوم إلى القاهرة بعد اندلاع الحرب لـ«الإمارات اليوم» إن شباباً سودانيين أطلقوا ما سموه (مبادرة مستشفى النو) بعد الحرب، وبعد أن أخفقت القنوات السابقة المعتادة في توفير الكفاءة المطلوبة لتشغيل المستشفى بالوتيرة المقبولة، فأطلقوا استنفاراً لاستقدام متطوعين استجاب له 45 شاباً وشابة وضعوا أنفسهم تحت إمرة المستشفى للحفاظ على حد أدنى من تشغيله.

وتابع أن «الدعوة للتطوع شملت طبيبات وأطباء وطواقم تمريض، وطواقم وظائف معاونة، وكل من يستطيع أن يسهم بشيء يساعد في التشغيل، وكانت الاستجابة فورية ومتزايدة رغم المخاطر ونيران الحرب».

ونوه عبدالكريم إلى أن «المشكلة الأخطر التي واجهت شباب المبادرة هي توفير الترحيل، أي نقل المرضى من منازلهم وأماكن تواجدهم إلى المستشفى في ظل انتشار الاشتباكات ومخاطر القصف في كل شبر في الخرطوم، وأنه تم حل هذه المشكلة إلى حد كبير بتخصيص أهال سياراتهم الخاصة لذلك، واعتبارها سيارات إسعاف، كما تم حل مشكلة أكل المرضى بترتيب وجبات لهم يتم إعدادها في المنازل ونقلها إلى المستشفى».

وأضاف أن «المبادرة التي أطلقت كحملة شعبية تحت شعار (مستشفى النو لن تتوقف) فتحت حساباً لها لتلقي الدعم من كل السودانيين بالداخل والخارج، كما أنها أقامت صفحات لها على صفحات التواصل لاستقبال وتنظيم كل عون ممكن من أي متطوع ولو كان بسيطاً في أي اتجاه، وأصبحت رغم طموحها لتحقيق نتائج أكبر، خطوة رائدة يقاس عليها ويقتدى بها للعمل الطوعي الذي يمكن أن يقوم به الناس في ظل ظروف الحرب يفخر به السودانيون».

من جهته، قال ناطق باسم الحملة على حسابه على «تويتر» إن «المستشفى نجح من يوم 15 أبريل، موعد انطلاق الحرب، إلى اللحظة في إنجاز ما يزيد على 1800 غسلة لمرضى الفشل الكلوي داخل مركز الدكتور النذير في مستشفى النو التعليمي، وإنهم يعتبرون الإنجار شمعة مضيئة وسط ظروف الحرب والقصف».

وقال الناشط السوداني في المجتمع المدني عاصم داوود، والقريب من حملة «مستشفى النو لن تتوقف» لـ«الإمارات اليوم»، إن «الحديث عن التجربة يجب أن يتعدى مرحلة التمجيد والإشادة، التي سيأتي وقتها، إلى مرحلة دعم واحتضان التجربة التي يمكن وسط الظروف القاسية والآخذة في التدهور أن تتعرض للانهيار». وأشار داوود إلى أن «المستشفى أصدر نداءات تدعو السودانيين في الداخل والخارج إلى الوقوف بجانبه».

وقال متطوع بالحملة الشعبية «مستشفى النو لن تتوقف» إنهم يحصلون على الأدوية عبر التجوال والبحث لساعات طويلة بواسطة الدراجات الهوائية من منازل المتطوعين والخيرين، ويوفرون الأدوية لأصحاب الأمراض المزمنة. وإن الصيدليات بأم درمان أغلقت أبوابها، ولم يعد بمقدور المرضى البحث عن الدواء في مناطق تتجدد فيها الاشتباكات، فيما أسعار المواصلات اللازمة للحركة أصبحت غالية جداً، لذلك يحاول هو ورفاقه بواسطة هذه الدراجات التجول في كل أرجاء المدينة والبحث عن العلاجات التي يعرضونها على طاولة في مدخل المستشفى، ويتجمع حولهم المرضى ليأخذوا احتياجاتهم من الدواء.

وقالت قناة «الحرة» في تقرير لها عن المستشفى وحملته إن «هذه المبادرة الأهلية من سكان المنطقة جاءت في وقت قال فيه الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر إنه يكاد يكون من المستحيل تقديم الخدمات الإنسانية في العاصمة السودانية الخرطوم ومحيطها وإن النظام الصحي بكامله معرض للانهيار في السودان».

وكان مستشفى النو التعليمي أصدر بياناً نشره على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» وجهه أخيراً إلى التجمعات السودانية والمنظمات الطوعية والنقابات والمهنية بأن «الشعب السوداني الذي يعيش كارثة الحرب وصدى الرصاص يدعوكم إلى الوقوف الشعبي بجانبه بوصفه الملاذ الوحيد الصحي الفعال حتى الآن في الخرطوم».

وقال البيان «شكلت الساعات الأولى من اندلاع حرب 15 أبريل سمة فريدة من صمود شعبنا اتحدت فيه إرادة لجان المقاومة الشعبية وسكان المحلية في محافظة كرري وكوادر مستشفى النو لضمان استمرارية تقديم الرعاية الصحية في ظل الظروف العصيبة ومواجهة العديد من التحديات والعمل في ظل ظروف غير مسبوقة من عدم توافر الدعم اللوجستي والأمني»، وتابع البيان «في ظل الضغط غير المسبوق نناشد جميع أبناء الشعب السوداني والهيئات الطوعية والإنسانية المحلية والدولية والنقابات والجمعيات المهنية وجميع فئات سكاننا الصامدين التكاتف وتنسيق جهودهم لدعم المستشفى».

الجدير بالذكر أن آخر نداءات «مستشفى النو» كانت الثلاثاء الماضي، أعلن فيه إلى احتياج 300 جريح من ضحايا المعارك الدائرة إلى نقل دم، كما دعا الأهالي القريبين من المستشفى إلى التبرع بصابون وحنوط ومعقمات، وأن يعلنوا عن ذلك حتى لو في «القروبات» العائلية الخاصة بهم على وسائل التواصل.

• الدعوة للتطوع شملت طبيبات وأطباء وطواقم تمريض، وطواقم وظائف معاونة، وكل من يستطيع أن يسهم بشيء يساعد في تشغيل المستشفى، وكانت الاستجابة فورية ومتزايدة رغم المخاطر ونيران الحرب.

تويتر