الحريديم المتشددون يشكلون 13% من السكان

الانقسام بين اليهود العلمانيين والمتدينين يتفاقم تحت حكم نتنياهو

صورة

تردد صدى الموسيقى وصوت الأطفال في مركز ألعاب أطفال بإسرائيل بينما كانوا يتدافعون وسط الكرات، ويتسلقون ألعاباً، ويلتهمون الفشار وهم يضحكون.

ثم تغير المشهد المعتاد ليوم السبت، حيث ظهر ما لا يقل عن 10 رجال دين أغلقوا المكان، واتهموا الحاضرين بتدنيس يوم السبت اليهودي من خلال القيام بأنشطة. وواجههم آباء غاضبون، واندلع شجار، وفي لحظة أصبح المكان مثالاً للمعركة القائمة بين اليهود العلمانيين والمتدينين في إسرائيل.

قالت تسيبي براير- شرابي، وهي أم تبلغ من العمر 38 عاماً، إنها تعرضت للاعتداء وطرحت أرضاً خلال الواقعة التي حدثت في مايو الماضي، وأضافت: «أعتقد أن هذا يمثل ما يحدث في البلاد. أريد أن يختار أطفالي طريقة حياتهم، لا أريد أن يخبرهم أحد كيف يجب أن يأكلوا، وأي الملابس يجب أن يرتدوا، وماذا يجب أن يفعلوا أو لا يفعلوا يوم السبت».

اختلال

أدت وقائع مماثلة منذ فترة طويلة إلى اختلال التوازن الهش في المجتمع الإسرائيلي، ولكن في ظل السلطة غير المسبوقة التي تتمتع بها الأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة حالياً في الحكومة الإسرائيلية الجديدة، وقيامها بدور رئيس في خطة الإصلاح القضائي المثيرة للجدل، تتصاعد مخاوف العلمانيين في إسرائيل من شبح التهديد الذي يطل على شخصية ومستقبل دولتهم.

بفضل نفوذه السياسي الكبير، تم منح مجتمع الحريديم تمويلاً ضخماً، يقول منتقدون إنه يرسخ أسلوب حياتهم المنعزل، ويضعف المستقبل الاقتصادي لإسرائيل مع تزايد عدد السكان الأرثوذكس المتطرفين.

وقالت براير - شرابي، وهي إسرائيلية علمانية أصيبت في الشجار في مدينة حريش بشمال وسط إسرائيل، «لدينا طفلان، ولديهم 10. سيشكلون الأغلبية هنا في نهاية المطاف. ماذا سيحدث لهذا المكان فور أن يشكلوا الأغلبية؟».

يشكل الحريديم، وهم اليهود المتشددون في إسرائيل، 13% من سكان البلاد البالغ عددهم 9.7 ملايين نسمة. ويسود خلاف بين مجتمع الحريديم والأغلبية العلمانية، حول التجنيد العسكري، ودمجهم في القوة العاملة بالبلاد، وحول المبادئ الأساسية التي توجه حياتهم.

كما أن وتيرة نمو عدد اليهود الحريديم هي الأسرع في إسرائيل، إذ تبلغ نحو 4% سنوياً.

وكثيراً ما أثارت الخلافات العديدة بين اليهود المتدينين والعلمانيين استياء الطرفين، إلا أنه في ظل حكومة نتنياهو الجديدة يتزايد الشعور بين العلمانيين الإسرائيليين بأن نمط حياتهم مهدد.

يتجاهل نتنياهو مثل هذه المخاوف، قائلاً إن الحريديم هم مواطنون إسرائيليون يستحقون التمويل، وإنه يعمل على دمجهم في القوة العاملة بالبلاد.

يعيش اليهود المتشددون غالباً في مدن وأحياء منفصلة. وعلى عكس اليهود العلمانيين لا يتم تجنيدهم في الجيش بموجب نظام إعفاءات منذ عقود، يسمح لهم بدراسة النصوص الدينية بدلاً من ذلك. ويواصل الكثيرون الدراسة الدينية ولا يعملون، ويعيشون على منح حكومية، ما يثير استياء دافعي الضرائب في البلاد.

لا تقوم مدارس الأرثوذكس المتشددين بتدريس مناهج أساسية مثل الرياضيات أو اللغة الإنجليزية، ويقول خبراء إن هذا لا يمنحهم المهارات اللازمة في عالم العمل، ما يجعلهم عبئاً على البلاد ودافعي الضرائب، خصوصاً مع نمو أعدادهم.

يرى اليهود المتشددون أن أبناءهم يستحقون تمويلاً من الحكومة، وأن مجتمعاتهم المنعزلة هي بمثابة حماية لأسلوب حياة عمره قرون.

ويقول زعماؤهم أيضاً إنهم يسهمون في الاقتصاد من خلال سداد مبالغ كبيرة من ضريبة المبيعات على المشتريات الاستهلاكية لعائلاتهم الكبيرة.

وندد النائب عن حزب شاس المتشدد، ينون أزولاي، في خطاب ألقاه في الكنيست الشهر الماضي، بما سمّاه التحريض الوحشي المستعر هذه الأيام، الذي يسري في شوارع الكراهية التي لا أساس لها من الصحة، للمجتمع الأرثوذكسي المتطرف، وذلك بعدما وصفهم مذيع تلفزيوني شهير بأنهم مصاصو دماء.

وأضاف: «لا أعتزم الاعتذار عن كوني من الحريديم».

اتجاه

ويقول مدير برنامج «الأرثوذكس المتطرفون في إسرائيل»، في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، وهو مركز أبحاث، جلعاد مالاخ، «إن الموازنة الكبيرة المخصصة لهم تعد جزءاً من اتجاه أكبر، يظهر أن الحريديم لا يندمجون مع المجتمع الأوسع في البلاد »، مضيفاً: «في السنوات القليلة الماضية ظهر المزيد والمزيد من الدلائل على أن هذه العملية (الدمج) ليست قوية بما يكفي، ويتساءل الإسرائيليون: ما هو الاتجاه الذي تسلكه إسرائيل؟».

ويرى، مدير معهد شوريش للبحوث الاجتماعية والاقتصادية بجامعة تل أبيب، دان بن دافيد، وهو الخبير الاقتصادي الذي انتقد منذ فترة طويلة، ما يقول إنها معاملة تفضيلية للحريديم، أن الدعم السخي لهم والسلطة السياسية التي باتوا يتمتعون بها تعرض لمحة من مستقبل إسرائيل.

ويتابع قائلاً: «لا يمر يوم إلا وتظهر فيه صورة واضحة لما ستكون عليه الحياة في ظل الأغلبية الأرثوذكسية المتطرفة. مستوى التوترات بات أعلى بكثير».

غضب

أثارت المنح المالية التي تبلغ قيمتها عشرات الملايين من الدولارات، والتي تم إقرارها في الموازنة الأخيرة الشهر الماضي، غضب العلمانيين.

وتبنت الاحتجاجات الأسبوعية ضد الإصلاح القضائي في بعض الأحيان قضايا معادية للمتدينين، خصوصاً مع اقتراب الموعد النهائي الذي حددته المحكمة في 31 من يوليو لنتنياهو لعرض قانون جديد لمعالجة مسألة تجنيد اليهود المتشددين. وهو لا يسعى إلى تجنيد المزيد من الأرثوذكس المتشددين في الجيش، بل يعمل على جذبهم إلى سوق العمل.

أثارت واقعة مركز الألعاب في حريش، وهي بلدة يقيم بها علمانيون ومتدينون، تقارير إخبارية مع تزايد علامات أخرى مقلقة. ففي مايو، عندما فازت المطربة، نوا كيريل، بالمركز الثالث في مسابقة يوروفيجن للأغنية الأوروبية، احتفل الإسرائيليون على نطاق واسع. لكن العضو الأرثوذكسي المتطرف النافذ في ائتلاف نتنياهو، ورئيس اللجنة المالية بالكنيست، موشيه غافني، أشار خلال مناقشة الموازنة إلى زيها الفاضح، وقال: «كنت سأتبرع لها ببعض الملابس ( لتغطي جسدها)». ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن كيريل قولها إن لكل شخص الحق في إبداء رأيه.

والشهر الماضي، اندلع غضب وتهديدات بالمقاطعة من جانب العلمانيين عندما ظهرت صور على وسائل التواصل الاجتماعي، لملصقات أرجوانية تغطي وجوه النساء على منتجات صيدلية كبيرة في مدينة بني براك التي تقطنها غالبية من الحريديم، الذين يعتبرون أن صور النساء لا يجوز عرضها، وغالباً ما تمحو وسائل الإعلام التابعة للحريديم صور النساء من الأخبار. ولاحقاً توقفت الصيدلية عن تغطية صور النساء.

مقاطعة

كما قاطع اليهود الأرثوذكس المتطرفون شركة مخابز كبيرة بعد أن أعلن مسؤول تنفيذي بها، هو وزير سابق في الحكومة، عن تضامنه مع الاحتجاجات ضد الإصلاح القضائي.

قبل بضع سنوات، تم الترويج لحريش كنموذج للتعايش بين سكانها العلمانيين والمتدينين. أما الآن فيبدو ذلك وكأنه أمنية في دولة اعتادت على الصراعات مع جيرانها الخارجيين، لتجد نفسها فجأة في صراع مع انقسامات داخلية غير مسبوقة.

وقال زوج تسيبي براير-شرابي، أفشالوم (39 عاماً)، في مقابلة خارج مركز الألعاب، «الصراع بات بين اليهود، هذه هي المفارقة. ما يحدث الآن يبدو جديداً.


في ظل السلطة غير المسبوقة التي تتمتع بها الأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة حالياً في الحكومة الإسرائيلية الجديدة، وقيامها بدور رئيس في خطة الإصلاح القضائي المثيرة للجدل، تتصاعد مخاوف العلمانيين في إسرائيل من شبح التهديد الذي يطل على شخصية ومستقبل دولتهم.

كثيراً ما أثارت الخلافات العديدة بين اليهود المتدينين والعلمانيين استياء الطرفين، إلا أنه في ظل حكومة نتنياهو الجديدة يتزايد الشعور بين العلمانيين الإسرائيليين بأن نمط حياتهم مهدد.

يرى اليهود المتشددون أن أبناءهم يستحقون تمويلاً من الحكومة، وأن مجتمعاتهم المنعزلة هي بمثابة حماية لأسلوب حياة عمره قرون.

قاطع اليهود الأرثوذكس المتطرفون شركة مخابز كبيرة بعد أن أعلن مسؤول تنفيذي بها، هو وزير سابق في الحكومة، عن تضامنه مع الاحتجاجات ضد الإصلاح القضائي.

تويتر