المرصد

الصحافة.. والتغطية عن بُعد

ليست مصادفة أن أهم تقريرين صحافيين شهدهما الأسبوع الماضي كانا إلى حد كبير عبر «التغطية عن بُعد»، وهما التقرير الذي نشرته صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، و«الغارديان» البريطانية، وصحف أخرى عن اكتشافات جديدة في «مذبحة الطنطورة» عام 1948، وتقرير «بي بي سي» عن قصف المستشفيات في السودان في ظل الحرب الدائرة حالياً هناك.

في التقرير الأول ارتكنت التغطية إلى الجهد المشترك «معهد هندسة الطب الشرعي» البريطاني، التابع لجامعة لندن، والذي يترأسه المهندس الإسرائيلي إيال فايتسمان، في جهده المشترك مع «لجنة أهالي الطنطورة» و«مركز عدالة» في الكشف عن وجود أربع مقابر جماعية على أرض بلدة الطنطورة الفلسطينية التي كانت موجودة في محيط حيفا قبل عام 1948 وبلغ عدد سكانها 1500 نسمة، وأن هذه المقابر التي أقيم فوقها كراج سيارات تضم رفاتاً لجثامين 280 شخصاً من أهالي البلدة قضوا في مذبحة من قبل لواء الاسكندروني الإسرائيلي، بحسب روايات وشهادات سابقة أقرها محاربون إسرائيليون كانوا في اللواء، بحسب وثائقي «طنطورة» الذي أخرجه الإسرائيلي آلون شوارتز.

وطبقاً لـ«هندسة الطب الشرعي» البريطانية، فقد تم التوصل إلى اكتشاف المقابر الأربع عن طريق «استخدام تحليل صور جوية تاريخية، ومقارنتها بصور جوية حديثة»، كما قام المعهد «ببناء نماذج محوسبة» و«أجرى مسحاً للأراضي عبر عملية تم فيها قياس وتوثيق المباني المعدودة التي بقيت من القرية»، و«تحليل المعلومات الترابية التي توافرت».

وقال خبير في تحليل الصور الجوية لـ«هآرتس» إن «أساليب العمل التي استخدمها كاتبو التقرير مقبولة ومعقولة وصحيحة من ناحية مهنية»، وقال الخبير مائير بولكا إنه «لمزيد من التأكد يجب مسح الأرض بوسائل جيوفيزيائية مثل الرادار الذي يخترق تحت الأرض».

في التقرير الثاني، أجرت «بي بي سي» استقصاء موسعاً عن الواقع الصحي في السودان بعنوان «الهجوم على المستشفيات قد يرقى إلى جريمة حرب»، استخدمت فيه بشكل كبير «بيانات الأقمار الاصطناعية وأدوات رسم الخرائط وتحليل المحتوى»، جنباً إلى جنب مع الشهادات، كما استعانت «بي بي سي» في تحقيقها بخبراء علميين لتحليل الصور مثل خبير الأدلة الجنائية كريس كروب سميث، الذي أشار الى أن «بعض الصور قد تكون لنيران مدفعية» وخبراء تحليل مضمون قاموا بتحليل محتوى رسائل منشورة على وسائل التواصل الاجتماعي للوصول الى نتائج معينة.

في الحالتين لم يعد التحقيق الصحافي كاميرا ووجوداً جسدياً والانغراس وسط الأنقاض؛ لأن الحقيقة من جهة أبعد من ذلك، ولأن الصحافة لم يعد من حقها الابتعاد عن تطور الأدوات العلمية التي لم يعد بالإمكان أن يعترضها زمان ولا مكان في كثير من الحالات.

• الصحافة لم يعد من حقها الابتعاد عن تطور الأدوات العلمية التي لم يعد بالإمكان أن يعترضها زمان ولا مكان في كثير من الحالات.

تويتر