الصراع بدأ يتخذ اتجاهاً معقداً

خبراء: السودان يواجه سيناريوهات عدة لا يُفضي أي منها إلى مخرج

صورة

يواجه السودان في خضم هذه الحرب بين الجيش والدعم السريع عدداً من المسارات المحتملة، مع تعثر جهود السلام التي تقودها الولايات المتحدة، حيث يحذر الخبراء من أن هذه الدولة الإفريقية قد تتحول إلى حالة من الفوضى مثل جيرانها الأقربين. القتال الذي اندلع في العاصمة السودانية قبل شهر لم يفاجئ سوى القليل، وهو يمثل ذروة التوترات المتصاعدة بين القادة العسكريين المتنافسين. لكن ما صدم الكثيرين هو حجم وشراسة الحرب التي اجتاحت ثالث أكبر دولة في إفريقيا، وهو الصراع الذي أودى بحياة نحو 1000 شخص ودفع مليوناً آخرين للفرار من ديارهم.

الأمور تزداد سوءاً

وتوقع خبراء سودانيون، ومسؤولون حكوميون سابقون، ودبلوماسيون غربيون، أن مسار الصراع بدأ يتخذ اتجاهاً معقداً، ويعتقدون أن الآفاق الآنيّة قاتمة. ويقول دبلوماسي أوروبي كبير، «لقد استعرضنا سيناريوهات عدة لا يفضي أي منها إلى مخرج».

التحدي المباشر الذي يفرض نفسه هو أن الجانبين المتصارعين - الجيش السوداني بقيادة الجنرال عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع شبه العسكرية بقيادة الفريق محمد حمدان حميدتي- مازالا يعتقدان أن تحقيق نصر عسكري ممكن، بغض النظر عن كلفته.

وتقول الأمم المتحدة، التي أطلقت نداء من أجل جمع ثلاثة مليارات دولار مساعدات طارئة، إن 25 مليون سوداني، أي أكثر من نصف السكان، بحاجة إلى المساعدة. لكن الخطر الأكبر، كما يحذر الكثيرون، هو أن الصراع في السودان قد يتحول إلى حرب أهلية شاملة، لا تقسم البلاد إلى أشلاء فحسب، بل تجتذب أيضاً قوى أجنبية تتطلع إلى دعم المنتصر. وتشير التوقعات الأكثر قتامة إلى سوابق كئيبة في المنطقة - انهيار دولة كارثي مماثل لما حدث في الصومال في تسعينيات القرن الماضي، أو فوضى تحركها أطراف خارجية مثل ماحدث في ليبيا منذ عام 2011.

بلد عملاق

السودان بلد عملاق ضعيف يقع في قلب منطقة مضطربة. تمتد حدوده البرية قرابة 4200 ميل مع سبع دول إفريقية أخرى، معظمها تكافح بالفعل مع الصراع أو الجفاف. وعلى الرغم من فقر السودان بالمعايير العالمية، إلا أنه يمتلك احتياطات كبيرة من الذهب والمياه والنفط، ويطل على البحر الأحمر أحد أكثر ممرات السلع ازدحاماً في العالم، ما يجعله نقطة جيوسياسية عالية القيمة.

العودة للحكم الاستبدادي

حتى الآن يبدو أن الطرفين المتحاربين متكافئان من الناحية العسكرية. إلا أن الجيش السوداني، ربما لديه ضعف عدد قوات الدعم السريع، كما يمتلك الطائرات المقاتلة والمروحيات الحربية والدبابات. وتعتبر قوات الدعم السريع الطرف الأكثر ذكاءً في ميدان المعركة فقد اكتسبت خبرة في المعارك التي خاضتها من قبل ويمكنها التحرك بسرعة، باستخدام سيارات بيك آب صغيرة مزودة بمدافع ثقيلة.

ولكي يهزم قوات الدعم السريع، ينبغي أن يكثف الجيش ضرباته الجوية التي دمرت بالفعل الكثير من قوات الدعم السريع وسط الخرطوم. وللفوز بنصر مقنع، يتعين على الجيش قتل أو إلقاء القبض على حميدتي المراوغ وشقيقه القوي عبدالرحيم دقلو. وخلافاً لذلك يمكن أن تتراجع قوات الدعم السريع تحت كثافة نيران الجيش إلى معقلها في المنطقة الغربية من دارفور وتستعد إلى جولة جديدة للانطلاق من هناك.

مجرد ادعاءات

ويدعي الطرفان أنهما يريدان مستقبلاً ديمقراطياً للسودان. لكن في الواقع قد يحول الجيش البلاد بعد انتصاره إلى حكم شمولي شبيه بحكم الرئيس المعزول عمر حسن البشير الذي حكم البلاد لثلاثة عقود وأطاحت به انتفاضة شعبية عام 2019. وقد يسهل الانتصار العسكري أيضاً عودة الإسلاميين - الموالين لعهد البشير والمحافظين الدينيين الذين كانوا يتطلعون إلى العودة إلى السلطة.

وعلى الرغم من أن قوات الدعم السريع قد تصور النصر على أنه ثورة سياسية ضرورية، لكنها ستسعى جاهدة لكسب دعم واسع النطاق من فئات الشعب السوداني، فقد عُرفت قوات الدعم السريع بانتهاكاتها البغيضة لحقوق السكان خلال الحرب الأهلية في دارفور، ما جعل الكثيرين يضمرون لها العداء. ويقول محللون إن الوحدات العسكرية المتبقية، غير الراغبة في قبول قيادة حميدتي، ستواصل القتال على الأرجح. وقد يؤدي انتصار قوات الدعم السريع على الجيش أيضاً إلى إثارة الهلع في الدول المجاورة التي لا تثق في هذه القوة المسلحة، وقد يدخلون ميدان القتال ضدها.

قلق مصري

لم تخف مصر كثيراً ازدراءها لقوات الدعم السريع، التي تعتبرها عناصر غير مقبولة في المستقبل السياسي للسودان. بينما تبنت تشاد موقفاً عاماً أكثر حيادية. لكن قادة تشاد لا يثقون أيضاً بالجنرال حميدتي وأشاروا في السر إلى استعدادهم للتدخل إلى جانب الجيش السوداني إذا لزم الأمر، وفقاً لمسؤول أميركي مطلع على موقف تشاد تحدث دون الكشف عن هويته. وقد يؤدي التدخل المصري في السودان إلى زيادة تعقيد الأمور فقد تستدرج هذه الخطوة منافستها الإقليمية، إثيوبيا، للدخول لحلبة الصراع. وكان كلا البلدين قد دخلا في نزاع منذ سنوات بشأن سد النهضة، وهو صرح عملاق لتوليد الطاقة الكهرومائية تبنيه إثيوبيا على نهر النيل بالقرب من حدودها مع السودان.

الطرف الدولي الذي قد يتدخل هو روسيا، التي تقربت من حميدتي، على أمل الحصول على قاعدة بحرية لسفنها الحربية في بورتسودان، على البحر الأحمر. وقد يكون انتصار الدعم السريع أيضاً أخباراً جيدة لشركة فاغنر، الشركة العسكرية الخاصة المدعومة من الكرملين والتي تنقب عن الذهب في السودان وتستخدم الأراضي السودانية للعبور إلى جمهورية إفريقيا الوسطى، حيث تقاتل إلى جانب القوات الحكومية.

الجيران يتأهبون

يعتقد خبراء عدة أن السيناريو الأكثر قتامة يتمثل في دولة مقسمة، يسيطر فيها الجانبان على مناطق مختلفة، ولا يستطيع أي منهما تحقيق نصر كامل. وستنهار مؤسسات الدولة، وقد تفضل قوى أجنبية دعم المنتصر. وقد حاول البعض بالفعل. ويقول مسؤولون أميركيون إن فاغنر عرضت صواريخ أرض - جو على الجنرال حميدتي في الأيام الأولى من القتال. قد يضطر الجيران الأفارقة أيضاً إلى الدخول في الصراع للدفاع عن مصالحهم. ساعدت عقود من الصراع الأهلي في البلاد على تدفق السلاح في أيدي جماعات

عدة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق. وعلى الرغم من أنهم ظلوا خارج الحرب حتى الآن، لكن يمكنهم بسهولة الدخول في أتون الصراع لتصفية حسابات أو حماية مصالحهم.

سلام بعيد المنال

جهود السلام التي يقودها وسطاء أميركيون وسعوديون في مدينة جدة الساحلية السعودية لم تسفر بعد عن وقف كامل لإطلاق النار. لكن هناك أملاً في أن تمهد هذه المحادثات الطريق لنشر سريع لقوات حفظ سلام في السودان، على الأرجح من الاتحاد الإفريقي، والذي بدوره سيسهل المفاوضات على أعلى مستوى للتوصل إلى تسوية دائمة. وفي الوقت الحالي، هذا احتمال بعيد.

ومن المرجح أن يحتاج أي سلام حقيقي إلى إشراك الجماعات المؤيدة للديمقراطية في السودان، والتي تم استبعادها حتى الآن من المحادثات في جدة. ويقول النقاد إن هذه علامة تنذر بالسوء، ما يشير إلى أن القوى الكبرى يمكن أن تعقد صفقة، باسم السلام ترسخ أكثر موقف الجنرالين المتحاربين.

هناك طريق آخر محتمل لوقف القتال ينطوي على ضغط منسق من الداعمين الأجانب للجنرالين المنافسين. لكن هؤلاء المؤيدين لديهم أهداف متضاربة بالنسبة للسودان: في حين أن الدول الإفريقية والغربية تريد الديمقراطية، فإن قوى أخرى وروسيا تفضل نظام حكم أوتوقراطي أكثر مرونة، كما يقول المحللون.

مهما كان مصير السودان، كما يقول الخبراء، فإن البلد يقف عند مفترق طرق رئيس، وربما يكون هذا الموقف أكثر اللحظات إيلاماً منذ استقلال البلاد في عام 1956 – فقد عانى السودان من حالات عدة من التمرد والانقلابات وموجات العنف والقتل. ويقول سفير النرويج في السودان، إندري ستيانسن في مقابلة «لا يمكنك استبعاد أي شيء، وهذا هو سبب ضرورة تكاتف الجميع لوقف القتال».

السيناريو الأكثر قتامة يتمثل في دولة مقسمة يسيطر فيها الجانبان على مناطق مختلفة، ولا يستطيع أي منهما تحقيق نصر كامل.

السودان بلد عملاق ضعيف يقع في قلب منطقة مضطربة. تمتد حدوده البرية قرابة 4200 ميل مع سبع دول إفريقية أخرى، معظمها يكافح بالفعل مع الصراع أو الجفاف.

تويتر