العلاقات بين موسكو وتبليسي مرت بالعديد من المشكلات والصراعات

آفاق ذوبان الجليد في العلاقات بين روسيا وجورجيا

صورة

مرت العلاقات بين روسيا وجورجيا بالعديد من المشكلات والصراعات، لكنها شهدت تحولات مفاجئة أخيراً، باستئناف رحلات جوية مباشرة بين البلدين، بعد توقفها لمدة أربع سنوات بعد سلسلة من الاحتجاجات المعادية لموسكو في جورجيا.

ويقول ألكسندر أتاسونتسيف، وهو صحافي مستقل متخصص في شؤون ما بعد الاتحاد السوفييتي، في تقرير نشرته مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إن الخطوة المفاجئة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بإلغاء متطلبات التأشيرة للمواطنين الجورجيين واستئناف الرحلات الجوية المباشرة بين البلدين، تضع تبليسي في موقف صعب. ويتعين على حزب «الحلم الجورجي» الحاكم أن يستجيب لمبادرة روسيا الرامية إلى تحسين العلاقات، على النحو الذي يحميه من هجمات المعارضة ويحافظ على المسار الأوروبي لجورجيا.

ويضيف أتاسونتسيف أن ممثلي حزب الحلم الجورجي رحبوا بالمقترحات الروسية، ما أثار غضباً ليس فقط للمعارضة، بل وأيضاً لقطاع كبير من الطبقة السياسية في جورجيا. ووصفت الرئيسة سالوميه زورابيشفيلي، التي انتخبت بمساعدة حزب الحلم الجورجي، قرار الكرملين بأنه «استفزاز».

مقاطعة روسية

وأطلقت قوة المعارضة الرئيسة في البلاد، الحركة الوطنية المتحدة، مسيرة في تبليسي اتهمت فيها الحكومة الجورجية بتحويل البلاد إلى «مقاطعة لروسيا». ويصرّ النقاد على أن القرار بشأن الرحلات الجوية والتأشيرات هو طريقة روسيا لمكافأة «الحلم الجورجي» على سياساته المعادية للغرب، وأنه يعرض للخطر احتمالات انضمام البلاد إلى الاتحاد الأوروبي.

غير أن صدقية هذه الادعاءات تقوضها إلى حد ما الإجراءات السابقة التي اتخذتها جورجيا. وقد تم تعليق الرحلات الجوية بين البلدين مرات عدة على مدى العقود الماضية.

تهديد الحلم

ويرى أتاسونتسيف أن هناك تهديداً أكبر لـ«الحلم الجورجي»، محلياً ودولياً على حد سواء، يمكن أن تشكله ردود الفعل الغربية على المبادرة الروسية. وتدعم الأغلبية الساحقة من الجورجيين رحلة بلادهم إلى الاتحاد الأوروبي، وترى في روسيا تهديداً. ومن ثم، فإن توثيق العلاقات مع موسكو لن يُكسب الحلم الجورجي أي أصوات إضافية. وفي الواقع، قد ينتهي الأمر بالحزب بخسارة الانتخابات البرلمانية لعام 2024 إذا رفض الاتحاد الأوروبي منح جورجيا وضع المرشح، بسبب مغازلته المفرطة لموسكو.

ولم يلقَ ترحيب الحكومة الجورجية الأولي بالإعلان الروسي استحساناً لدى الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة. وأشارت بروكسل وواشنطن إلى الهجوم الروسي المستمر ضد أوكرانيا، وذكرتا تبليسي بالتزاماتها تجاه شركائها الغربيين. ومع ذلك، يبدو أن تبليسي تأمل في الاستفادة من إيماءات روسيا مع احترام الخطوط الحمراء التي رسمها الغرب. وقال ممثلو «الحلم الجورجي» بالفعل إنه لن يُسمح إلا لشركات الطيران الروسية غير المدرجة في قوائم العقوبات بالسفر إلى البلاد.

ومع ذلك، فإن «الحلم الجورجي» ليس لديه سوى القليل من الأسباب العملية لمواصلة الانجراف نحو موسكو، على الرغم من أن العلاقات البراغماتية وغير التصادمية مع روسيا كانت دائماً أحد مبادئ الحزب. وقد تحقق هذا الهدف بالفعل، ولن تؤدي الخطوات الأخرى الموالية لروسيا إلا إلى خلق التوتر، سواء في العلاقات مع الغرب أو داخل البلاد. من ناحية أخرى، فإن التقدم نحو التكامل مع الاتحاد الأوروبي يزيد من فرص بقاء «الحلم الجورجي» في السلطة. ولكن ماذا يمكن أن تقدم موسكو لجورجيا؟

ويقول أتاسونتسيف إن ما تهتم جورجيا حقاً برؤيته هو تنازلات بشأن منطقتيها الانفصاليتين المدعومتين من موسكو، أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، لكن ليس هناك ما يشير إلى أن روسيا مستعدة لذلك. وفشلت جولة أبريل من مناقشات جنيف، وهي صيغة تفاوضية تجمع بين أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية وجورجيا، فضلاً عن روسيا والولايات المتحدة والمنظمات الدولية، مجدداً في تحقيق أي نتائج، باستثناء الاعتراف الروتيني بأن «الأطراف تواصل ممارسة ضبط النفس».

توتر العلاقات

وعلى أي حال، توترت العلاقات بين موسكو وأبخازيا في الأشهر الأخيرة، كما أن نفوذ الكرملين هناك ليس مطلقاً. وتحظر أبخازيا بيع العقارات للمواطنين الروس، ولكن في أوائل العام الماضي، وتحت ضغط من موسكو، وافقت سوخومي على نقل منزل حكومي في منتجع بيتسوندا إلى روسيا. وتسبب القرار في ضجة عامة لدرجة أن البرلمان الأبخازي لم يصادق عليه بعد، على الرغم من التهديدات الروسية بقطع المساعدات عن أبخازيا وإغلاق قاعدة عسكرية هناك.

وإحدى الحجج لتوثيق التعاون مع موسكو والتي تستخدمها الحكومة الجورجية بسهولة هي الفوائد الاقتصادية. ومع ذلك، فإن الازدهار الاقتصادي الذي شهدته جورجيا منذ العام الماضي، حدث دون أي مساعدة متعمدة من الحكومة الروسية، على الرغم من ارتباطها المباشر بروسيا.

ونما الناتج المحلي الإجمالي الجورجي بنسبة قياسية بلغت 10.1% العام الماضي، ويرجع ذلك في الغالب إلى فرار عشرات الآلاف من الروس إلى جورجيا هرباً من الحرب والتعبئة. وزادت التحويلات النقدية من روسيا خمسة أضعاف، مع عائدات السياحة والصادرات إلى روسيا، التي تشكل ما يقرب من 15% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد الآن، مقابل 6% في عام 2021. ولذلك تمكنت جورجيا من الاستفادة من الحالة في روسيا دون تحمل أي التزامات إضافية.

وحاول «الحلم الجورجي» بلا جدوى إقامة علاقات مستقرة مع روسيا في الماضي، وكان آخرها في عام 2019. وفي ذلك الوقت، استضافت السلطات الجورجية نائب مجلس الدوما الروسي، سيرغي جافريلوف، وأجلسته على كرسي رئيس البرلمان. ورداً على ذلك، نظمت المعارضة الجورجية احتجاجات في الشوارع، ما دفع موسكو إلى تعليق الرحلات الجوية إلى جورجيا من جديد.

والآن يعد بعض أعضاء المعارضة «بالاستعداد» لوصول الرحلات الأولى من موسكو. وفي حالة حدوث اضطرابات، لا يمكن التنبؤ برد فعل موسكو، بالنظر إلى أنها أشارت إلى الحاجة إلى ضمان سلامة مواطنيها عند تعليق الرحلات الجوية في المقام الأول.

مكاسب غامضة

ويقول أتاسونتسيف إنه بشكل عام، فإن مكاسب «الحلم الجورجي» من التقارب مع موسكو غامضة للغاية، في حين أن المخاطر حقيقية للغاية. لكن الحزب نفسه قد يرى الأمور بشكل مختلف، وقد ارتكب عدداً من الأخطاء غير المنطقية وغير المرغم عليها أخيراً، وقد يكون لبعضها عواقب وخيمة.

ولا يمكن استبعاد إمكانية دخول «الحلم الجورجي» في صفقة أخرى مشكوك فيها، وهذه المرة مع موسكو، ولكن إذا قرر الحزب السير في هذا الطريق، فمن غير الواضح إلى متى سيتمكن من البقاء في السلطة.


• «الحلم الجورجي» ليس لديه سوى القليل من الأسباب العملية لمواصلة الانجراف نحو موسكو، على الرغم من أن العلاقات البراغماتية وغير التصادمية مع روسيا كانت دائماً أحد مبادئ الحزب.

• يتعين على حزب «الحلم الجورجي» الحاكم أن يستجيب لمبادرة روسيا الرامية إلى تحسين العلاقات، على النحو الذي يحميه من هجمات المعارضة ويحافظ على المسار الأوروبي لجورجيا.

تويتر