جيف لامير أكد أن واشنطن أخطأت في منح كييف أنظمة باتريوت

باحث أميركي: طريق السلام فــي أوكرانيا يمكن تمهيده بالبراعة الدبلوماسية وليس بالأسلحة

واشنطن لن تستطع تحقيق شيء في أوكرانيا عندما تنفد الوسائل العسكرية هناك. أ.ف.ب

أخيراً وصلت صواريخ باتريوت إلى أوكرانيا، إلا أن الواقع ربما لا يرقى إلى الضجة الإعلامية. فقد نال مشغلو الدفاع الجوي الأوكرانيون الإشادة أثناء التدريبات، ولكن بيئة التهديد الذي تواجهه أوكرانيا تشكل تحديات صعبة لنظام باتريوت. وقال الباحث الأميركي جيف لامير زميل مؤسسة «ديفنس برايوريتيز» الأميركية في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأميركية، إن أوكرانيا تواجه تهديدات من ترسانة الصواريخ والمسيرات الروسية. وتتنوّع أنظمة روسيا الجوية التي تعمل بدون طيار من طائرات استطلاع مسيرة يستخدمها أشخاص عاديون إلى طائرات «كاميكازي» المسيرة الأكثر تطوراً إيرانية الصنع. ويمكن لصواريخ باتريوت أن تعترض فئات

عدة من الطائرات المسيرة، إلا أن هذه القضية تصبح تكتيكية واقتصادية، نظراً إلى أن الطائرات المسيرة يمكن أن تستغل قدرتها على المناورة وتحلق على ارتفاع منخفض لكيلا تتمكن رادارات نظام باتريوت من اكتشافها. بالإضافة إلى ذلك، هناك تساؤلات بشأن استخدام صواريخ اعتراض قيمتها ثلاثة ملايين دولار لإسقاط مسيرات تتكلف أموالاً أقل كثيراً.

واعتبر لامير أن هذا سيكون هو الأمر الواقع عندما ينفد مخزون أوكرانيا من الصواريخ الاعتراضية التي ترجع إلى العصر السوفييتي قريباً، في الوقت الذي لاتزال فيه إعادة الإمداد الأميركية من صواريخ «ستينجر» تواجه مشكلة أيضاً. وهذا سيترك باتريوت كنظام وحيد للدفاع لدى أوكرانيا ضد التفوق الجوي الروسي. ولا تستطيع الولايات المتحدة ببساطة أن تقدم المزيد من صواريخ باتريوت الاعتراضية إلى أوكرانيا. ويرجع هذا إلى أنها سلعة ثمينة، فقد اشترت واشنطن فقط 252 صاروخاً من طراز «باك-3 ام اس اي» الاعتراضية هذا العام للجيش الأميركي بأكمله، وسيتم استخدام الكثير من هذه الصواريخ من أجل التخلص من الصواريخ الاعتراضية الأقدم.

وأوضح الباحث لامير أن عمل باتريوت بشكل منفرد هو اقتراح ضعيف في أحسن الأحوال، فعلى الرغم من أنه نظام من الطراز الأول تكنولوجياً، لا يمكن استخدام باتريوت لتحقيق تأثير كامل إذا كان بمعزل عن عقيدة الدفاع الجوي. وتقتصر أنظمة باتريوت على تحديد الدفاع عن أصول مهمة وهي مصممة للعمل بجانب الدفاعات الجوية التي تتعامل مع أهداف على ارتفاعات أعلى وأقل. ومن دون هذه الإضافات، سيكون أمام باتريوت الكثير من التهديدات للتعامل معها وستكون النتيجة إما تغطية ضعيفة وغير كاملة لا تحمي أصولها التي تدافع عنها أو تغطية تتوقف سريعاً عندما تنفد صواريخ الاعتراض في نظام باتريوت.

وأضاف لامير أن أنظمة باتريوت عرضة للخطر في حد ذاتها، لأنه مع تشغيل نظام رادار باتريوت، يتم الكشف عن موقعه ويصبح هدفاً سهلاً للهجمات الروسية. هذا يعني أن باتريوت ليس نظاماً واحداً متكاملاً للدفاع عن الأصول العسكرية لأوكرانيا أو شعبها.

ورأى لامير أن هدف «القيام بشيء ما» يتمثل في تسليم نظام الأسلحة المتقدم (باتريوت) منفصل عن الأهداف الاستراتيجية التي يمكن أن تحققها الولايات المتحدة بشكل معقول من خلال القيام بذلك. إن التغطية بنظام باتريوت، أو عدم وجودها، لن تنهي الحرب في أوكرانيا. وتعد الحرب الجوية بشكل عام وسيلة لتشكيل العمليات لقوات المناورات، وعلى هذه الجبهة، لاتزال القوات الأوكرانية والروسية في حالة جمود.

كما أن حماية أوكرانيا من الهجوم الجوي يثني أيضاً عن المفاوضات من خلال تقديم انطباع خاطئ بأن التهديد الجوي يمكن تخفيفه إلى أجل غير مسمى. كلما تأخرت عملية التفاوض، وكلما زاد عدد القتلى من الأوكرانيين زادت الأضرار التي تلحق بالبنية التحتية الأوكرانية على المدى الطويل.

وأكد جيف لامير أنه في ظل هذه العيوب التكتيكية والتشغيلية، هناك قيمة استراتيجية مشكوك فيها بالنسبة للولايات المتحدة لإرسال المزيد من الأنظمة إلى أوكرانيا، حيث إن أنظمة باتريوت لن تساعد على إنهاء الحرب في أوكرانيا ولن تمكن كييف من التفاوض أو استعادة القرم أو دونباس. إن ما تفعله أنظمة باتريوت هو إظهار التزام أميركي كاذب ربما يطيل أمد مذبحة أوكرانيا.

وقال لامير إن الصياغة الأيديولوجية لقدسية وحدة الأراضي يجب أن تنتهي، حيث إنها تُفاقم أهداف كييف الأكثر تشدداً - والتي لا يمكن تحقيقها - لاستعادة القرم. ومن المرجح ألا يكون الوضع النهائي للحرب الروسية الأوكرانية مثل الوضع قبلها، ويتعين على واشنطن أن تدرك ذلك. لقد نجحت أوكرانيا في تحقيق مكاسب في دونباس في عام 2022، ولكن هجوم الربيع الذي يترقبه الجانبان منذ فترة طويلة لم يتحقق بعد حيث تسبب جمود يشبه ستالينغراد في مدينة باخموت في وقف تحقيق أي مكاسب على الأرض.

ودعا لامير الولايات المتحدة إلى انتهاج نموذج مختلف، وهو نموذج الوساطة وخفض التصعيد. إن الولايات المتحدة تتخلى عن المبادرة والنفوذ عندما تسمح لآخرين بأن يكونوا صانعي الصفقات، مثل توسط الصين أخيراً في التقارب الإيراني السعودي أو تسهيل تركيا لاتفاق تصدير الحبوب بين أوكرانيا وروسيا خلال الحرب. وقد بدأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون العمل الأساسي مع الصين من أجل التفاوض لإنهاء الحرب. كما أن ألمانيا لم تقم بالكثير أيضاً لفك الارتباط أو إعادة تسليح نفسها كما أشار خطابها في بداية الحرب.

وتستطيع الولايات المتحدة الاستفادة من جمود الجبهة للتوصل إلى نهاية بالتفاوض أو على الأقل وقف إطلاق النار. إن الانتظار في القيام بذلك يقلص ما يمكن أن تحققه واشنطن عندما تنفد الوسائل العسكرية لدى أوكرانيا.

واختتم لامير تقريره بالقول إن واشنطن أخطأت في منح أوكرانيا أنظمة باتريوت التي من المرجح أن تحقق فوائد قليلة.

ومع ذلك، هناك فرصة أمام واشنطن للقيام بدور ضروري في إنهاء الحرب. الوسائل التكتيكية لا يمكن أن تحقق هذه الأهداف الاستراتيجية، أنظمة الأسلحة لن تكون حاسمة ولكن القوة الدبلوماسية ربما تكون كذلك. لايزال بإمكان واشنطن تحقيق الكثير من خلال القيام بمجهود أقل. إن الطريق إلى تحقيق السلام في أوكرانيا قد لا يتم تمهيده بالأسلحة وإنما بالبراعة الدبلوماسية.

تويتر