استخدام الميليشيات المسلحة في الصراع على السلطة

العنف في السودان يمثل أعراض مرض قديم يدمر إفريقيا

صورة

لم يكن وقف إطلاق النار لمدة ثلاثة أيام بمناسبة عيد الفطر المبارك فعالاً، إذ ظل الصراع مستعراً في العاصمة السودانية الخرطوم. ووفق ما ذكرته منظمة الصحة العالمية، فقد قتل حتى الآن نحو 300 شخص من المدنيين خلال الأسبوع الماضي. والآن ثمة مخاوف متزايدة تقول إن الوضع في السودان يمكن أن يتطور إلى حرب أهلية، يمكن أن تجذب إليها أطرافاً أخرى.

ويمثل هذا العنف صراعاً على السلطة بين الجيش بقيادة الجنرال عبدالفتاح البرهان، ومجموعة مسلحة تعرف باسم «قوات الدعم السريع» التي يقودها الجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف باسم «حميدتي». وعمل الرجلان قائداً ونائباً للحكومة الانتقالية، بالتناوب. وكان من المفروض أن يسلما السلطة إلى إدارة مدنية، بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير عام 2019. وبدلاً من ذلك، قام الرجلان بعملية استيلاء على السلطة في عام 2021.

ميليشيا

بدأت قوات الدعم السريع كحركة ميليشيا، يطلق عليها اسم «الجنجويد»، وهي مؤلفة من مقاتلين من منطقة دارفور في غرب السودان. وقام بتأسيسها البشير، الذي حكم السودان من عام 1989 إلى عام 2019، عندما تمت الإطاحة به من قبل الجيش، بعد أشهر من الاحتجاجات الشعبية ضد نظامه.

ولطالما غيّر حميدتي موقفه مرات عدة، فقد صعد إلى الشهرة وهو يقاتل من أجل البشير في دارفور، ثم قام بانتفاضة ضده عام 2007، قبل أن يغير موقفه مرة ثانية في صفقة جعلته جنرالاً. وفي عام 2013 عمل على تحويل «الجنجويد» إلى مجموعة جديدة، حملت اسم مجموعة «الدعم السريع»، وهذا ما منحه قاعدة سلطة قوية، بحيث أنه كان أساسياً عام 2019 عندما تمت الإطاحة بالبشير، ثم في عام 2021، استلم السلطة إلى جانب قائد الجيش، والآن انخرط الاثنان في صراع رهيب.

سماسرة السلطة

بعيداً عن كون هذا الصراع مشكلة سودانية، إذ إنه بين مركزين متنافسين للسلطة السياسية، إلا أنه يظهر مشكلة شائعة، وقديمة في إفريقيا. وهناك تاريخ من الحكام المستبدين، الذين قاموا بتشكيل مجموعاتهم المسلحة الخاصة بهم لمواجهة أي تمرد عسكري محتمل، وعانت القارة السمراء مثل هذه الصراعات بين مجموعات مسلحة غير حكومية، قامت بمنافسة حكومات أخرى.

وبعد أن استولى رئيس زائير السابق، موبوتو سيسي سيكو، على السلطة عام 1965، شكل سلسلة من الوحدات المسلحة، بما فيها فرقة الحرس الجمهوري الخاصة، التي كانت موالية له، وليس لدستور بلاده، وكان يتم تشكيلها من مجموعته العرقية.

وبصورة مماثلة، كانت قوات «القاذفات الخضر» في زيمبابوي تعمل كجيش خاص لرئيس زيمبابوي السابق روبرت موغابي، الذي كان يقاتل من أجل البقاء في السلطة. ويجري استخدام هذه المجموعات المسلحة عادة لتأدية سلسلة كبيرة من النشاطات، بما فيها العنف السياسي، أو حتى العمل داخل الحزب السياسي، أو لموازنة القوات المسلحة الرسمية لو كان ينظر إليها باعتبارها تهديداً محتملاً.

إضافة المرتزقة إلى المجموعات

تكون هذه المجموعات متحالفة عادة مع منظمات مرتزقة يمكن أن تؤمن لها المقاتلين، أو التدريب، أو بعض السيطرة والقيادة. وكان وصول منظمة «فاغنر» الروسية في مالي، ومنظمة دايك من جنوب إفريقيا للاستشارة إلى موزامبيق، قد سلط الضوء على موجة جديدة من نشاط المرتزقة في القارة الإفريقية.

وتصف منظمة دايك نفسها على موقعها بأن «لها تاريخاً طويلاً من تأمين حلول محددة، لكونها قامت بعمليات ذات صفة أمنية في العراق، وأفغانستان، وجمهورية إفريقيا الوسطى، ومالاوي، وزيمبابوي، وجنوب إفريقيا، وموزامبيق، للعديد من الزبائن المهمين». وتم تعريف «فاغنر» بأنها عملت في عدد من الدول، مثل مالي، وليبيا، وجمهورية إفريقيا الوسطى، حيث اتهمتها منظمة هيومن رايتس ووتش بانتهاك حقوق الإنسان. وهي الآن ناشطة في السودان، ولكن الروسي يفغيني بريغوجين، الذي يعتقد أنه حليف للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومؤسس منظمة «فاغنر»، أنكر كل الادعاءات عن هذه المنظمة، وقال «ليس لدي أي علاقة مع منظمة فاغنر، ولا أعرف أي شيء عنها». وأضاف «ليس هناك أي دليل يؤكد أن منظمة فاغنر موجودة أصلاً. كما أن فاغنر مجرد أسطورة فقط».

 

وعاء الذهب

في عام 2017، سافر البشير إلى روسيا ليطلب من بوتين الدعم. وبعد فترة قصيرة بدأت شركة ميرو لاستخراج مناجم الذهب بالعمل في السودان، التي تعتبر ثالث أكبر منتج للذهب في إفريقيا. وكان الدور الرئيس لمنظمة «فاغنر» هو حماية مصالح مناجم الذهب، ودعم نظام البشير. وبعد الإطاحة بالبشير عام 2019، ركزت «فاغنر» على عمليات استخراج الذهب من السودان.

وأخيراً، يبدو أن العلاقات تطورت بين «فاغنر» ورئيس قوات الدعم السريع حميدتي، حيث طار هذا الأخير إلى موسكو في فبراير 2022 للقاء بوتين. وبعد مرور أيام عدة، وفق ما ذكرته محطة «سي إن إن» التلفزيونية، في تحقيق نشرته في يوليو الماضي، وصلت طائرة محملة بالذهب إلى قاعدة حميميم الروسية في اللاذقية. ووفق ما ذكرته شبكة «سي إن إن» الإخبارية «فقد تم تهريب نحو 90% من إنتاج الذهب الروسي، الذي تبلغ قيمته نحو 13.4 مليار دولار، وفق هذه الطريقة».

وخلال الأسبوع المنصرم، نشرت «سي إن إن»، نقلاً عن سودانيين ومصادر دبلوماسية محلية، القول إن موسكو تزود قوات الدعم السريع بالصواريخ خلال الصراع الحالي، خصوصاً صواريخ أرض-جو لمواجهة الطائرات السودانية.

وفي الواقع، فإن تشكيل قوات مسلحة على شاكلة الدعم السريع لا ينتهي إلى ما تحمد عقباه عادة، كما أن تورط قوات مرتزقة خارجية تخدم مصالح سياسية واقتصادية يعقد الأمور أكثر. وفي السودان، تم تشكيل قوات الدعم السريع كي تساعد الدكتاتور السابق البشير ليصبح لاعباً مهماً في التجارة والحكم.

ولكن هؤلاء الرجال الذين يشاركون في هذه القوات، وتشتد قوتهم وثراؤهم، لن يكون من السهل تنازلهم عن السلطة، وهذا ما أثار أسئلة ملحة حول المستقبل القريب للسودان، وكذلك المستقبل البعيد لاستخدام هياكل أمنية مجزأة في القارة الإفريقية.

بول جاكسون أستاذ في جامعة برمنغهام


تشكيل قوات مسلحة إفريقية على شاكلة الدعم السريع لا ينتهي إلى ما تحمد عقباه عادة، كما أن تورط قوات مرتزقة خارجية تخدم مصالح سياسية واقتصادية يعقّد الأمور أكثر.

لطالما غيّر حميدتي موقفه مرات عدة، فقد صعد إلى الشهرة وهو يقاتل من أجل البشير في دارفور، ثم قام بانتفاضة ضده عام 2007، قبل أن يغير موقفه مرة ثانية في صفقة جعلته جنرالاً.

يجري استخدام المجموعات المسلحة في إفريقيا عادة لتأدية سلسلة كبيرة من النشاطات، بما فيها العنف السياسي، أو حتى العمل داخل الحزب السياسي، أو لموازنة القوات المسلحة الرسمية لو كان ينظر إليها باعتبارها تهديداً محتملاً.

تويتر