في ظل التهديدات المتعدّدة التي تواجهها واشنطن في أنحاء العالم

أميركا لا يمكنها أن تهتم بأمن أوروبا أكثر من الأوروبيـين أنفسهم

صورة

في زيارة قام بها، أخيراً، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لبكين، أعلن أن بلاده لن تشعر بأنها مضطرة إلى دعم الولايات المتحدة في حال أي غزو صيني لتايوان. وقال ماكرون: «الشيء الأسوأ هو الاعتقاد بأنه يتعيّن علينا نحن الأوروبيين، أن نصبح أتباعاً بالنسبة لهذا الأمر، وأن نأخذ تلميحنا من جدول الأعمال الأميركي ورد الفعل الصيني المبالغ فيه».

وبقول الباحثان الأميركيان: جيمس غاي كارافانو، نائب رئيس مؤسسة «هيرتاغ» الأميركية والمسؤول عن الابحاث الخاصة بشؤون الأمن القومي والعلاقات الخارجية، وفيكتوريا كوتس، وهي زميلة أبحاث بارزة بمركز «تاتشر للحرية» التابع لمؤسسة «هيرتاغ»، في تقرير نشرته مجلة «ناشيونال إنتريست» الأميركية، إن «هذه التصريحات المحسوبة تكشف عن وجهة نظر أنانية وساخرة، إذ إن ماكرون يتوقع أن تتحمل الولايات المتحدة نصيب الأسد بالنسبة لعبء الحرب في أوكرانيا، ومع ذلك يشعر بأن فرنسا ليست مضطرة إلىى دعم الولايات المتحدة في حال اندلاع حرب في منطقة المحيط الهادئ».

وكان ماكرون قد قال في البيت الأبيض في ديسمبر الماضي: «إنه يجب أن نكون أخوة في السلاح بالنسبة لأوكرانيا»، ولكن تصريحاته الآن تعني أنه يتعيّن أن تتصرف أميركا بمفردها بالنسبة للصين.

إعادة نظر

وأوضح الباحثان أنه «يجب أن تدفع تصريحات ماكرون واشنطن إلى إعادة النظر في وضع الولايات المتحدة، باعتبارها المانح الرئيس للقضية الأوكرانية. وينبغي أن يطالب الكونغرس بأن تقدم إدارة الرئيس جو بايدن كشف حساب كاملاً بما أسهمت به فرنسا والشركاء الأوروبيون الآخرون لأوكرانيا خلال الـ14 شهراً الماضية، كل على انفراد، وأيضا كأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وينبغي أن يتضمن هذا الطلب تحديداً لنوعية ذلك الدعم».

كما ينبغي على مجلس النواب توضيح أنه لن ينظر في أي طلبات مستقبلية تتعلق بتمويل إضافي لأوكرانيا، قبل أن يتلقى كشف الحساب السابق ذكره.

لقد وصف الرئيس جو بايدن الحرب في أوكرانيا - خصوصاً في كلمته في وارسو في فبراير الماضي - بأنها معركة عالمية وجودية في سبيل الديمقراطية، يتم خوضها إلى جانب الحلفاء الأوروبيين. وتكشف تصريحات ماكرون هذا التبرير بأنه خادع، إذ إن وجود ديمقراطية مزدهرة في تايوان، على بُعد 100 ميل فقط من سواحل الصين، يدحض ما تردده وتكرره بكين غالباً، بأن الشعب الصيني لا يريد الديمقراطية، لأنها غريبة على تراثه الثقافي.

ومن الصعب تصور تهديداً أكثر مباشرة للحرية من غزو تقوم به الصين لديمقراطية صينية ناجحة. ومع ذلك، يجد ماكرون أنه في حال تايوان، ليست هناك حاجة لمد يد المساعدة في المعركة في سبيل الديمقراطية، ولا أي التزام بمساعدة الأخوة الأميركيين في السلاح، الذين حرروا بلاده في الحرب العالمية الثانية.

تصريحات ماكرون

وقال الباحثان الأميركيان: «إن تصريحات ماكرون لم تحظ بقبول جيد على الإطلاق، لدرجة أنه حتى المستشار الألماني، أولاف شولتس، سارع إلى أن ينأى بنفسه عنها». وأوضح شولتس أنه «في حال نشوب حرب لن تخذل برلين تايوان أو الولايات المتحدة. وحمّل الصين مسؤولية عدم تصعيد التوترات في أنحاء العالم».

وقال الباحثان: «إنه يتعين على كل الحلفاء الأوروبيين أن يدركوا أن أيام تحمّل الولايات المتحدة عبئاً غير متناسب بالنسبة لأوكرانيا، مع توقع أن تواجه الصين بمفردها بالنسبة لتايوان، بدأت تنفد، وإنه سيكون مطلوباً منهم ما هو أكثر من الدعم المعنوي».

وبينما يتصدر كثير من الشركاء في ما اسماه (وزير الدفاع الأميركي السابق) دونالد رامسفيلد في وقت من الأوقات بـ«أوروبا الجديدة» القائمة، ويسهمون في أكثر من نصيبهم العادل، سيوفر كشف الحساب وضوحاً بالنسبة لما تسهم أو لا تسهم به فرنسا وألمانيا - أكبر اقتصادين في الاتحاد الأوروبي - في الدفاع عن الديمقراطية في قارتهما.

وقد كشفت وثائق المخابرات المسربة، أخيراً، من بين الأسرار الأخرى، أن وزارة الدفاع الأميركية ترى أن أوكرانيا تعاني نقصاً في مجموعة من الإمدادات. وهذا يشير إلى أن الاستراتيجية التي غالباً ما يكررها بايدن والخاصة بدعم أوكرانيا - بقدر ما يتطلب الأمر وطوال الوقت الذي يحتاجه - تواجه فشلاً. وعلاوة على ذلك، كشفت هذه الوثائق أن هناك قوات خاصة أميركية في السفارة الأميركية في كييف، رغم تأكيدات الإدارة الأميركية المتكررة بأنه لن تكون هناك قوات أميركية على الأرض في أوكرانيا.

توضيح

وكما أنه سيتعين وجود كشف حساب يبين إسهامات الشركاء الأوروبيين، ينبغي أن يطلب الكونغرس توضيحاً لحقيقة استراتيجية بايدن الخاصة بأوكرانيا، وأن تقدم الإدارة تقييماً واقعياً بما ستتخذه من إجراءات لتحقيق نجاحها، وكيف سيؤثر الإنفاق عليها في قدرة أميركا على مواجهة الصين.

وبالنسبة لأوكرانيا، يمكن القول إنه في ظل التهديدات المتعددة الجريئة التي تواجهها الولايات المتحدة في أنحاء العالم، لا يمكن أن تهتم أميركا بالأمن الأوروبي أكثر من الأوروبيين أنفسهم، خصوصاً إذا كان هناك قادة في القارة مثل إيمانويل ماكرون، يعلنون صراحة اعتزامهم التخلي عن أميركا عندما قد تكون في أشد الحاجة إليهم.

واختتم الباحثان تقريرهما بالقول: «إن أميركا تحتاج إلى حلفاء يتفهمون الضغوط الفريدة التي تواجهها، ويمكنهم رؤية الصورة الأكبر بخلاف ما يحدث في بلادهم. وإذا كان هذا مطلباً صعباً للغاية، فإنه بوسع هؤلاء الحلفاء أنفسهم البدء في أخذ زمام المبادرة في حرب تُعتبر عموماً تهديداً أكثر مباشرة لهم منها بالنسبة لأميركا».

وصف الرئيس بايدن الحرب في أوكرانيا - خصوصاً في كلمته في وارسو في فبراير الماضي - بأنها معركة عالمية وجودية في سبيل الديمقراطية، يتم خوضها إلى جانب الحلفاء الأوروبيين.

وجود ديمقراطية مزدهرة في تايوان، على بُعد 100 ميل فقط من سواحل الصين، يدحض ما تردده وتكرره بكين غالباً، بأن الشعب الصيني لا يريد الديمقراطية، لأنها غريبة على تراثه الثقافي.

تويتر