لحظات قلق وتوتر ومخاطر

مدنيون غادروا السودان إلى جدة يروون رحلة هروبهم من الحرب

صورة

وصلت، أمس، سفينة إجلاء تقل 1687 مدنياً من أكثر من 50 دولة فرّوا من العنف في السودان، إلى مدينة جدة، وفق ما أعلنت وزارة الخارجية السعودية، في أكبر عملية إنقاذ من نوعها تنفذها المملكة حتى الآن.

وقالت الخارجية في بيان: «وصل صباح أمس، إلى مدينة جدة 13 مواطناً سعودياً، كما بلغ عدد رعايا الدول الشقيقة والصديقة الذين تمّ إجلاؤهم نحو 1674 شخصاً من 56 دولة»، مشيرة إلى أنهم نقلوا «من خلال إحدى السفن التابعة للمملكة».

وأدت المعارك إلى مقتل 459 شخصاً على الأقل، وإصابة أكثر من 4000 بجروح، وفق الأمم المتحدة، ووضعت نظام الرعاية الصحية تحت ضغط هائل للتعامل مع حصيلة متزايدة من الضحايا. ويواجه الكثير حالياً نقصاً حاداً في المياه والغذاء والأدوية والوقود، إضافة إلى انقطاع الكهرباء والإنترنت.

إطلاق النار هش

ودخل أمس وقف إطلاق النار في السودان، الذي تمّ التوصل إليه برعاية أميركية، يومه الثاني، لكنه لايزال هشاً وسط تقارير لشهود عيان عن مزيد من الضربات الجوية.

وإضافة إلى السعوديين الـ13، شملت عملية الإجلاء، أمس، مدنيين من دول في الشرق الأوسط وإفريقيا وأوروبا وآسيا وأميركا الشمالية وأميركا الوسطى، بحسب بيان وزارة الخارجية.

وأعلنت وزارة الخارجية الإندونيسية أن 560 مواطناً تمّ إجلاؤهم من السودان إلى السعودية، لكنها لم توضح ما إذا كانوا جميعهم على متن السفينة نفسها التي وصلت صباح أمس إلى جدة. وقال المتحدث باسم الوزارة، توكو فايزاسياه، لوكالة «فرانس برس»: «إن جاكرتا ستقوم بجولة ثانية من عمليات الإجلاء، تشمل أكثر من 300 إندونيسي من الخرطوم إلى بورتسودان، قبل الرحلة التالية».

من جانبها، أعلنت وزارة الخارجية السريلانكية، أمس، أن 13 مواطناً وصلوا إلى جدة من السودان، فيما ينتظر 12 آخرون إجلاءهم في بورتسودان.

وسبق أن نظمت الرياض عمليات إجلاء بحراً وجواً. وأعلنت السعودية (السبت) إنجاز أول عملية إجلاء لمدنيين من السودان إلى جدة على متن سفينة، شملت أكثر من 150 شخصاً، بينهم دبلوماسيون أجانب ومسؤولون.

و(الإثنين)، نقلت طائرة عسكرية نحو 30 شخصاً من رعايا كوريا الجنوبية إلى قاعدة جوية في جدة، كما أجلت سفينة قرابة 200 شخص من 14 جنسية من مدينة بورتسودان إلى قاعدة بحرية في جدة.

وأوضحت الوزارة أن «بذلك يصل إجمال من تمّ إجلاؤهم من السودان منذ بدء عمليات الإجلاء إلى نحو 2148 شخصاً (114 مواطناً سعودياً، 2034 شخصاً ينتمون لـ62 جنسية)».

حكايات مرعبة

وفي رحلة بحرية سابقة إلى ميناء جدة روى من نجوا من الحرب روايات شديدة القسوة عن رحلتهم الشاقة للخروج من السودان، حيث وصلوا إلى الميناء السعودي وسط ظلام الليل، وقد بدوا منهكين. وروى بعضهم لوكالة «فرانس برس» لحظات القلق والتوتر والمخاطر التي مرّوا بها في رحلة إجلائهم من البلاد التي اشتعلت فجأة بحرب دامية قبل أكثر من 10 أيام.

في قاعدة الملك فيصل على البحر الأحمر، رست السفينة التابعة لسلاح البحرية السعودي (ليل الإثنين الثلاثاء). بين الخارجين منها، نساء مسنات على كراس متحركة، وأطفال نائمون على أذرع والديهم، وأشخاص حملوا حقائب ممتلئة بما قرّروا أخذه معهم، عندما قرّروا الهروب من المعارك والضربات الجوية، وتضاؤل المواد الغذائية والتموينية والسيولة.

وبلغ عدد الواصلين نحو 200، في ثاني رحلة من نوعها خلال الأيام الأخيرة، ينتمون إلى 14 دولة.

طريق طويل

وقال اللبناني سهيب عائشة، الذي يدير مصنع بلاستيك في السودان منذ أكثر من 10 سنوات: «الحمدلله ربّ العالمين، خرجنا سالمين بعد أن قطعنا طريقاً طويلاً من الخرطوم إلى مدينة بورتسودان، استغرق قرابة 10 أو 11 ساعة».

وروى سهيب وهو يحمل طفلته، لوكالة «فرانس برس»، أن رحلة السفينة «من بورتسودان إلى جدة استغرقت نحو 20 ساعة».

وقالت امرأة لبنانية، رفضت الكشف عن اسمها: «كان هناك الكثير من اللحظات الصعبة، شعرنا خلالها بالخوف والتوتر والقلق». وأضافت: «لم نكن ننام ولا نأكل ولا نشرب. لقد عشنا أياماً صعبة».

واندلعت المعارك في السودان في 15 أبريل بين الجيش بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي، الذي كان حليفاً للبرهان ونائباً لقائد الجيش قبل أن يتحولا إلى خصمين.

وأدى القتال إلى مقتل 427 شخصاً على الأقل، وإصابة نحو 4000 بجروح، وفق وكالات الأمم المتحدة، ووضع نظام الرعاية الصحية تحت ضغط هائل للتعامل مع حصيلة متزايدة من الضحايا. ويواجه الكثير حالياً نقصاً حاداً في المياه والغذاء والأدوية والوقود، إضافة إلى انقطاع الكهرباء والإنترنت.

في وقت متأخر (الإثنين)، أعلن وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، موافقة طرفي النزاع على وقف إطلاق النار ثلاثة أيام اعتباراً من الثلاثاء. لكن أصوات إطلاق النار والانفجارات كانت لاتزال تسمع صباح أمس في الخرطوم وغيرها من المناطق.

ارتياح

وعبّر الأشخاص الذين وصلوا إلى الأراضي السعودية (الإثنين) عن ارتياحهم لخروجهم من السودان، حيث أعلنت لجنة الأطباء أن المعارك تسبّبت في «انهيار كامل وشامل لنظام الرعاية الصحية» في البلاد، وأدت إلى امتلاء «المشارح والشوارع بالجثث».

وقال السعودي فهد السهيل، الذي كان يرتدي الزي التقليدي بعد نزوله من السفينة: «بدأت حرب طاحنة قوية في الحقيقة. انتقلنا من الخرطوم إلى سنجة، وفي طريقنا كانت هناك مناوشات وإطلاق نار، لكننا سلكنا طريقاً صحراوياً إلى كسلا ثم إلى بورتسوادان».

«نفوذ» سعودي

وأعلنت السعودية إنجاز أول عملية إجلاء لمدنيين من السودان إلى جدة (السبت)، شملت أكثر من 150 شخصاً، بينهم دبلوماسيون أجانب ومسؤولون.

وفي وقت سابق (الإثنين)، نقلت طائرة عسكرية نحو 30 شخصاً من رعايا كوريا الجنوبية، بينهم طفل وراهبة إلى قاعدة الملك عبدالله الجوية في جدة.

وأفادت وزارة الخارجية السعودية في بيان، بأن إجمالي من تم إجلاؤهم من السودان إلى المملكة بلغ 356 شخصاً، هم 101 سعودي، و255 أجنبياً من 26 بلداً.

وبثّت وسائل الإعلام السعودية الرسمية تغطية مباشرة وشاملة لعمليات الإجلاء، كما نشرت بيانات شكر من الدول التي أُجلي مواطنوها في هذه العمليات.

وبثّت قناة «الإخبارية» الحكومية مشاهد تُظهر السفينة وهي تقترب من ميناء جدة في وقت متأخر من (ليل الإثنين)، في حين كان ركاب يلوّحون بأيديهم ويبتسمون، وآخرون يصوّرون مشهد الوصول بهواتفهم.

وبدا عناصر من القوات المسلحة السعودية يساعدون رجلاً مسناً في النزول من السفينة، وسط زغاريد وتصفيق حار، فيما كان آخرون يقدّمون الأعلام السعودية والورود للركاب.

ورأى الخبير في السياسة السعودية في جامعة برمنغهام، عمر كريم، أن عمليات الإجلاء «تُظهر بالطبع حرص السعودية على تقديم نفسها لاعباً مركزياً في حالات الأزمات الإقليمية، والاستفادة من النفوذ الذي تتمتع به لدى طرفَيّ هذا النزاع».

إلا أن المسؤولين السعوديين يواجهون ضغوطاً للقيام بأكثر من مجرّد تسهيل عمليات الإجلاء، نظراً إلى علاقاتهم الوثيقة بالجنرالين اللذين تتقاتل قواتهما في الخرطوم.

وقال المحلل آلان بوسويل، لدى مجموعة الأزمات الدولية لـ«فرانس برس»: «السعودية لاعب أساسي في دبلوماسية وقف إطلاق النار في السودان».

واعتبر أن «الحكومات الإفريقية وتلك الغربية تتطلّع إلى الرياض للمساعدة في إقناع الجيش السوداني بإعطاء فرصة للمحادثات».

يواجه الكثير حالياً نقصاً حاداً في المياه والغذاء والأدوية والوقود، إضافة إلى انقطاع الكهرباء والإنترنت.

المعارك تسبّبت في «انهيار كامل وشامل لنظام الرعاية الصحية» في البلاد، وأدت إلى امتلاء «المشارح والشوارع بالجثث».

تويتر