تستخدم فيها أسلحة تضليل وحسابات وهمية وتكتيكات خبراء يعملون في الخفاء

السودان.. مواجهة مفتوحة على مواقع التواصل كما في الميدان

صورة

توازياً مع معاركهما في الميدان، تستعر الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع على منصات التواصل الاجتماعي، وتستخدم فيها مختلف أسلحة التضليل والحسابات الوهمية وتكتيكات خبراء يعملون في الخفاء لترجيح كفّة طرف على آخر.

منذ اندلاع المعارك في 15 أبريل، لجأ قائد الجيش عبدالفتاح البرهان وغريمه محمد حمدان دقلو المعروف بـ«حميدتي»، إلى «إغراق وسائل الإعلام بمعلومات مضللة»، وفق رغدان أورسود، الشريكة في تأسيس مركز «بيم ريبورتس» الذي يحقق في المعلومات المضللة في السودان.

يخوض حليفا الأمس اللذان قادا انقلاباً أطاح بالمدنيين من الحكم عام 2021، صراعاً على السلطة أودى بالمئات خلال أسبوع، وفشلت معه كل مساعي التهدئة.

أهمية المنصات

دفعت المعارك ملايين السودانيين للاحتماء في منازلهم حيث أصبحت منصات مثل «فيس بوك» و«تويتر» مصادر أساسية للمعلومات.

وكما يصعب التحقق من المعطيات الميدانية جراء خطر التنقّل، فالتدقيق في المعلومات عبر مواقع التواصل ليس أقل تعقيداً، خصوصاً وأن جزءاً كبيراً يبثّ عمداً خدمة لأحد طرفي النزاع.

ويقول محمد سليمان، الباحث في ملف التضليل بجامعة نورث إيسترن في مدينة بوسطن الأميركية، إن الجانبين نشرا «حقائق ملتوية» في حملة إعلامية لخلق «حالة من الخوف» تسيطر على الناس.

وبينما لم يحقق أي طرف تقدماً ميدانياً كبيراً، يرى خبراء أن لقوات الدعم ودقلو يد طولى في المعركة الإعلامية.

فبعيد اندلاع القتال، بدأت حسابات مرتبطة بدقلو وقواته تبث بلغة إنجليزية متقنة، منشورات تؤكد فيها أنها تقاتل «الإسلاميين المتطرفين» الذين «يشنون حملة وحشية ضد الأبرياء»، وتقوم بالدفاع عن «الديمقراطية».

ويرى متخصص في شؤون الشرق الأوسط، طلب عدم كشف اسمه، أن ذلك يؤشر إلى أن قوات الدعم «تستفيد من خدمات خبراء في مجال الصورة والتواصل الإلكتروني».

تكتيكات قديمة

من جهته، يرى سليمان أنّ قوات الدعم «تتفوق» في الحرب الكلامية على الجيش الذي يعتمد «التكتيكات القديمة».

وبحسب «بيم ريبورتس»، يستخدم الجيش حسابات وهمية على مواقع التواصل، كانت بالكاد ناشطة قبل المعارك.

وقامت هذه الحسابات غير الموثقة بنشر بيانات للبرهان والجيش، أقرب ما تكون إلى دعاية مضللة، وفق خدمة تقصّي صحة الأخبار لوكالة فرانس برس.

وتداولت الحسابات على منصات مختلفة، مقاطع فيديو تشيد بالجيش لشنّه ضربات جوية على مقرات لقوات الدعم، والاستيلاء على كميات ضخمة من النقود من منزل دقلو، وشنّ غارات جوية في شمال البلاد... واتضح أن اللقطات قديمة وتعود إلى اليمن وليبيا، وحتى أن بعضها كان من ألعاب الفيديو.

وما زاد من خطر التضليل في المعركة الإلكترونية، تزامنها مع قيام إدارة «تويتر» بتجريد الحسابات من علامات التوثيق الزرقاء المجانية، ومنها تلك العائدة رسمياً للبرهان وقوات الدعم.

وظهرت تبعات هذا الإجراء الجمعة، إذ أعلن حساب باسم قوات الدعم يحمل علامة التوثيق التي باتت متوافرة عبر خدمة الدفع، أن دقلو انتقل «إلى رحمة الله متأثراً بجراح أصيب بها» خلال المعارك.

تلميع الصورة

ولكل من طرفي النزاع تاريخ في استخدام مواقع التواصل لتلميع صورته.

ورصدت شركة «بيم ريبورتس» وجود «حملة ممنهجة لتلميع صورة القوات شبه العسكرية (الدعم السريع)» على «فيس بوك» بدأت منذ مايو 2019 بعدما أطاح انقلاب عسكري بنظام الرئيس عمر البشير.

وتؤكد تيسا نايت من مختبر «دي أف آر لاب» للتدقيق الرقمي الأميركي، أن قوات الدعم تلاعبت سابقاً بمنصات التواصل.

ووفق المختبر، استخدمت القوات «ما لا يقل عن 900 حساب على تويتر يُحتمل أنها مقرصنة» منذ ديسمبر 2022، لنشر معلومات عنها وعن دقلو وتضخيم شعبيتهم «بشكل مصطنع».

وتشير نايت إلى أن هذه الحسابات تصوّر دقلو على أنه «عسكري إصلاحي يدعم الديمقراطية، وقائد كفء»، ووصفته مع اندلاع المعارك بـ«بطل يقاتل لحماية السودان وتطهير البلاد من الخونة».

لم يترك دقلو صورته رهينة الصدفة. فهو وقّع في مايو 2019 عقداً قيمته ستة ملايين دولار مع شركة العلاقات العامة والاستشارات «ديكنز أند مادسون» في مونتريال، بإدارة رجل الأعمال الإسرائيلي-الكندي آري بن ميناشي.

والعقد الذي اطلعت فرانس برس على نسخة منه، مدته سنة قابلة للتجديد، وينصّ على أن تقوم الشركة بـ«حملات ضغط (لوبي) مع قادة في السلطات التنفيذية و/أو التشريعية الأميركية والروسية»، إضافة إلى الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ومنظمات أخرى.

وأتى الاتفاق قبل أسابيع من اتهام مسلّحين تابعين لقوات الدعم، بفضّ احتجاجات مؤيدة للديمقراطية في الخرطوم قُتل فيها 128 شخصاً.

تقاطع أجنبي

وفي سبتمبر 2021، وقبيل انقلاب البرهان ودقلو على المدنيين، تم إغلاق حسابات قامت بالترويج لقوات الدعم.

وجمعت علاقة وثيقة بين البرهان ودقلو وأرسل القائدان مقاتلين إلى اليمن في 2015 في إطار تحالف، دعماً للحكومة المعترف بها دولياً.

ريال... دولار... روبل

ويمتد الترابط الدولي لهذه الحملة إلى أبعد من الشرق الأوسط.

ففي عامي 2019 و2021، أغلقت «فيس بوك» حسابات سودانية تدعم وسائل إعلام حكومية وروسية متصلة بـ«وكالة أبحاث الإنترنت» الروسية، وهي مجموعة اتهمتها الولايات المتحدة بالسعي للتأثير في انتخابات الرئاسة 2016.

وفي 2021 أيضاً، كشفت المنصة الأميركية أن هذه الحسابات كانت تدفع الأموال «بالريال القطري، الدولار (الأميركي)، والروبل (الروسي)» للترويج لها.

وفي مارس 2022، أكد مسؤول أمني سوداني لفرانس برس أن «خبراء روس يشاركون في تأمين الاتصالات ومراقبة شبكات التواصل الاجتماعية لصالح مؤسسات مرتبطة بالدولة» في السودان.

وفي الشهر ذاته، قالت دول مجموعة «الترويكا» (بريطانيا والولايات المتحدة والنرويج)، إن مجموعة «فاغنر» الروسية التي يرأسها رجل الأعمال المرتبط بالكرملين، يفغيني بريغوجين، «تنشر معلومات مضللة على وسائل التواصل» في السودان.

وعلى رغم تعدد الجهات في هذه الحملات، ترى أورسود بأنه في الإمكان «مواجهة أي حملة تضليل مهما بلغ تعقيدها».

وحالياً، عمد السودانيون إلى إغراق مواقع التواصل بالمعلومات حول تقديم الإغاثات والمساعدات لمن هم في أمس الحاجة إليها.

• في مارس 2022، أكد مسؤول أمني سوداني لـ«فرانس برس»، أن «خبراء روساً يشاركون في تأمين الاتصالات ومراقبة شبكات التواصل الاجتماعية لصالح مؤسسات مرتبطة بالدولة» في السودان.

• كما يصعب التحقق من المعطيات الميدانية جراء خطر التنقّل، فالتدقيق في المعلومات عبر مواقع التواصل ليس أقل تعقيداً، خصوصاً أن جزءاً كبيراً يبثّ عمداً خدمة لأحد طرفي النزاع.

تويتر