وضعوا أنفسهم في خط النار والخطر لإنقاذ جنودها خلال الحرب
أميركا تتجاهل تضحيات أفغان وصلوا إليها بعد انهيار حكومتهم
يكافح العديد من المواطنين الأفغان الذين وصلوا إلى الولايات المتحدة كجزء من الإجلاء الهائل للولايات المتحدة في أغسطس 2021، والبالغ عددهم 85500 أفغاني، من أجل الاستقرار في الولايات المتحدة، إلا أن الصعوبات التي يواجهها أفراد قوات العمليات الخاصة الأفغانية السابقون، والتي قاتلت إلى جانب الأميركيين أكثر حدة، حيث يعاني معظمهم الآن من صدمة المعركة، وفقاً لجماعات غير ربحية تسعى لمساعدة هؤلاء المقاتلين. وبينما ينتظرون طلبات الحصول على التأشيرات أو طلبات اللجوء الأميركية الغارقة إجراءاتها في البيروقراطية الحكومية، يعاني الكثير منهم من الاكتئاب وبعضهم تراوده الأفكار الانتحارية. ويقول آخرون إنهم يفضلون العودة إلى أفغانستان أو حتى إيران المجاورة، حيث يمكنهم على الأقل فهم لغة التواصل.
الضرر المعنوي
ومع تأخر إجازة قانون تعديل وضع الأفغانيين المقترح - الذي من شأنه أن يمنح معظم اللاجئين الأفغان وضعاً قانونياً دائماً - والذي من غير المرجح أن يجيزه الكونغرس في أي وقت قريب، يشعر المسؤولون الأميركيون السابقون في أفغانستان بالقلق بشأن مصير الوحدات الصفرية، وهي وحدات من الأفغانيين شكلتها وكالة الاستخبارات الأميركية المركزية «سي آي إيه» كانت تقدم الدعم العسكري والاستخباراتي للقوات الأميركية المقاتلة هناك، كما يشعرون بتجاهل إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، لمن كانوا مصدر دعم رئيساً لبلادهم خلال الحرب.
ويقول أحد أفراد القبعات الخضراء بالجيش الأميركي، واسمه دانيال إلكينز، والذي شارك في تأسيس مجموعة تابعة للعمليات الخاصة الأميركية: «الضرر المعنوي هائل جداً، نحن نعلم أنه كان من الممكن أن يكون هناك المزيد من جنودنا المدفونين في مقبرة أرلينغتون الوطنية اليوم لولا حلفاؤنا الأفغان الذين قاتلوا جنباً إلى جنب معنا».
أنشأت «سي آي إيه» الوحدة الصفرية في وقت مبكر من الحرب الأفغانية، حيث جندت في البداية أفراداً من بين الميليشيات المناهضة لطالبان للمساعدة في جمع المعلومات الاستخبارية وتنفيذ مهام سرية ضد طالبان والقاعدة. وبمرور الوقت، تطورت الوحدات إلى قوة ضاربة من النخبة ينحدر أعضاؤها من مختلف فروع الجيش الأفغاني. حتى أفراد أسر هؤلاء المجندين لم يكونوا يعرفون ما يفعله أبناؤهم أو ماهية عملهم.
تم دمج الوحدات رسمياً في المديرية الوطنية لوكالة الاستخبارات الأمنية التابعة للحكومة الأفغانية في عام 2009على الرغم من أن «سي آي إيه» ظلت تقدم المشورة لهؤلاء المقاتلين في آلاف من المهام التي تم تنفيذها بدعم لوجستي عسكري.
عاصفة
لقد قاتلوا أو استولوا على أهداف معادية في غارات ليلية أثناء حماية المناطق التي تسيطر عليها الحكومة من التوغلات - وظلوا عاصفة لا هوادة فيها في المعارك بالنيران وتفجيرات القنابل وهجمات القناصة، وعانو قلة النوم، والتي غالباً ما تسببت في موت بعضهم. وعندما انهارت الحكومة الأفغانية في أغسطس 2021 جمع جنود الوحدة الصفرية الأفراد المدنيين الأميركيين وأعضاء تحالف حلف شمال الأطلسي (الناتو) من منازلهم، ووفروا لهم الحماية وسط الفوضى ورافقوهم حتى وصولهم لمطار كابول بينما ظلوا يحرسون محيطه أيضاً. وتعرضوا لإطلاق النار أثناء الفوضى من قبل طالبان أو أشخاص آخرين.
ويقول مسؤول حكومي أميركي سابق مطلع على الوحدات، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته «هناك العشرات من المواقف التي وضعوا فيها أنفسهم في خط النار لإنقاذ الأميركيين».
مقاتلو الوحدة الصفرية مؤهلون للحصول على تأشيرات هجرة خاصة مخصصة للأفغان والعراقيين الذين ساعدوا الولايات المتحدة أثناء الحروب في بلادهم؛ وتمنحهم التأشيرات الإقامة الدائمة القانونية وتمهد لهم طريق الحصول على الجنسية الأميركية. ومع ذلك لم يتلق العديد من هؤلاء المقاتلين السابقين رسائل من الحكومة الأميركية حتى الآن، تؤكد بدء إجراءاتهم. ويمثل الانتظار مصدر قلق لأن المهلة التي تبلغ عامين بشأن تعديل وضعهم كأفراد مُنحوا الدخول المشروط لأسباب إنسانية تنتهي مع اقتراب انتهاء صلاحيتها هذا الصيف.
ولايزال المزيد من المقاتلين عالقين في الإجراءات البيروقراطية للحكومة الفيدرالية لطلبات التأشيرة وطلبات اللجوء الأميركية التي يبلغ عددها عشرات الآلاف، ويرجع ذلك جزئياً إلى نقص الموظفين العاملين في خدمات المواطنة والهجرة الأميركية، والوكالة الفيدرالية التي تعالج هذه الطلبات، كما يقول محامو الهجرة، وهذا من شأنه أن يجعلهم غير مؤهلين للحصول على مدفوعات العجز الفيدرالية والخدمات الحكومية الأخرى، والوظائف التي تتطلب البطاقة الخضراء.
وتقول وزارة الخارجية إنها تعمل على تسريع عملية تقديم طلبات التوظيف الخاصة لجميع المتقدمين بعد إضافة موظفين إلى البرنامج الخاص بها. وتقول «سي آي إيه» إنها تساعد في هذا الجهد في ما يتعلق بالوحدات الصفرية والآخرين الذين ساعدوا الوكالة.
وتقول وزارة الخارجية إنه منذ يناير 2021 تم إصدار ما يقرب من 21 ألف تأشيرة من هذا القبيل. ولايزال 14 ألف متقدم في انتظار الموافقة.
وفي خضم هذه المشكلات ظهرت تقارير تتحدث عن ارتكاب الوحدة الصفرية انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب في عام 2019، ووثقت منظمة «هيومن رايتس ووتش» 14 حالة تزعم فيها أن جنود الوحدة الصفرية عذبوا أو قتلوا مدنيين خلال هجمات في مناطق تسيطر عليها حركة طالبان بناءً على معلومات استخبارية خاطئة.
وقال متحدث باسم «سي آي إيه» إن مثل هذه التقارير لا تعكس حقائق الحرب حيث غالباً ما تعرض طالبان الأبرياء للأذى وتشوه تفاصيل الأحداث. وقالت الوكالة إن العمليات شملت إشراف الحكومة الأميركية عند تنفيذها لضمان عدم حدوث انتهاكات، وهي سياسة تم تطبيقها بصرامة.
وسواء كانت الادعاءات صحيحة أم لا، فإن صورة المجموعة قد تشوهت وعلقت بها وصمة عار لحق بآلاف عدة من مقاتلي الوحدة الصفرية السابقين الموجودين الآن في أميركا. ويقول قائد سابق للوحدة إنه يتم تجاهل المصاعب التي تحملها هو وزملاؤه خلال الحرب. ويضيف «لقد استخدم الناس القنابل وجميع أنواع الأشياء للقضاء علينا نحن الآن متعبون عقلياً وجسدياً».
محنة تابيش
بينما تنام زوجته وأطفاله السبعة في شقتهم في بالتيمور، يجلس المحارب الأفغاني السابق مستيقظاً متألماً وقلقاً وغاضباً. ماداً ساقه اليسرى الاصطناعية على الطاولة، حيث ظل يستخدم هذه الرجل بعد أن فقد رجله الحقيقية في معركة عام 2017.
كان عضواً في قوة مكافحة الإرهاب السرية التي دربتها الولايات المتحدة والمعروفة باسم الوحدات الصفرية، واستقطب الثناء من قبل رؤسائه الأميركيين الذين وصفوه بـ«الأخ» ونال الكراهية من قادة «طالبان» الذين اتهموا المجموعة بارتكاب جرائم حرب.
عندما وصل إلى الولايات المتحدة، توقع تابيش الترحيب به كأحد الأبطال. وبدلاً من ذلك تم تصنيفه كأحد المهاجرين وأصبح الآن في طي النسيان، وتتراكم عليه الفواتير غير المسددة، ويقع منزل عائلته الجديد في حي يعاني من جرائم عنيفة.
قال تابيش، وهذا ليس اسمه الكامل، لأحد أقاربه في أفغانستان، «لقد مرت أربعة أيام لم أتمكن فيها من النوم بسبب هذا الألم، هذا الألم الذي أشعر به منذ فقدت ساقي بسببهم» يعني الأميركيين.
بصيص من الأمل
سمير، نقيب سابق في الوحدة الصفرية، يعيش في موقع مؤقت للاجئين في قاعدة مشاة البحرية كوانتيكو في شمال فيرجينيا، والتي وصل إليها بعد أربعة أشهر من سقوط الحكومة الأفغانية. أصيب بجروح ويشعر بحالة من الضياع واليأس بعد أن علق في مخيم إعادة التوطين، بينما كان شقيقه مصاباً في المستشفى في بيثيسدا. فكر سمير في إنهاء حياته، وسأل نفسه: لماذا أنا هنا الآن؟
ثم فكر في خبيرة مكافحة إرهاب سابقة في «سي آي إيه» والتي قابلها قبل أسابيع عندما زارت المخيم، والتي كان يعرفها فقط باسم «بلاك بيرد»واسمها الحقيقي جيتا باكشي. أقنعت باكشي سمير بالبقاء قوياً، قائلة له خلال مكالمة هاتفية في وقت متأخر من الليل لمساعدته على الشعور بأنه ليس بمفرده.
ظلت باكشي، التي ساعدت في تدريب مقاتلي الوحدة الصفرية في أفغانستان، تتلقى عشرات المكالمات الهاتفية المحمومة من أعضاء سابقين. قالت إن أحدهم قال لي: هناك أوقات أفكر فيها في قيادة شاحنتي، والاصطدام بها في الحائط لإنهاء حياتي».
بعد مغادرتها وكالة «سي آي إيه» في أبريل، أسست باكشي منظمة غير ربحية تهدف إلى مساعدة الأفراد العسكريين الأفغان السابقين، وأطلقت عليها اسم فاميل «الأسرة» بلغة الداري.
وقالت إنها أدركت الحاجة إلى فاميل خلال زيارتها في أكتوبر إلى مدينة الخيام في كوانتيكو، والتي تضم أعضاء سابقين في الوحدة الصفرية إلى جانب المدنيين الأفغان. وأخبرها المقاتلون أن عائلاتهم تعاني من الجوع، في حين أن العاملين في وكالة إعادة التوطين المثقلين بالعمل، لم يردوا على المكالمات الهاتفية.
وتقول: «كان هناك أطفال يركضون دون ملابس».
مع وجود العديد من قادة «سي آي إيه» السابقين الذين يخدمون كأعضاء في مجلس الإدارة أو مستشارين، تدار المنظمة من قبل ثلاثة أفراد، وشبكة من المتطوعين لمساعدة الجنود الأفغان السابقين، العديد منهم مصابون بجروح خطيرة، ويساعدهم الموظفون في التعرف على نظام المزايا الأميركية، والحصول على دروس اللغة الإنجليزية وتطوير مهارات وظيفية جديدة.
في كثير من الأحيان يعمل الموظفون وسطاء مع وكالات إعادة التوطين، التي تعمل لتحقيق الأهداف نفسها التي يسعى إليها اللاجئون الأفغان.
بينما ينتظرون طلبات الحصول على التأشيرات أو طلبات اللجوء الأميركية الغارقة إجراءاتها في البيروقراطية الحكومية، يعاني الكثير من الأفغان من الاكتئاب وبعضهم تراوده الأفكار الانتحارية
يشعر المسؤولون الأميركيون السابقون في أفغانستان بالقلق بشأن مصير الوحدات الصفرية، وهي وحدات من الأفغانيين شكلتها وكالة الاستخبارات الأميركية المركزية «سي آي إيه» كانت تقدم الدعم العسكري والاستخباراتي للقوات الأميركية المقاتلة هناك، كما يشعرون بتجاهل إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، لمن كانوا مصدر دعم رئيس لبلادهم خلال الحرب.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news