جاءت في وقت غير مناسب

تصريحات ماكرون بشأن العلاقة مع الصين كانت باهظة الثمن

طرح ماكرون فكرة الاستقلال عن واشنطن قبل سنوات. أرشيفية

قبل أربع سنوات، لاحظ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن عصر السذاجة الأوروبية تجاه الصين قد انتهى. وكما أوضح أندرو سمول في كتابه «القطيعة»، لم يكن التحول ناتجاً بشكل أساسي عن ضغط الولايات المتحدة للانحياز إلى جانب -على الرغم من أن هذا كان محسوساً بلا شك - ولكن عن علاقة أوروبا الخاصة مع بكين. وازدادت قسوة وجهات النظر بفضل القوة المتزايدة للصين في السياسة الخارجية، وتعاملها مع الجائحة، ودعمها لروسيا على أوكرانيا.

وفي الشهر الماضي، حثت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين، على «عدم المخاطرة» بالعلاقات مع الصين. وإصرار الرئيس الفرنسي على إشراكها في رحلته إلى بكين الأسبوع الماضي، بعث برسالة ترحيبية بالوحدة.

ولكن ملاحظاته للصحافيين في طريقهم إلى فرنسا، هي التي استحوذت على الاهتمام. فملاحظته - في سياق تايوان - أن أوروبا لا ينبغي أن تكون «تابعة» للولايات المتحدة أو الوقوع في أزمات «ليست خاصة بنا»، أثارت الغضب في جميع العواصم الأوروبية، إذ هاجم البرلماني الألماني نوربرت روتغن «انقلاب العلاقات العامة لـ(الرئيس الصيني) شي جين بينغ وكارثة السياسة الخارجية لأوروبا».

بالطبع، السياسة الخارجية الأوروبية والأميركية ليست ولا ينبغي أن تكون مترادفة. ولن تتفاجأ بكين عندما تعلم أن تايوان في مرتبة أدنى من جدول الأعمال الأوروبي من الولايات المتحدة. وبينما كانت الصين تجري تدريبات عسكرية حول تايوان، كانت تصريحات ماكرون خطأ فادحاً. ويعتقد المسؤولون الألمان أن رحلة وزيرة الخارجية، أنالينا بيربوك، إلى بكين أخيراً، تحد من الأضرار. وحذرت برلين من أن التصعيد في مضيق تايوان سيكون «سيناريو مروعاً بالنسبة للعالم بأسره».

وبالنسبة للاتحاد الأوروبي، حتى من الناحية الاقتصادية البحتة، فإن صناعة الرقائق والتجارة المتدفقة من تايوان تعني أن أوروبا لا يمكن أن تكون غير مبالية بمستقبل الجزيرة.

ويمكن أن تختلف المصالح والطرق الأوروبية، دون أن تتعارض مع بعضها. ويتفق الجميع على أن ردع الصين عن توريد الأسلحة إلى روسيا هو أولوية. وفي وقت شددت فيه فون دير لايين على أن دعم موسكو يمكن أن يكون نقطة توقف في العلاقات، سعى ماكرون إلى جعل المصالح التجارية الفرنسية محركاً رئيساً، لكن النهج لم يكن خاطئاً أو أحمق بطبيعته، حتى لو بالغ في تقدير سلطاته الإقناعية بشكل كبير.

تحرك منفرد

وبينما يرى البعض أن فرنسا تتحرك بمفردها، يعتقد البعض الآخر أن ماكرون لم يفكر جيداً في تأثير كلماته. والمثير للاهتمام، يبدو أن فرقاطة بحرية فرنسية قد أبحرت عبر المضيق أثناء تدريبات الصين. وتعزز الاستقلالية الاستراتيجية الأوروبية، بسبب المخاوف من عودة دونالد ترامب إلى الحكم في الولايات المتحدة، والقلق من عودة ظهور النزعة الأطلسية-أولوية التعاون بين شمال القارة الأميركية وأوروبا.

ولكن تصريحات الرئيس الفرنسي لم تكن متوازنة، وجاءت في توقيت سيئ، نظراً لاعتماد أوروبا المتزايد على الولايات المتحدة في مجال الأمن؛ إضافة لاستياء الجمهوريين من السياسة الأوروبية. وقال السيناتور الجمهوري، ماركو روبيو، إنه إذا كان الرئيس الفرنسي يتحدث باسم القارة، فيجب على الولايات المتحدة أن تفكر في التركيز على احتواء الصين، وترك أوروبا للتعامل مع الحرب في أوكرانيا.

وفي غضون ذلك، استغلت وسائل الإعلام الحكومية الصينية، أيضاً، كلمات ماكرون الفضفاضة. ومع ذلك، فإن نشوة النصر الزائفة قد تكون قصيرة الأمد، إذ تستمر العلاقات مع أوروبا في التدهور. وأهدرت بكين الجهود الكبيرة التي استثمرتها في وسط وشرق أوروبا، وليس فقط من خلال دبلوماسية «المحارب الذئب»، ولكن، بشكل حاسم، من خلال ربط نفسها بشكل وثيق مع موسكو، تبدو الضرورات الاقتصادية والديمقراطية والأمنية الأساسية أكثر وضوحاً من أي وقت مضى، وسيكون العمل الأوروبي الموحد أمراً ضرورياً.

تويتر