استطلاعات رأي تشير إلى أنه سيفوز في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري

توجيه التهمة إلى ترامب يكشف عن انقسامات كبرى في الولايات المتحدة

صورة

هل هي بداية النهاية؟ أم عودة ارتدادية؟ فتوجيه التهمة إلى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي سيشكل سابقة لمرشح للرئاسة الأميركية، أغرق حملته لانتخابات 2024 في عدم اليقين.

الخطر الرئيس الذي يواجهه المرشح ترامب، هو أن تبتعد عنه القاعدة الناخبة للجمهوريين المعتدلين والمستقلين التي يمكن أن ترى في توجيه التهم إليه أمام المحكمة الجنائية في نيويورك خطاً أحمر، لا يمكن تجاوزه في اختيارها لمن سيمثل الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية.

القضية تتعلق بدفع مبلغ 130 ألف دولار إلى ممثلة الأفلام الإباحية، ستورمي دانيالز، واسمها الحقيقي ستيفاني كليفورد، لشراء صمتها قبل الانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2016.

الإمساك بزمام الأمور

توجيه التهمة هذا يمكن أن يمهد الطريق أمام سلسلة متاعب قضائية أخرى: فترامب مستهدف أيضاً بتحقيق حول إدارة محفوظات البيت الأبيض، وممارسة ضغوط انتخابية في ولاية جورجيا الأميركية. في هذا الملف الأخير، وعدت المدعية بقرار «وشيك».

لكن في الواقع، فإن توجيه التهمة يمكن أيضاً أن يفيد المرشح الرئاسي الذي لم تستعد حملته حتى الآن الزخم المرجو.

وقال الأستاذ في جامعة برينستون، جوليان زيليزر، لوكالة «فرانس برس»: «معظم المرشحين للرئاسة كانوا سيشعرون بالهلع من تبعات مثل هذه القصة، من العلاقة مع نجمة أفلام إباحية إلى نص اتهام». وأضاف الخبير السياسي: «لكن أحد أبرز مواهب ترامب هو الاستفادة من الهجمات التي يتعرض لها».

بعد أن فاز بالسلطة في نوفمبر 2016 في سيناريو سياسي غير مسبوق لم يتوقعه أحد تقريباً، يمكن أن يعمل ترامب على استغلال الأمر ولعب دور المرشح - المتمرد.

فالملياردير النيويوركي لا يفوّت أي فرصة لإبراز موقفه المعروف كزعيم قريب من الأميركيين - معظمهم من البيض وكبار السن إلى حد ما - يحارب «الفساد الهائل» في واشنطن. سبق أن وجه أولى رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بجمع التبرعات، داعياً مناصريه إلى تقديم ما بين 24 و 250 دولاراً «للوقوف إلى جانب الرئيس ترامب في هذه الفترة الحاسمة».

واعتبر السيناتور الجمهوري النافذ، ليندسي غراهام، أن «مدعي نيويورك فعل أكثر من أي شخص آخر في الولايات المتحدة، لمساعدة دونالد ترامب في انتخابه رئيساً للولايات المتحدة»، واصفاً الملاحقات في نيويورك بأنها «انتقائية».

بعدما تخلى عنه قسم من اليمين المحافظ بعد الهجوم على الكونغرس الأميركي، تمكن الرئيس السابق في خلال بضعة أشهر من استعادة الإمساك بزمام الأمور بشكل كامل تقريباً.

فقد تمكن من تجنب كل الفضائح حتى الآن كما وكأنها بفعل التراكم، لم تعد تترك أي أثر عليه.

موقع حرج

ومعظم استطلاعات الرأي، التي يجب النظر إليها بتأن، مازالت تظهر أن الرئيس السابق الذي يتعامل بارتياح شديد مع الحشود، سيفوز في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري بفارق كبير.

وقد امتنع معظم المرشحين المنافسين للرئيس السابق في الانتخابات التمهيدية للجمهوريين عن انتقاد ترامب، بسبب متاعبه القضائية، حرصاً على عدم إثارة غضب زعيم حزبهم وقاعدته الانتخابية التي قد تكون مفيدة في مساعيهم للوصول إلى البيت الأبيض.

ويقول جوليان زيليزر إنهم «في موقع حرج»، لأن «البعض يريد توجيه انتقادات أكثر إنما يخافون تحديه».

المرشح الوحيد المحتمل الذي تطرّق إلى الموضوع هو حاكم فلوريدا، رون ديسانتيس، الذي أكد أنه لا يعرف ما قد يترتب على «دفع أموال لنجمة إباحية» لإسكاتها. وذلك قبل أن يواجه انتقادات واسعة من معسكر ترامب.

شقاقات حزبية عميقة

سواء كان توجيه التهمة إلى ترامب خطوة لابد منها، كما يقول البعض، أو «حملة شعواء» بنظر البعض الآخر، فإن هذه السابقة التاريخية بالنسبة لرئيس أميركي تلقي ضوءاً جديداً على الشقاقات الحزبية العميقة في الولايات المتحدة. ومع التصعيد القضائي حول الرئيس السابق الجمهوري، عاد ترامب إلى قلب الساحة السياسية، في استمرارية لدوره في الكشف عن الانقسامات في هذا البلد وتأجيجها في آن.

فور صدور أول أنباء توجيه قضاء نيويورك التهمة إليه، لجأ الجمهوريون إلى «تويتر» للتنديد بـ«اضطهاد سياسي» و«فضيحة مطلقة» و«يوم حزين لأميركا»، والتفوا صفاً واحداً حول المرشح للرئاسة، جاعلين منه ضحية في مقابلاتهم وتغريداتهم وبياناتهم.

أما الديمقراطيون، فاكتفوا بالترحيب بفتور بالإعلان، مؤكدين أن «لا أحد فوق القانون».

مؤيدون

جو بايدن هو من القلائل الذين لزموا الصمت بهذا الصدد، والرئيس الديمقراطي الذي لم يطلق رسمياً بعد حملة ترشيحه لولاية ثانية على يقين بأن أي تعليق يصدر عنه، سيكون بمثابة سلاح للملياردير الجمهوري يؤكد نظريته حول تسييس القضاء. وقالت أستاذة العلوم السياسية في جامعة براون، ويندي شيلر: «الرأي العام ينظر اليوم إلى كل شيء من خلال الانقسامات السياسية». وفيما سخر التقدّميون من «دموع أنصار ترامب»، تشكلت مجموعة من مؤيدي الرئيس السابق منذ مساء الخميس أمام مقر إقامته الفخم في فلوريدا للتعبير عن غضبهم. ورفع العديد من هؤلاء المؤيدين أعلاماً كتب عليها «بايدن ليس رئيسي» و«ترامب ربح»، في مؤشر جديد إلى أن ملايين الأميركيين مازالوا مقتنعين بعد أكثر من سنتين من هزيمة ترامب، بأن الانتخابات «سرقت» منه.

طلاق

قام ترامب نفسه بتأجيج المشاعر متهماً الديمقراطيين على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال»، بأنهم «أعداء الرجال والنساء الكادحين في هذا البلد».

وكتب «إنهم لا يستهدفونني أنا، بل يستهدفونكم أنتم، أنا في طريقهم لا غير».

وتسهم كل هذه التصريحات في تدعيم نظرية حصول «طلاق وطني»، التي يروّج لها البعض في اليمين المتطرف، مثل النائبة مارغوري تايلور غرين، في ظل انقسامات عميقة إلى حد يبدو من المستحيل أحياناً ردمها.

وتصاعدت نبرة النقاش حول مجموعة كاملة من الموضوعات المطروحة راهناً، مثل النوع الاجتماعي والإجهاض والديمقراطية، بحيث بات طرحها محرماً في العديد من العائلات الأميركية.

حتى موضوع الأسلحة النارية أثار نقاشات عنيفة بين التقدميين والمحافظين في أروقة الكونغرس هذا الأسبوع، بعد مجزرة جديدة مروعة في إحدى مدارس تينيسي.

تنوّع والتزام

مع ذلك، يحذر خبراء من المبالغة في تقييم أهمية الانقسامات. ويلفتون إلى أن المجتمع الأميركي شهد فترات من الانقسامات الأشد والأعمق، ذاكرين منها الحرب الأهلية والمواجهات حول الحقوق المدنية وصولاً إلى حرب فيتنام.

والفرق برأي ويندي شيلر أن «البلد اليوم أكثر تنوّعاً والتزاماً سياسياً مما كان عليه في أي وقت سابق»، مضيفة: «حين يرتفع عدد أكبر من الأصوات، فهذا قد يعني أن المبادلات تصبح أكثر عنفاً وصخباً». لكنها أكدت أنه «لا يمكن المقارنة بين هذا والوضع قبل 50 عاماً حين كان الصمت مفروضاً على العديدين». وإن كان توجيه التهمة إلى ترامب يعطي انطباعاً بأنه يعمق الشرخ بين الأميركيين، فهو برأي روبرت تاليس، خبير الاستقطاب السياسي في جامعة فاندربيلت، هدية سياسية لمديري الحملات وواضعي الاستراتيجيات في الحزبين الكبيرين. وأوضح الخبير لـ«فرانس برس» أن «توجيه التهمة يعطي الطرفين فرصة لتأجيج مشاعر الاستنكار بين المواطنين».

• بعد أن فاز بالسلطة في نوفمبر 2016 في سيناريو سياسي غير مسبوق لم يتوقعه أحد تقريباً، يمكن أن يعمل ترامب على استغلال الأمر ولعب دور المرشح - المتمرد.

• بعدما تخلى عنه قسم من اليمين المحافظ بعد الهجوم على الكونغرس الأميركي، تمكن الرئيس السابق في خلال بضعة أشهر من استعادة الإمساك بزمام الأمور بشكل كامل تقريباً.

• امتنع معظم المرشحين المنافسين للرئيس السابق في الانتخابات التمهيدية للجمهوريين عن انتقاد ترامب بسبب متاعبه القضائية، حرصاً على عدم إثارة غضب زعيم حزبهم وقاعدته الانتخابية.

• الخطر الرئيس الذي يواجهه المرشح ترامب، هو أن تبتعد عنه القاعدة الناخبة للجمهوريين المعتدلين والمستقلين.

تويتر