وجود مجموعة من القوى الأكثر عمقاً

أزمة إسرائيل الديمقراطية سببها يفوق خطط نتنياهو

صورة

أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، العنان لما وصفه منتقدوه بأنه هجوم شامل على ديمقراطية بلاده، ما جعله الآن تحت الحصار. وخلال الأشهر الأربعة الماضية، تظاهر مئات الآلاف من الإسرائيليين ضد خطط حكومته اليمينية لإصلاح النظام القضائي في إسرائيل، الذي يهدف إلى سيطرة الحكومة على المحاكم، وهي فكرة مطروحة على أجندة المتطرفين المتدينين، والقوميين اليمينيين في ائتلاف نتنياهو، ولكن هذا الأمر أثار ردة فعل عميقة ضده، واعتبر تدميراً للمعايير الديمقراطية.

وبات نتنياهو في وضع مهزوز على المسرح الدولي، بعد أن كان دائماً هذا ملعبه الذي يشعر فيه بالارتياح، إذ جلبت مخططاته كثيراً من التوبيخ من الرئيس الأميركي جو بايدن، وقادة فرنسا وألمانيا وبريطانيا. وسلطت تظاهرات الإسرائيليين الضوء على السخط في واشنطن من نتنياهو، الذي هيمن على السياسة الإسرائيلية والعلاقات مع الولايات المتحدة طوال الجزء الأكبر من العقد الماضي. وأدى تصاعد المعارضة في إسرائيل إلى تشقق حزب الليكود اليميني، الذي سيطر عليه نتنياهو لسنوات عدة.

ودعا وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، يوم السبت الماضي، إلى تجميد إصلاح النظام القضائي، بالنظر إلى أن المئات من جنود الاحتياط قاطعوا التدريب، كما أن أفراداً من الجيش الإسرائيلي انضموا إلى الاحتجاجات. وقال في بيان: «هذا الوضع يشكل تهديداً واضحاً حالياً وملموساً للأمن في الدولة»، وأضاف: «من أجل دولة إسرائيل، ومن أجل أبنائنا وبناتنا يجب وقف العملية القضائية».

تفاقم الأزمة

وتردد صدى غالانت لدى اثنين آخرين من البرلمانيين من حزب الليكود، حيث طرحا احتمال أن تضعف المعارضة ائتلاف نتنياهو في البرلمان. وقام نتنياهو بطرد غالانت من الحكومة، ما أدى إلى تفاقم الأزمة، وتضاعفت أعداد المتظاهرين أمام الكنيست، بعد أن قامت الشرطة بإطلاق خراطيم المياه لإبعاد المتظاهرين عن منزل نتنياهو، وكانوا ينشدون كلمة «ديمقراطية».

وهناك أسباب عدة كي يجد نتنياهو نفسه في هذا المأزق، ففي واشنطن، يؤكد الداعمون الليبراليون لإسرائيل أن نتنياهو مصمم على البقاء في السلطة، وهو يواجه قضية تتعلق بتهم الفساد، ويعتقد على نطاق واسع أنه مستعد لفعل كل شيء من أجل إنقاذ نفسه. وقال الاقتصادي الإسرائيلي من جامعة تل أبيب، دان بن ديفيد، إنه «يدرك مدى الضرر الذي سببه للبلد. وباعتباره الرجل الذي عمل في منصبه لأطول فترة في تاريخ إسرائيل، فإنه يشعر بالقلق على إرثه، الذي يبدو بأنه بدأ يتحطم من الآن».

الاعتماد على الأحزاب الدينية

وقال الموظف السابق لدى نتنياهو، عفيف بوشنسكي، لصحيفة «واشنطن بوست»: «وجهة نظري أنه فقد السيطرة، فهو لم يتوقع أن يواجه كل هذه المعارضة في الشارع والعالم».

وإذا فقد نتنياهو السيطرة، فإن ذلك يرجع إلى أن العاصفة التي أثارها أكبر منه كشخص. وللوصول إلى السلطة، جلب إلى ائتلافه فرقاً من اليمينيين المتطرفين والمستوطنين، واعتمد بقوة على دعم الأحزاب الدينية المتطرفة، التي ترى الإصلاح القضائي المقترح باعتباره مطية كي تدفع بمشروعها الديني إلى قلب المجتمع الإسرائيلي. وأعطى الزخم لأجندة متطرفة يمينية، وغير ليبرالية، التي بدأت تكتسب الدفع منذ سنوات.

وتعتبر التظاهرات الحاشدة في تل أبيب والمدن الأخرى، التي حضرها شخصيات إسرائيلية من الأثرياء والعلمانيين، انعكاساً لانقسام أيديولوجي عميق داخل الدولة. وقال نائب عميد كلية الحقوق في جامعة تل أبيب، يوفي تيروش، لزميلتي الصحافية شيرا روبين: «تمثل خطط الإصلاح الحكومي تحطيماً للتوازن الدقيق بين التيار الرئيس في إسرائيل، والمتدينين المتشددين الذين أدركوا أنه يمكنهم الاعتماد على مجتمع ليبرالي ومزدهر، مع جيش قوي».

قوى متطرفة

ولكن بعض المحللين في اليسار الإسرائيلي يشيرون إلى أن ثمة مجموعة أخرى من القوى الأكثر عمقاً لعبت دوراً مهماً، فهناك الملايين من الفلسطينيين الذين يعيشون تحت سيطرة الأمر الواقع للجيش محرومون من الحقوق ذاتها التي يتمتع بها جيرانهم الإسرائيليون. ومجرد وجود هؤلاء الفلسطينيين يلقي بظلاله على أي نقاشات جوهرية حول ما تمثله الديمقراطية الإسرائيلية.

ويبدو ذلك صحيحاً، خصوصاً عندما نرى كيف أن شخصاً مثل بتسلئيل سموتريتش، وهو يميني متطرف، كما أنه من قادة المستوطنين، أصبح عضواً مهماً في حكومة نتنياهو، ويمتلك سلطة مدنية على الضفة الغربية المحتلة، وكان قد أعلن، أخيراً، أن الفلسطينيين كشعب غير موجودين في الواقع. وليس من قبيل المصادفة أن الأراضي الفلسطينية والتطلعات السياسية هي في قمة أولويات نتنياهو وحلفائه اليمينيين المتطرفين، وهم يكشفون خططهم حول الإصلاح القضائي.

الاحتلال والديمقراطية

وكتب الصحافي الإسرائيلي الأميركي، ميراف زونتسين، معلقاً: «كان من ضمن المتظاهرين الشخصيات الأكثر ثراءً في إسرائيل، يمشون في الشوارع، ويطالبون بحكم القانون، والديمقراطية، بينما القوات الإسرائيلية تقوم بتدمير المنازل الفلسطينية، وتقف إلى جانب المستوطنين الذين يروعون الفلسطينيين، ويحرمونهم حرية التحرك، والتجمع، ويضعونهم في السجن فترات طويلة دون محاكمة، ويقتلون المتظاهرين المدنيين من الفلسطينيين، ويقومون بتعذيبهم، ويطردون الناشطين الفلسطينيين من وطنهم. وداخل إسرائيل يواجه الفلسطينيون تمييزاً هيكلياً وعدم مساواة بموجب سياسة صريحة تعطي الأولوية لحقوق اليهود».

وأخيراً، شارك ناشط السلام الإسرائيلي، غيرشون باسكين، في تظاهرة مناهضة للحكومة، وهو يحمل يافطة تقول: «لا ديمقراطية مع الاحتلال»، وكتب باسكين في افتتاحية لصحيفة «جيروزالم بوست»، يقول: «ليس هناك أي إسرائيلي صادق يستطيع الادعاء أن السيطرة على ملايين الفلسطينيين دون منحهم حقوقاً مدنية، وحقوق إنسان سياسية، يمكن أن نسميها ديمقراطية». وأضاف: «في الوقت الذي انتبه فيه الكثير من الإسرائيليين، أخيراً، إلى التشوهات في نظامنا الديمقراطي، والتهديدات التي تواجهنا، ربما يستيقظ الآن إلى الحاجة لمواجهة جوهر وجودنا كمجتمع ليبرالي حديث، يجب أن يتسم بالمساواة لجميع من يعيشون في ظل نظام واحد».

• بات نتنياهو في وضع مهزوز على المسرح الدولي، بعد أن كان دائماً هذا ملعبه الذي يشعر فيه بالارتياح، إذ جلبت مخططاته كثيراً من التوبيخ من الرئيس الأميركي جو بايدن، وقادة فرنسا وألمانيا وبريطانيا.

• للوصول إلى السلطة جلب نتنياهو إلى ائتلافه فرقاً من اليمينيين المتطرفين والمستوطنين. واعتمد بقوة على دعم الأحزاب الدينية التي ترى الإصلاح القضائي المقترح مطية، كي تدفع بمشروعها الديني إلى قلب المجتمع الإسرائيلي.

• الشخصيات الأكثر ثراءً في إسرائيل، كانوا ضمن المتظاهرين يمشون في الشوارع ويطالبون بحكم القانون، والديمقراطية، بينما القوات الإسرائيلية تقوم بتدمير المنازل الفلسطينية، وتقف إلى جانب المستوطنين الذين يروعون الفلسطينيين، ويحرمونهم حرية التحرك، والتجمع، ويضعونهم في السجون فترات طويلة دون محاكمة، ويقتلون المتظاهرين المدنيين من الفلسطينيين، ويقومون بتعذيبهم، ويطردون الناشطين الفلسطينيين من وطنهم.

إيشان ثارور - كاتب للشؤون الدولية في «واشنطن بوست»

تويتر