يتلقون العلاج ويحصلون على الخدمات

سفينة سياحية فاخرة تتحول إلى مأوى عائم للناجين من زلزال تركيا

صورة

يقيم أكثر من 1000 مواطن تركي نزحوا بسبب الزلازل الأخيرة على متن قارب فاخر في البحر الأبيض المتوسط.

أصبحت صالة العشاء الكبيرة في سفينة سياحية الآن مركزاً للرعاية النهارية، حيث يلهو الأطفال بالألعاب المتبرع بها. وتحول صالون التجميل إلى صالون حلاقة لرجل واحد. ويتسابق الأطفال الصغار عبر المساحات الواسعة التي تمتد على طول «الجوزاء»، وهي سفينة سياحية فاخرة تطفو قبالة سواحل جنوب تركيا. وبينما يشرب الناجون الشاي، ينظرون إلى اليابسة، حيث فقدوا أحباءهم تحت أنقاض الزلزال الذي ضرب أجزاء واسعة من تركيا وغرب سورية.

وقالت باشاك أتاي، وهي ممرضة تبلغ من العمر 30 عاماً: «نحن في حلم غريب.. إنه أمر مؤلم». وقد أمضت الأيام الماضية مع أسرتها على متن السفينة الفاخرة التي يبلغ ارتفاعها 538 قدماً، والتي أصبحت مأوى لأشخاص شردتهم الزلازل.

وقالت أتاي التي فقدت عائلتها وأصدقائها في الزلازل: «لم أكن أتخيل أبداً أنني سأكون في رحلة بحرية إلى أي مكان في لحظة كهذه». والسفينة التي كانت في السابق تنقل المصطافين من تركيا إلى الجزر اليونانية، تؤوي الآن أكثر من 1000 ناجٍ في ميناء الإسكندرون، في مقاطعة هاتاي الأكثر تضرراً. وفر ما لا يقل عن 650 ألف ساكن من المنطقة، منذ الزلزال الأول في 6 فبراير، وفقاً لمسؤول في المقاطعة. وسكان «الجوزاء» هم جزء محظوظ ممن بقوا على قيد الحياة.

ولجأت الحكومة في تركيا، التي كانت مثقلة بأزمة إسكان قبل الزلزال، إلى خليط من الإجراءات لمساعدة النازحين. و«الجوزاء» هو واحد من خمسة حلول عائمة على الأقل تنتشر على ساحل هاتاي، وتقدم المساعدة لآلاف الأشخاص. وتم تحويل سفينة عسكرية في ميناء قريب إلى مستشفى، حيث أجرى الأطباء عشرات العمليات الجراحية، بما في ذلك ولادة طفل، منذ الزلزال الأول.

طلبات المتضررين

توفر العبّارات المحلية السكن ونقل العائلات عبر البحر الأبيض المتوسط إلى المدن الشمالية مثل اسطنبول ومرسين، حيث زاد عدد السكان بنحو 21% خلال الأسابيع الثلاثة الماضية.

وفي ديسمبر استأجرت وزارة الطاقة التركية سفينة «الجوزاء»، بغرفها الـ400، لإيواء موظفيها مؤقتاً قبالة ساحل فيليوس في البحر الأسود، وعندما وقع الزلزال تم إرسال السفينة إلى ميناء الإسكندرون حتى يمكن استخدامها لايواء الناجين، وتعامل المسؤولون المحليون مع طلبات المتضررين، وخصصوا مقصورات للأشخاص المعاقين أو المسنين أو الحوامل أو الذين لديهم أطفال صغار.

ومثل العديد من الركاب، قالت أتاي إنها المرة الأولى لها التي تعيش فيها على متن سفينة فاخرة.

وقالت أتاي: «نتحدث عن كيف أن الناس السعداء ربما يسخرون من الذكريات الممتعة على هذه السفينة»، مضيفة أنها يمكن أن تتخيل أشخاصاً يرقصون على السطح أدناه، حيث تتأرجح سلاسل الأضواء فوق أرضية خشبية، «لكننا مُحطمون».

قبل الصعود على متن «الجوزاء»، مرت أسرة أتاي، المكونة من ثمانية أفراد، عبر مسار مليء بالعقبات من الملاجئ المؤقتة – سيارة، ثم خيمة، ثم فندق، بينما واصلت العمل كممرضة في قسم الطوارئ في مستشفي خاص يبعد نحو 20 دقيقة من الميناء.

وقالت: «أشعر بأنني كنت أسير على أطراف أصابعي»، متذكرة ارتياحها عندما وصلت على متن السفينة وقضت ليلتها الأولى من النوم المتواصل، بعد يوم واحد من وقوع زلزال، بقوة 6.6 درجات بالقرب من الإسكندرون، ما تسبب في انهيار المزيد من المباني.

وفي الطابق السادس من السفينة، جلست عائشة أسيكغوز، (72 عاماً)، على مقعد جلدي أبيض، تحيك الملابس الدافئة لأحفادها الـ15، الذين قالت إنهم مازالوا يعيشون في الخيام.

وفي الطابق العلوي في صالة «إكليبس»، شاهد عشرات الأشخاص أخبار منطقة الزلزال على شاشات التلفزيون. وفي مقدمة السفينة تلعب مجموعة من الرجال لعبة الطاولة.

أكواب الحساء

في وقت الغداء تناول رواد المطعم في «مطعم إيجه» شوربة العدس وكبد الضأن والأرز في أطباق بلاستيكية على خط البوفيه. وتناول الأطفال مجموعة من الحلويات، بما في ذلك شرائح البرتقال وكرات العجين المقلية.

وقالت عائشة سيمسك (33 سنة): «الطعام دافئ، والخيارات تتغير كل يوم». وأضافت أنها وابنتيها بقين في سيارتها لمدة تسعة أيام، وكن يعشن على أكواب الحساء التي قدمتها مجموعات الإغاثة قبل ركوب «الجوزاء».

وكانت غول سيكر (34 عاماً)، تستعد للولادة أثناء إقامتها في مخيم لحاويات الشحن في إسكندرون، عندما اتصل بها أحد الجيران وحثها على تقديم طلب للحصول على مكان على متن السفينة. وفي غضون ساعات كانت على متن سفينة «الجوزاء» مع زوجها وابنها، وبعد أيام دخلت في مرحلة المخاض.


السفينة التي كانت في السابق تنقل المصطافين من تركيا إلى الجزر اليونانية تؤوي الآن أكثر من 1000 ناجٍ في ميناء الإسكندرون بمقاطعة هاتاي الأكثر تضرراً.

عندما وقع الزلزال تم إرسال السفينة إلى ميناء الإسكندرون، حتى يمكن استخدامها للناجين.

1000

ناجٍ من الزلزال أو أكثر يقيمون على متن سفينة «الجوزاء» في ميناء الإسكندرون.

 

الطفلة المعجزة

قالت غول سيكر، المصابة بارتفاع ضغط الدم: «اعتقدت أنني سأموت». وأضافت: «اتصلت بزوجي لأقول وداعاً»، وهي تسرد القصة في غرفتها في الطابق السابع من السفينة، المطلة على البحر. وقالت إن موظف استقبال في السفينة رتب لنقلها إلى مستشفى على متن السفينة العسكرية القريبة، وانتهى بها الأمر بالولادة في مستشفى عام في الإسكندرون.

وتابعت سيكر، وهي ترتب سرير ابنتها، قائلة: «نسميها معجزة». وتم تكديس زجاجات وحفاضات الأطفال على الرف بالملابس والهدايا المقدمة من الركاب وطاقم السفينة. وسُميت الطفلة على اسم شركة الرحلات البحرية «ميراي»، المكتوب بأحرف زرقاء على جدران «الجوزاء».

سكان مؤقتون

ترسو سفينة «الجوزاء» في ميناء الإسكندرون، جنوب تركيا، حيث دمرت الزلازل وتوابعها شوارع بأكملها، وتركت آلاف الأشخاص بلا مأوى. ومن بين الركاب 210 أطفال، وممرضتان وأربعة أطباء. وفي حين أنه من المتوقع أن يتم نقل الركاب إلى أماكن على اليابسة، فقد وفرت السفينة بعض الراحة المؤقتة من كارثة أودت بحياة عشرات الآلاف. ويوجد أيضاً على متن السفينة نحو 180 من أفراد الطاقم يقدمون الرعاية، حيث يتجول الأطفال في الممرات أو يشاهدون الأفلام في صالة الترفيه.

وقال أحد سكان «الجوزاء» المؤقتين، وهو الحلاق التركي يونس كوتوكو، إنه كان منشغلاً بحلق شعر الناس على متن السفينة بعد تدمير منزله وصالونه، وترك الزلزال هيليا سايجيلي، وهي أم لأربعة أطفال، وأسرتها عالقة.

وقالت الأم التركية: «كنا في الطابق السابع في ذلك الوقت، وكنت مع زوجي، وساند بعضنا بعضاً حتى توقفت الهزة، وكان علينا البقاء في الخارج في بداية الكارثة». وأضافت سايجيلي وهي على متن السفينة: «نحن الآن بخير، ولكن الحياة صعبة للغاية بالنسبة لأولئك الذين يقيمون في الخيام».

وقالت وكالة إدارة الكوارث التركية إن أكثر من 1.9 مليون شخص حصلوا على مأوى في مواقع تشمل الخيام والحاويات والمهاجع والفنادق ودور الضيافة. والمقيمون على متن «الجوزاء» هم في الغالب من كبار السن والنساء الحوامل، والأسر التي لديها أطفال صغار، والناجين الذين قُتل أقاربهم، وفقاً لمدير عمليات الميناء، جوكان ميري، الذي قال: «إنه لشرف عظيم لنا أن نقوم بهذه المهمة».


إمكانية الاستمرار

كوتوكو يقص شعر أحد الأولاد في صالون السفينة. من المصدر «نيويورك تايمز»

في الطابق الثامن من السفينة السياحية يعمل الحلاق المحلي يونس كوتوكو، (34 عاماً)، ما كان يوماً ما صالون تجميل. ودمر الزلزال الثاني صالون الحلاقة الذي كان يعمل فيه لمدة 20 عاماً في الإسكندرون، لكن على متن السفينة قص شعر عشرات الناجين مجاناً.

وقال كوتوكو وهو يحلق رأس صبي متحمس يرتدي قميص باتمان أخضر: «لقد أصبحت من المشاهير المحليين هنا»، متابعاً: «هذا يجعلني مشغولاً. وطالما لدي مقص يمكنني الاستمرار».

لقد قام الحلاق التركي بقص شعر خمسة ركاب على الأقل في الصباح كانوا موجودين في صالونه. وقال «هذا يريحهم». وأضاف، بعد أن لاحظ الطابور الطويل من الأولاد الذين ينتظرون دورهم: «يمنحهم ذلك مظهراً من مظاهر عودة الأمور إلى طبيعتها».

تويتر