يدرسون عينات من السحب وظروف تكونها باستخدام طائرة أبحاث

علماء يتسللون داخل العواصف الثلجية لاستكشاف ألغاز الطقس الشتوي

صورة

عالياً في السحب المليئة بالجليد، وجالساً داخل طائرة محملة بأدوات علمية، ينظر الباحث، كريستيان نيري، إلى الصور التي تظهر على شاشة جهاز الكمبيوتر الخاص به. ويتم عرض صور لطبقات الجو على ارتفاعات عالية، وفي الوقت الفعلي، وتظهر جزيئات السحب التي يتم أخذ عينات منها بواسطة جهاز موجود على جناح الطائرة، ويبدو أن بعض بلورات الجليد تظهر وكأنها رقاقات ثلجية صغيرة مثالية، وفقاً لتعبير نيري، طالب الدكتوراه في جامعة نورث داكوتا.

إنه واحد من العلماء الذين كانوا على متن طائرة بحثية، في وقت سابق من الشهر الماضي، أثناء انطلاقها من منشأة «والوبس» للطيران التابعة لوكالة «ناسا»، في فرجينيا، للسفر عبر عاصفة شتوية، جزء من حملة بحثية تسمى «إمباكتس»، للتحقيق في الفيزياء الدقيقة للسحب، وهطول الأمطار في المحيط الأطلسي، والعواصف التي تهدد الساحل.

لقد تم جمع نوع المعلومات التي يمكن أن تساعد في يوم من الأيام المتنبئين بأحوال الطقس على التوقع بشكل أفضل، ما إذا كانت عاصفة الشتاء قد تسبب ظروفاً شديدة القسوة، تتطلب إغلاق المدارس والطرق، وإلغاء الرحلات الجوية.

وقبل هذه المهمة، التي بدأت في عام 2020 وانتهت مع نهاية شهر فبراير، لم تكن هناك دراسة كبيرة محمولة جواً، للعواصف الشتوية في النصف الشرقي من الولايات المتحدة، منذ نحو 30 عاماً، كما تقول لين ماكموردي، وهي باحثة، بجامعة واشنطن في سياتل، متخصصة في الغلاف الجوي.

وتقول الباحثة: «لقد شهدنا بعض العواصف المناسبة حقاً (لأبحاثنا)»، متابعة: «مهما كانت الأجواء في السماء، سنحلق ونتسلل فيها. ونحن نذهب إلى هناك ونحاول الحصول على النطاق الكامل، من عاصفة ثلجية قوية، قد تمنع كل حركة المرور في أرجاء الساحل الشرقي». وعلى الأرض قد لا يهتم الناس كثيراً بما يحدث، توضح الباحثة: «كان يقول أحدنا، هذا أمر طبيعي، إنها عاصفة ممطرة، لماذا أهتم؟».

اضطرابات قوية

كانت أكبر عاصفة حلقت فيها ماكموردي هي العاصفة الثلجية في يناير من هذا العام، والتي نتج عنها أكثر من قدمين من الثلج، هطلت على أجزاء من ساحل المحيط الأطلسي. ويتذكر زميلها، نيري، قائلاً: «لقد كان هذا أمراً غير عادي،» متابعاً: «لقد واجهنا بعض الاضطرابات الجوية القوية في تلك الرحلة».

وعلى الرغم من ذلك، كان من الصعب نسبياً حدوث عواصف ثلجية في الشرق، هذا العام. وتقول ماكموردي: «لكننا نعلم، هذا ما لدينا وسنستفيد منه على أفضل وجه، وأعتقد أن لدينا بيانات ممتازة حقاً»، متابعة: «لذلك سيكون هناك الكثير من الدراسات من كل هذه العواصف المختلفة، حتى لو لم تكن العاصفة الثلجية الجميلة المثالية».

أحد أهداف هذا المشروع هو فهم «شرائط الثلج» الساطعة، التي تظهر بشكل متكرر في خرائط الرادار للعواصف الشتوية، شرق جبال روكي. وقد عرف العلماء أنماط الرادار المميزة هذه على مدى عقدين من الزمن، ولكن مازال من غير الواضح كيف تتشكل الشرائط، أو ما الذي يحدث بالضبط داخل تلك الغيوم، كما توضح ماكموردي.

جزيئات السحب

هذا هو السبب في أن العلماء الذين يستخدمون «إمباكتس»، ويرسمون مسارات رحلاتهم للذهاب مباشرة عبر نطاقات العاصفة. ويمكن للأجهزة المثبتة أسفل أجنحة الطائرة «بي 3»، أن تأخذ عينات مباشرة من جزيئات السحب. ويمكن للباحثين داخل الطائرة، أيضاً، إرسال مجسات صغيرة تسقط بالمظلات عبر العاصفة، وترسل بيانات حول أشياء، مثل درجة الحرارة والضغط والرطوبة النسبية وسرعة الرياح.

وفي الوقت نفسه، تتبع طائرة بحثية أخرى، «إي آر 2»، في كثير من الأحيان مسار الرحلة نفسه، ولكن على ارتفاعات أعلى تزيد على 60 ألف قدم. ولديها أدوات تقوم، أيضاً، بجمع البيانات حول العاصفة من الأعلى. وتقول ماكموردي: «أعتقد أن ما يجعل هذا الأمر أكثر خصوصية هو أننا ننسق بين عمل هاتين الطائرتين، ونبحث عن هذا النطاق الضخم من العواصف».

ويأمل الباحثون في أن يفهموا شيئاً واحداً، وهو دور الماء السائل فائق البرودة في سحب العواصف. وفي ظل ظروف معينة، يمكن أن يبقى الماء في حالة سائلة حتى 34 درجة مئوية تحت الصفر. وتلتصق القطرات الصغيرة من هذا الماء فائق البرودة أحياناً ببلورات الثلج. وتقول ماكموردي: «تخيل ندفة ثلج جميلة، وبعد ذلك بها كل هذه النقاط الصغيرة. يبدو أنها مصابة بالحصبة، أو شيء من هذا القبيل».

وتقول الباحثة: «إن ما رآه الباحثون، حتى الآن يشير إلى أن هذا النوع من الماء، هو جانب مهم من نطاقات الثلج، وربما يؤدي إلى المزيد من المحتوى المائي، والمزيد من جزيئات الجليد، وفي النهاية المزيد من تساقط الثلوج على الأرض».

• أحد أهداف المشروع تتمثل بفهم «شرائط الثلج» الساطعة، التي تظهر بشكل متكرر في خرائط الرادار للعواصف الشتوية، شرق جبال روكي.

• تم جمع نوع المعلومات التي يمكن أن تساعد في يوم من الأيام المتنبئين بأحوال الطقس على التوقع بشكل أفضل.


كميات هائلة

تمنح الكميات الهائلة من البيانات التي تم جمعها من أعلى وأسفل وداخل هذه المجموعة المتنوّعة من العواصف الشتوية، خبراء الأرصاد الجوية الكثير، للتفكير ملياً في السنوات المقبلة، وهناك أمل أن يتم دمجها في نماذج التوقعات، بحيث تعطي تقارير الطقس المستقبلية صورة أفضل للأحوال الجوية، وما قد تكون العاصفة قادرة عليه.

وتقول الباحثة، لين ماكموردي: «إنني مندهشة باستمرار في كل مرة نصعد إلى هناك ونطير في قلب العواصف»، موضحة: «في كل مرة، نتساءل: ما الذي يحدث هناك؟».

رصد التغييرات

يحلق فريق البحث لمدة ثماني ساعات من الطيران وجمع البيانات. ومع ذلك، فإن الطيران عبر السحب ليس دائماً إبحاراً سلساً. وفي بعض الأحيان يكون هناك اضطراب جوي، وفي أوقات أخرى تتغير العاصفة بسرعة من رقاقات الثلج في دقيقة واحدة إلى قطرات الماء السائل. والتحولات سريعة، ولكن التكنولوجيا التي ترصد هذه التغييرات، تعزز فهم الباحثين لكيفية عمل العواصف الثلجية. وبينما تتضمن معظم الرحلة النظر إلى البيانات في الوقت الفعلي، هناك أوقات تعطل يمكن أن تحدث فيها المحادثة والتعاون. ويتحادث الفريق مع باحثين آخرين، ويدونون ملاحظات حول ما يرونه ويتواصلون مع فريق «إمباكتس» على الأرضي، في مقر «ناسا».

وتقول الباحثة لين ماكموردي: «نحن نقرر أين نطير بناءً على توقعاتنا للعاصفة التي نريد دراستها»، موضحة: «نميل إلى رسم خط أو مربع للمكان الذي نريد أن نقوم فيه بأخذ العينات، وعادة ما يمر عبر هياكل ذات نطاقات من جانب إلى آخر. ويمنحنا المرور عبر نطاقات الثلج تنوّعاً داخل النطاق وخارجه».

ويوفر أخذ عينات من نطاقات الثلج المتغيّرة فهماً أفضل للباحثين، لكيفية اختلاف توزيع الثلج من عاصفة إلى أخرى. والأمر يعتمد على عاملين، وهما: «قوة العاصفة والموقع». وهناك أوقات يتساقط فيها الثلج بكثافة خلال فترة زمنية قصيرة، ولكن في أوقات أخرى، يكون هناك غبار خفيف للثلج وحسب. وأخذ العينات من داخل النطاق وخارجه، وعلى ارتفاعات مختلفة، يساعد الفريق على رؤية الصورة الكاملة للتساقط وإنتاج الثلج.

نظرة من خلال النافذة في قلب العاصفة. أرشيفية


شكل مختلف

طائرة «بي 3» للأبحاث مثيرة للإعجاب، ويجب أن تكون بمستوى الأبحاث التي تحدث على متنها. وفضلاً عن صفوف المقاعد الموجودة في الداخل، فإن جسم الطائرة يعُج بالشاشات وأجهزة الكمبيوتر، التي تُظهر ما جُمع من بيانات، في الوقت الفعلي، من الأدوات المرفقة بالجانب السفلي من الطائرة.

وقال الباحث كريستيان نيري: «نحن ننظر أساساً إلى كل جانب ممكن من كتلة السحاب». ويعمل نيري برفقة زميلته جينيفر مور- كلاهما من مشغلي المسبار الميكروفيزيائي في جامعة نورث داكوتا- وهما اثنان من العلماء على متن «بي 3» خلال الرحلة الأخيرة، يشاهدان ويجمعان البيانات من 10 أجهزة.

وقامت المجسات، المُثبتة أسفل الطائرة، بقياس أشكال عدة من الترسيب، بدءاً من اكتشاف الجليد والمياه فائقة البرودة، إلى النظر إلى شكل جزيئات السائل والجليد الفعلية.

وتم تصميم «بي 3» بشكل مختلف عن معظم الطائرات التجارية الأخرى للسماح بجمع البيانات. ويمكن أن تطير مسافات طويلة، ما يسمح لها بعبور عواصف الشتاء، لأخذ عينات من أجزاء متعددة من العاصفة أثناء تطورها. ويمكن، أيضاً، أن تطير عبر المياه فائقة البرودة، والتي تكون بين صفر و20 درجة مئوية دون الصفر، وهي مهمة عند دراسة عمليات العواصف الشتوية.

فنيون يجهزون طائرة البحث بالمعدات المطلوبة. أرشيفية

تويتر