المحللة الاقتصادية أنجاني تريفيدي:

اليابان نموذج لدعم الابتكار الصناعي دون أعباء مالية كبيرة

صورة

في الوقت الذي تراهن فيه دول العالم، من الولايات المتحدة وحتى الصين، على ضخ مليارات الدولارات لامتلاك الريادة العالمية في مجال الابتكار، تمضي اليابان في مسار مدروس بصورة أكبر للوصول إلى هذا الهدف.

فبدلاً من إنفاق مبالغ ضخمة من المال العام على الشركات بشكل مباشر، تعتزم اليابان تشجيع كياناتها الصناعية العملاقة صاحبة الريادة الطويلة في مجالات الرقائق، والسيارات، والبطاريات والآلات، على الاستثمار في الشركات الناشئة، وتحقيق التقدم التكنولوجي في الداخل، عبر نظم مبتكرة للحوافز الضريبية.

وتقول المحللة الاقتصادية، أنغاني تريفيدي، في تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء، إن الإنفاق الضخم لا يؤدي بالضرورة إلى نتائج فورية في مجال الابتكار والتطوير، كما يتضح من النموذج الصيني، حيث تعتبر الصين ثاني أكبر دولة في العالم من حيث الإنفاق على الأبحاث والتطوير. وفي حين تستخدم اليابان الحوافز الضريبية للأبحاث والتطوير منذ سنوات، فإنها الآن تتبنى إصلاحات موجهة للشركات.

حافز جديد

وتقول شركة فريم سكان للدراسات إن الخفض الضريبي يصل إلى ربع قيمة المبالغ التي تدفعها أي شركة يابانية في شركة ناشئة. وتحتاج الشركة إلى الاستحواذ على 50% على الأقل من أسهم الشركة الناشئة مع الاحتفاظ بالحصة لمدة خمس سنوات على الأقل. في الوقت نفسه تقدم اليابان حافزاً جديداً لتشجيع الشركات على إعادة استثمار أرباحها في مشروعات جديدة، فالكل يقول إن اليابان تحتاج إلى أفكار جديدة وأموال مخصصة لتنفيذها.

وكجزء من هذه الاستراتيجية، يضع صناع السياسة في اليابان برامج لدعم الشركات الجديدة التي تركز على تكنولوجيا التصنيع في مختلف أنحاء اليابان، من سابورو وهوكايدو في الشمال حتى فوكوكا في الجنوب. وتتضمن هذه البرامج توفير التمويل اللازم لسد الفجوة بين مرحلة الأبحاث، ومرحلة الاستغلال التجاري، وتطوير النماذج الأولية للابتكارات، التي تعتبر عقبة رئيسة أمام الشركات الناشئة.

في مواجهة هذه العقبة، ستساعد هذه الإصلاحات الضريبية في زيادة الاستثمار، دون الضغط على الخزانة العامة للبلاد. وتظهر أهمية هذا النهج في أنه يتجنب أساليب الدعم الحكومي التقليدية، أو محاولات عرقلة تطور الدول الأخرى المنافسة، في المقابل، فإن هذا النهج يضمن توزيع أعباء الابتكار على مختلف الصناعات، من إنتاج آلات تصنيع الهواتف الذكية (آيفون) وحتى آلات صناعة الرقائق الإلكترونية، وأنظمة تشغيل المصانع آلياً لزيادة الإنتاجية.

معادلة مهمة

ومن خلال السماح للشركات الكبرى المتعثرة بتدفقات نقدية حرة، والاستثمار في الشركات الناشئة، تضع الحكومة قرار اختيار التكنولوجيات التي تستحق الدعم والمساندة في يد الشركات، وليس في يد مسؤولي الحكومة نفسها. وهذه معادلة مهمة، فالشركات ستدعم المشروعات المربحة، أو ذات الأهداف العملية، وليست الأبحاث الأساسية التي ليس لها هدف محدد، وغالباً ما تكون أساساً لأفكار مستقبلية.

كما أن الاستراتيجية اليابانية الجديدة تخلق قناة تمويل جديدة للشركات الناشئة، في الوقت الذي تتجنب فيه شركات الاستثمار المالي ضخ استثمارات كبيرة في شركات تصنيع، قد لا تحقق ربحاً سريعاً، كما هو الحال في الشركات الناشئة الأخرى في عصر الحوسبة السحابية.

وتقول تريفيدي، الصحافية السابقة في صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، إن تحفيز الشركات اليابانية الكبرى ليس مهمة سهلة، ففي حين مازالت تحتل اليابان مكانة متقدمة على مقياس الابتكار العالمي بشكل عام، فإنها تعاني الركود وفق العديد من المقاييس. فشركات كبرى مثل تويوتا موتور كورب، وهوندا موتور، مازالت بين أكبر الشركات استثماراً في الأبحاث والتطوير، في حين تمثل السلع عالية التقنية نحو 55% من إجمالي ناتج التصنيع، وهذه النسبة ثابتة طوال السنوات الـ10 الماضية بشكل عام. كما تراجعت حصة اليابان من إجمالي براءات الاختراع في العالم خلال الـ20 عاماً الماضية، في حين ظل الإنفاق على الأبحاث محلياً ثابتاً، وأقل كثيراً من معدلات الإنفاق على الأبحاث، في كل من الصين والولايات المتحدة.

الإنفاق على المشروعات المستقبلية

وبحسب دراسة لبنك اليابان المركزي، فإن الشركات الأميركية التي تنفق دولاراً إضافياً على المشروعات المستقبلية، تحقق زيادة أسرع في الإنتاجية، مقارنة بالشركات اليابانية التي لا تحقق المعدلات نفسها في عوائد الاستثمار.

وإذا نجحت اليابان في خلق طبقة جديدة من شركات الاستثمار المالي، عبر هذه الإصلاحات الضريبية، فإنها ستحظى بفرصة لإنعاش شركاتها الصناعية العملاقة. وعندما تدعم الشركات الكبرى الشركات الناشئة المبتكرة، فإنها تركز على الاستفادة من تكنولوجيا العصر الجديدة لتوفير النفقات، وهو ما يبحث عنه أي مستثمر.

ومع ذلك، فإن الوقت مازال مبكراً للقول إن نموذج الدعم والإغراءات الحكومية الضخمة، المطبق في الصين والولايات المتحدة على سبيل المثال، أفضل من نموذج الحوافز الضريبية الياباني من أجل تشجيع الابتكار وتحقيق الريادة التكنولوجية في العالم.

• يضع صنّاع السياسة في اليابان برامج لدعم الشركات الجديدة التي تركز على تكنولوجيا التصنيع في مختلف أنحاء اليابان من سابورو وهوكايدو في الشمال حتى فوكوكا في الجنوب.

• من خلال السماح للشركات الكبرى المتعثرة بتدفقات نقدية حرة، والاستثمار في الشركات الناشئة، تضع الحكومة قرار اختيار التكنولوجيات التي تستحق الدعم والمساندة في يد الشركات، وليس في يد مسؤولي الحكومة نفسها.

تويتر