الانفلات الأمني بعد ثورة يناير تسبب في تفاقم الظاهرة

المقبرة الفرعونية المزيفة تعيد فتح ملف الحفر والتهريب الأثري

صورة

فتحت واقعة اكتشاف مقبرة فرعونية مزيفة بالكامل تحت الأرض في بني سويف ملف الحفر غير الرسمي والتزييف والتهريب للآثار الفرعونية في مصر، والذي تزايدت معدلاته منذ الفوضى الأمنية التي تلت ثورة 25 يناير 2011 في مصر، كما فتحت نقاشاً موسعاً في مصر عن الفارق بين «التزييف» و«الاستنساخ». وفي حين اعتبر خبراء أن واقعة تقليد الآثار الفرعونية لا تمثل جريمة في حد ذاتها، ركز آخرون على أن واقعة التقليد تمثل، إذا اكتملت بتحرك آخر، وهو البيع لمهربي آثار، جريمة كاملة، فيما ركز فريق ثالث على ما كشفته واقعة المقبرة المزيفة من خلفيات تتعلق بمدى تهريب الآثار من مصر وأبعادها الداخلية والخارجية، مطالباً بتكثيف المواجهة. وأحدثت واقعة اكتشاف المقبرة المزيفة ردود أفعال واسعة، وشملت تفسيرات متباينة.

وقال الأستاذ المتفرغ بكلية الآداب، شعبة الآثار الإسلامية بجامعة بني سويف، الدكتور مصطفى بركات على صفحته على «فيس بوك» إن لديه ملحوظتين حول المقبرة الأثرية المزيفة التي عثر عليها بمركز الفشن ببني سويف: الأولى أنه من الواضح أن من قام بحفرها وتجهيزها لتبدو أصلية قام بإعدادها على يد دارسي آثار وليسوا هواة، أما الاستنتاج الثاني فهو أن القضية «وهمية»، فلكي نحاسب من أعدها بتهمة النصب، لابد أن يكون هناك طرف «تعرض للنصب»، ومن غير المنطقي أن الذين اشتروا سيبلغون أنهم اشتروا آثاراً وتعرضوا للنصب.

ودعا الكاتب عصام شادي إلى «الإبقاء على المقبرة المزيفة وتحويلها إلى مزار، كنوع من العرض السياحي الساخر من حيل اللصوص».

ذروة

وقال الخبيرالأثري بصعيد مصر جمال أمين في تصريح لـ«الإمارات اليوم» إن «واقعة المقبرة المزيفة تأتي كذروة في ظاهرة سرقات وتزييف الآثار التي انتشرت بشكل مكثف جداً بعد ثورة يناير 2011، كما انتشر الحفر بحثاً عن الآثار في جميع مناطق مصر بعد أن كان وقفاً على مناطق الآثار التقليدية، مثل محيط مدينتي الأقصر وأسوان، ووصل الحفر إلى القاهرة ذاتها، بل إن البعض ممن لا يمكن تصنيفهم بالمهربين حفروا تحت منازلهم». وتابع أمين أن «الظروف الاقتصاية ساعدت على تفاقم الظاهرة، وأن التاريخ التشريعي الممتد لعقود كان يسمح للأسف بهذا التفلت، وأنه تأخر كثيراً في مواجهة الظاهرة، ولم تبدأ المواجهة القانونية الفعالة لتزييف الآثار إلا بعد صدور قوانين 1983».

وقال عضو المجلس الأعلى للثقافة خبير الآثار د.عبدالرحيم ريحان، في تصريحات إعلامية، إن «الهوس الجنوني بالحفر زاد في السنوات الأخيرة، وتحول إلى وهم وخداع لدرجة عمل هذه المقبرة، وهذا يدل على استمرار أعمال الحفر خلسة، وتجارة الآثار وتهريب القطع النادرة».

المواجهة الدينية

وأشار ريحان إلى ضرورة المواجهة الدينية لاعتقادات البعض الخاطئة بأن تجارة الآثار حلال شرعاً، وقال إن «الحفر خلسة غير شرعي من الناحية الدينية، وهناك فتوى من مفتي الديار المصرية د.شوقي علام، قال فيها إنه لا يجوز دينياً المتاجرة بالآثار، أو التصرف فيها بالهبة، أو البيع إلا في حدود ما يسمح به ولي الأمر، وينظمه القانون، وما تحققه المصلحة العامة».

من جهته أرجع المؤرخ الأثري البروفيسور فرنسيس أمين، في إفادة إعلامية لـ«بوابة الأهرام» الظاهرة إلى جذور تاريخية ارتبطت ببدايات اكتشاف الآثار الفرعونية، وقال إن «مقبرة الفشن المزيفة في بني سويف ليست الأولى من نوعها، فأحد الأجانب اشترى مقبرة مزيفة من أحد أهالي القرنة بمدينة الأقصر بمبلغ خيالي عام 1906، بحسب كتاب ويكلين (آثار مزيفة)».

وفرق أمين بين «التزييف» و«الاستنساخ»، مشيراً إلى أن «المدرسة المصرية الحديثة في صنع المستنسخات من أعظم المدارس، كما أن صناعة الآثار المقلدة تروج في القرنة بالأقصر، كما أن الجمعية المصرية للفنون الجميلة التي أسست عام 1922 كان لها دور كبير في صنع مستنسخات أثرية، كما تم إنشاء مركز للمستنسخات الأثرية في ستينات القرن الماضي، حيث تم وضع مجسمات في الفنادق الجديدة لآثار ومعابد النوبة، وأن التوسع في إقامة معارض دولية للمستنسخات الأثرية سيصنع رواجاً اقتصادياً، وسيعمل على تنشيط السياحة داخلياً وخارجياً».

هذا وفتحت قضية «المقبرة المزيفة» ملف الآثار المهربة بالتوازي، لأن المقبرة كانت محفورة بالأساس للتعامل مع مهربين. وكشف رئيس إدارة الآثار المستردة، الدكتور شعبان عبدالجواد، في تصريحات لقناة «القاهرة اليوم» أخيراً، أن «مصر استردت 106 قطع أثرية مسروقة ومهربة إلى الخارج في عام 2022، كما استردت 5300 قطعة أثرية في عام 2021، واستردت أيضاً نحو 29 ألف قطعة أثرية مهربة منذ 2011، وأن القطع المهربة المستردة معروفة ومسجلة، على عكس القطع التي يتم تهريبها عبر حفر اللصوص التي تكون غير مسجلة».

وقال عبدالجواد إن «استرداد التابوت الأخضر الذي كان مهرباً إلى الولايات المتحدة يعتبر نقطة تحول مهمة في الجهد المصري في مواجهة التهريب، وإن الولايات المتحدة تعتبر السوق الأهم لتجارة الآثار المسروقة من مصر، وجارٍ الآن توقيع مذكرة تفاهم مشتركة معها تسمح باسترداد هذه الآثار». وأشار شعبان إلى أن «عديد القطع الآثرية المهربة خرجت قبل قانون 1983 حيث كانت قبلها تجارة الآثار غير ممنوعة، وكان هناك قانون لتقاسم الآثار مع البعثات الأثرية».

هذا وتُعد قضية «تهريب الآثار الكبرى»، أو قضية «الحاوية الدبلوماسية» في عام 2019، من أشهر قضايا التهريب خلال السنوات الخمس الأخيرة التي حُكم بالسجن فيها على عدد من المتهمين تورطوا في تهريب آثار داخل حاوية دبلوماسية، خرجت من ميناء الإسكندرية إلى ميناء ساليرنو في إيطاليا قبل أن تكتشف هناك، بحسب متابعات صحافية.

• واقعة المقبرة المزيفة تأتي ضمن ظاهرة سرقات وتزييف الآثار التي انتشرت بشكل مكثف جداً بعد ثورة يناير 2011، كما انتشر الحفر بحثاً عن الآثار في جميع مناطق مصر بعد أن كان وقفاً على مناطق الآثار التقليدية.

• تُعد قضية «تهريب الآثار الكبرى» أو قضية «الحاوية الدبلوماسية» في عام 2019 من أشهر قضايا التهريب خلال السنوات الخمس الأخيرة.

تويتر