بعد مرور عام على نشوبها

لا طريقة نموذجية تنهي حرب روسيا وأوكرانيا

صورة

مع استمرار الحرب الروسية - الأوكرانية من دون سقف توقعات واضح وسط خسائر متواصلة على مختلف الصعد، يظل التساؤل الذي يطرح نفسه هو: «كيف يمكن إنهاء هذه الحرب؟».

يقول رئيس اللجنة التوجيهية لمنتدى أوكرانيا في معهد تشاتام هاوس البريطاني والمعروف رسمياً باسم المعهد الملكي للشؤون الدولية، سيمون سميث، إنه «مع دخول حرب روسيا ضد أوكرانيا عامها الثاني، كان هناك تصاعد في الحجج، بعضها حسن النية بشكل لا تشوبه شائبة، لاتخاذ إجراءات عاجلة لإيجاد حل للصراع».

أمر مفهوم

ويضيف سميث: «إن الدافع لإيجاد طرق لوقف الحرب أمر مفهوم. وهو يستحق الاحترام. لكنه قد ينتج أفكاراً تطيل أمد الصراع أو تجدده، إما في القريب العاجل أو بمرور الوقت، بدلاً من أن تنهيه».

ويؤكد أنه من غير المريح رفض مثل هذا الاقتراح المعقول ظاهرياً. ولكن بالنسبة لحالة الحرب الحالية، يمكن إثارة التساؤل التالي وهو: «أي جزء من مهمة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في أوكرانيا يحمل أسباباً معقولة للتسوية؟».

إن «حرب روسيا وأوكرانيا ليست نزاعاً إقليمياً. فقد تمثلت استراتيجية بوتين - منذ عام 2014 على أبعد تقدير وربما بالنسبة للمفهوم السائد كانت قبل ذلك بكثير - في جعل أوكرانيا دولة فاشلة، وهو أمر غير مرغوب فيه، ولا يمكن استساغته بالنسبة لحلف شمال الأطلسي (ناتو) أو الاتحاد الأوروبي أو بالنسبة لكليهما».

ديناميكية

إن «مرونة وديناميكية شعب أوكرانيا ومؤسساتها وتصميمها على بناء نقاط قوة ونجاحات جديدة، حافظت على الصمود والصدقية في رؤية أوكرانيا طرفاً فاعلاً ناجحاً وقادراً وبنّاءً على الصعيدين العالمي والإقليمي».

لكن رؤية بوتين لأوكرانيا مختلفة تماماً. وتظهر تأملاته المنشورة عن أوكرانيا اعترافاً ضئيلاً، إن وجد، بأن أوكرانيا ليست على الإطلاق جزءاً من روسيا. ولا يرى بوتين أوكرانيا كياناً مستقلاً، بل باعتبارها مندمجة بشكل شامل داخل نظامه الخاص القائم على أساس البحث عن الريع والمحسوبية والاستغلال.

ولا يوجد مكان في هذه النظرة العالمية، يمكن فيه العثور على حل وسط حكيم، أو يمكن الدفاع عنه. إن «الحل» الذي يترك أي جزء من شعور بوتين بأحقية امتلاك أوكرانيا باقياً، لن يكون حلاً على الإطلاق.

وبدلاً من التلميح إلى احتمال أن تؤدي المفاوضات إلى شيء يمكن أن تفسره روسيا بوتين على أنه نجاح، تحتاج الدول الداعمة لأوكرانيا، مثل أوكرانيا نفسها، إلى الاستمرار في التركيز على الحفاظ على ارتفاع لا يرحم في التكاليف التي تتحمّلها روسيا، لمواصلة شن هذه الحرب العدوانية.

أحكام اللامركزية

ويقول سميث: «إن روسيا رأت في أحكام اللامركزية فرصة لتكريس (الوضع الخاص) داخل أوكرانيا، من خلال اختلاقها الزائف (للكيانات الانفصالية) في دونباس، وترسيخ دور هذه الكيانات كعقبة دائمة تتمتع بحق النقض أمام خيارات أوكرانيا المستقبلية، في علاقاتها مع حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي والعالم الأوسع نطاقاً».

ويضيف أنه «إذاً ومتى حان الوقت لتحديد ترتيبات وقف إطلاق النار للحرب الحالية، فإن تدابير (اتفاقيات مينسك) لا تقدم منهجية فريدة أو ذات قيمة قابلة للنقل. وقد فقدت أحكامها المتعلقة باللامركزية، حتى أهميتها الضعيفة للوضع في أوكرانيا في 2014-2015».

ويتساءل سميث: «هل يمكن التوصل إلى هدنة على غرار ما شهدته الحرب الكورية؟». ويقول: «إن عام 2023 يصادف الذكرى الـ70 لاتفاقية الهدنة التي أنهت، بحكم الأمر الواقع، الحرب الكورية (1950-1953). وليس مستغرباً أن يجذب هذا النموذج أولئك الذين يزعمون أنه لا أوكرانيا ولا روسيا من الممكن أن تهزم واقعياً، أو التوصل إلى حل وسط، لذا فمن الأفضل إيجاد حل مؤقت حتى لو كانت كلمة (مؤقت) قد تعني وضعاً يستمر على المدى الطويل».

كما أنه ليس صعباً أن نرى لماذا هناك جاذبية في الحجة القائلة إن 70 عاماً من وقف إطلاق النار سمحت لكوريا الجنوبية بالتطوّر كدولة ناجحة، ومستقلة، وديمقراطية. وأن كل هذا كان من غير المرجح أن يحدث، لو كانت قد تعثرت بسبب الحاجة إلى خوض حرب لا نهاية لها مع جارتها الشمالية.

ويبدو هذا أمراً يدعو إلى التفاؤل. ولكن «هل يمكن أن ينجح هذا مع أوكرانيا؟».

تساؤلات

أولاً: من المرجح أن تؤجل الهدنة على الطريقة الكورية إلى أجل غير مسمى، أي جهد جاد لمحاسبة روسيا على الجرائم والأضرار التي ألحقتها حربها بأوكرانيا.

ويقول البعض إن النتيجة التي تفشل في تحقيق العدالة بهذه الطريقة هي ببساطة غير مقبولة. وسيرد آخرون للأسف بأنه ليس من الواقعي التمسك بالحل المثالي، وأنه يجب إيجاد حل وسط بين الرغبة في العدالة، ووجهة نظر الواقع الصعب التي تعترف بأن العديد من الجناة قد يتهربون منها. ويمكن لصيغة الهدنة في الممارسة العملية أن تؤجل العدالة لفترة طويلة.

ثانياً: أوقف النموذج الكوري الصراع بشكل أو بآخر عند النقاط التي وقف فيها المقاتلون في يوم توقيع الهدنة، ومن غير المتصور أن تعتبر أوكرانيا هذا مُرضياً.

لكن الدرس الكوري الذي يحتاج إلى مناقشة، إذا قيل إن الهدنة قد تكون طريقة «أقل سوءاً» للمضي قدماً، هو أن التقدم المذهل لكوريا الجنوبية خلال النصف الأخير من القرن الـ20، تم تمكينه من خلال ضمان أمني هائل وموثوق به بعد الحرب.

والواقع أن الملايين من القوات الأميركية، وعمليات النشر الواسعة للمعدات العسكرية والتكنولوجيا والمعرفة كانت بمثابة الأساس الذي استند إليه تحول كوريا الجنوبية. ولن يبدو الضمان الأمني لأوكرانيا في مرحلة ما بعد الحرب مطابقاً لنموذج الولايات المتحدة وكوريا.

وتعتبر الذكرى السنوية الأولى للحرب الروسية - الأوكرانية حافزاً في الوقت المناسب للتفكير في المستقبل. ولكن بين الدول التي تدعم بنشاط دفاع أوكرانيا ضد روسيا، يحتاج إلى جزء أساسي وجوهري من ذلك التفكير والتركيز على كيفية الإسهام في احتواء روسيا، وردعها بشكل فاعل ودائم.

ويختتم سميث تحليله بالقول: «نحن بحاجة إلى إجابات مقنعة تماماً على السؤال التالي: (ما ترتيبات ما بعد الحرب التي ستضمن أن روسيا لن تهاجم أراضي أوكرانيا مرة أخرى.. وتتوقف عن متابعة مطالباتها المنافية للعقل بشأن سيادة أوكرانيا واستقلالها؟)».

• مرونة وديناميكية شعب أوكرانيا ومؤسساتها وتصميمها على بناء نقاط قوة ونجاحات جديدة، حافظت على الصمود والصدقية في رؤية أوكرانيا طرفاً فاعلاً ناجحاً وقادراً وبنّاءً على الصعيدين العالمي والإقليمي.

• إذاً ومتى حان الوقت لتحديد ترتيبات وقف إطلاق النار للحرب الحالية، فإن تدابير «اتفاقيات مينسك» لا تقدم منهجية فريدة أو ذات قيمة قابلة للنقل.

تويتر