بعد تولي حكومة نتنياهو المتطرفة السلطة والصدام مع الفلسطينيين

أميركا والأردن تعملان للحفاظ على خيار حل الدولتين حياً

صورة

في أعقاب تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة بنيامين نتنياهو، أعربت المملكة الأردنية الهاشمية عن مخاوفها، وتحذيراتها. وقام العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بن الحسين بزيارة إلى البيت الأبيض في الثاني من فبراير الجاري، بعد أيام قليلة من إعراب واشنطن عن مخاوفها، خلال زيارة قام بها وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إلى إسرائيل.

وتقلدت حكومة نتنياهو السلطة بعد بضع سنوات من تحسن العلاقات الإسرائيلية الأردنية. واعترفت حكومة إسرائيل، برئاسة كل من نفتالي بينيت، ويائير لابيد، بالأهمية الاستراتيجية للأردن، ما أدى إلى عودة الثقة وعلاقات العمل الجيدة مع الملك، ووسع مدى التعاون بين البلدين.

انعدام ثقة الأردن بنتنياهو

وكان ذلك في تناقض صارخ مع انعدام التواصل بين الملك عبدالله ونتنياهو، الأمر الذي جعل الملك يعلن في عام 2019 أن علاقات الأردن مع إسرائيل هي الأسوأ على الإطلاق. وجاء انعدام ثقة الأردن بنتنياهو نتيجة العديد من التجارب السلبية، التي تراوح ما بين محاولة نتنياهو اغتيال زعيم حركة حماس خالد مشعل في الأردن (خلال فترة حكم نتنياهو الأولى)، وصولاً إلى عام 2017، حيث قبل نتنياهو علناً قيام أحد حراس السفارة الإسرائيلية بالتورط بإطلاق النار في عمان.

وفي الواقع، فإن مخاوف الأردن من حكومة نتنياهو لا تتركز فقط على رئيس الحكومة، وإنما على التركيبة المتطرفة لهذه الحكومة، وحقيقة أنها تتضمن أعضاء أساسيين يعتقدون أن «فلسطين هي الأردن»، ويسعون إلى تغيير الوضع الراهن في القدس من خلال أفعال استفزازية.

اتفاقية أوسلو

وتشعر الأردن بالقلق من احتمالات التصعيد بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بالنظر إلى أنها الدولة الأكثر تأثراً، سواء في السراء أو الضراء، نتيجة تطورات هذه العلاقات. ومنذ توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، تم تمهيد الطريق أمام الأردن لتوقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل في العام التالي، ولطالما أدى التوتر بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى قيام تظاهرات عامة من قبل المعارضة الأردنية، وهو الأمر الذي تعتبره الدولة الأردنية تهديداً للاستقرار.

وبالنسبة للأردن، فإن القضية الفلسطينية ليست مجرد موضوع دبلوماسي، وإنما هي قضية أمنية مهمة أيضاً، ولهذا أدى ذلك إلى جهود كبيرة بذلها الأردن عبر السنين، لدفع العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية نحو الأفضل. وكان الملك حسين هو الذي ساعد في محاولات الوساطة الأميركية بين نتنياهو ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية الراحل ياسر عرفات في عام 1998 في قمة واي بلانتيشن، وكذلك قام الملك عبدالله بحشد معارضة دولية لخطة الضم التي كان سينفذها نتنياهو عام 2020، وقاد الجهود في عام 2022 لمنع التصعيد في القدس خلال شهر رمضان.

ويعتبر الأردن طرفاً، إضافة إلى مصر، وفرنسا، وألمانيا، من مجموعة ميونيخ، وهو تجمع غير رسمي تشكل بداية عام 2020 للحفاظ على فكرة حل الدولتين حية، رداً على خطة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.

عودة نتنياهو إلى السلطة

ومع عودة نتنياهو إلى السلطة، وعلى الرغم من قلقه العميق والمظالم السابقة معه، قرر الأردن التجاوب مع إسرائيل. وقدم الملك عبدالله التهنئة له بإعادة انتخابه، ورحّب به في عمان في يناير (وكانت أول زيارة لنتنياهو منذ عودته إلى السلطة)، وعلى المستوى العملي حافظ الأردن على العلاقات الثنائية مع إسرائيل على مسارها الطبيعي، بما فيها تنفيذ اتفاقية الماء والكهرباء التي وقع عليها البلدان بصورة مشتركة. وعلى الرغم من الحادثة المثيرة للتوتر في يناير الماضي قرب المسجد الأقصى بين السفير الأردني وحارس الأمن الإسرائيلي، إلا أن ذلك لم يغير في وضع العلاقات.

وفي الحقيقة، فإن التعاون مع إسرائيل يخدم الحاجات الاقتصادية والأمنية الأساسية للأردن، وهو يسعى للحفاظ على ذلك، طالما أن العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية لم تتدهور إلى المستوى الذي يجعل الأردن يخفض مستوى العلاقات مع إسرائيل.

وفي هذا السياق، أي لمنع تدهور العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية، زار الملك عبدالله البيت الأبيض في وقت مبكر من فبراير الجاري، وهي زيارته الثالثة للرئيس جو بايدن خلال وجوده في البيت الأبيض.

وتأتي هذه الزيارة وسط حوادث العنف بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتعكس الدور المهم الذي تنسبه الإدارة الأميركية للأردن في الحفاظ على استقرار المنطقة. وكان لقاء الملك عبدالله مع بايدن فرصة للولايات المتحدة كي تؤكد على التزامها بالحفاظ على الوضع الراهن في القدس، وهي قضية يجب أن تضغط على الحكومة الإسرائيلية بشأنها، وكذلك وضع الأردن باعتباره الوصي على الأماكن الإسلامية المقدسة في المدينة.

المانح الأكبر

وأكدت الولايات المتحدة، وهي أكبر مانح للمساعدات للأردن، إثر الاجتماع في البيت الأبيض، على أن كلا البلدين ملتزم بدعم حل الدولتين للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وفي هذا الصدد، ستصبح زيارة الملك الأردني أكثر أهمية إذا أدت إلى خطوات ملموسة تساعد على حفظ الاستقرار، والسلام، والتعاون الإقليمي.

شهر رمضان

ويتعين على الولايات المتحدة والأردن الاستعداد من أجل التصعيد الذي سيحدث على الأرجح نتيجة التداخل بين رمضان المقبل وعيد الفصح اليهودي في أبريل المقبل، واستخدام نفوذها لدى إسرائيل والسلطة الفلسطينية لتخفيف التصعيد بين الطرفين في حينه.

ويستطيع الأردن حشد الأعضاء الآخرين من مجموعة ميونيخ، في حين أن الولايات المتحدة يمكنها دعوة الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، إضافة إلى تركيا بالنظر إلى علاقتها مع إسرائيل والفلسطينيين. وسيتطلب وضع مثل هذه الآلية تخطيطاً سياسياً معمقاً فيما يتعلق بأهدافها وتركيبها، وتنفيذها لضمان نجاحها أكثر من المبادرات السابقة.

وفي نهاية المطاف، تستطيع الولايات المتحدة مساعدة إسرائيل والأردن لوضع آلية إدارة الأزمات، ما يمكن البلدين الجارين من التعامل مع تداعيات أي تصعيد إسرائيلي فلسطيني، ومنع انهيار العلاقات الثنائية، ومثل هذا النموذج مطلوب أيضاً بين إسرائيل وتركيا، وستساعد الولايات المتحدة لتحقيق ذلك. ولبدء هذه الجهود، ولكي تكون الإدارة قادرة على المتابعة الفعالة لاجتماع الأسبوع الماضي، يجب على الكونغرس الأميركي أن يصادق على يائيل لامبارت، التي أعلنتها إدارة بايدن أخيراً سفيرة لها في الأردن.

• بالنسبة للأردن فإن القضية الفلسطينية ليست مجرد موضوع دبلوماسي، وإنما هي قضية أمنية مهمة أيضاً، ولهذا أدى ذلك إلى جهود كبيرة بذلها الأردن عبر السنين، لدفع العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية نحو الأفضل.

• يتعين على الولايات المتحدة والأردن الاستعداد من أجل التصعيد الذي سيحدث على الأرجح نتيجة التداخل بين رمضان المقبل وعيد الفصح اليهودي في أبريل المقبل.

نمرود غورين ■ متخصص في الشؤون الإسرائيلية

 

تويتر