نوارة نجم تكشف مسيرة حياة «الفاجومي» من منظور الابنة

يوسف شاهين رفض دفع كفالة أحمد فؤاد نجم لإخراجه من السجن

صورة

قدمت الصحافية نوارة نجم، ابنة شاعر العامية المتمرد والمعارض في عهد عبدالناصر والسادات ومبارك، أحمد فؤاد نجم (الفاجومي)، روايتها الخاصة عن سيرة حياة والدها ووالدتها الكاتبة صافيناز كاظم وأسرتها، في كتاب جديد حمل عنوان «أنت السبب يا بابا.. الفاجومي وأنا»، حيث سلّطت الأضواء على الجوانب الشخصية، والعائلية، والإنسانية، في حياة نجم، وتضمنت الرواية تفاصيل حياتها هي بما شملت من مباهج وآلام، في ظل نشأتها في أسرة طبعت متاعب السياسة، والمطاردات، والاعتقالات والمنافي، بصمتها الرئيسة عليها، كما كشفت نوارة نجم كواليس علاقة والدها بنجوم في المجتمع المصري، مثل المخرج يوسف شاهين، والمخرج مراد منير، والفنان محمد منير، والفنان عادل إمام، والفنان سعيد صالح، والفنانة سعاد حسني، والفنانة فردوس عبدالحميد، والفنانة فايزة كمال، ورجل الأعمال نجيب ساويرس، كما كشفت عن التناقض الذي عانته في الصورة التي حملها المجتمع المحيط بها في المدرسة والشارع، لوالدها وأسرتها، حيث كان جانب من هذه الصورة يبرز أنه صديق المشاهير، وأن أسرتها تنتمي للطبقات العليا، بينما الجانب الآخر هو أن والدها طريد الشرطة، وأجهزة الأمن، وضيف السجون الدائم.

وقالت نوارة في مقدمة شهادتها إن «مذكرات الفاجومي تستحق الترجمة إلى لغات عدة، لأنه نجح، كما قال المستشار طارق البشري، في تحويل كل ما هو مشين في عرف المجتمع المحافظ إلى حدث مبهر وضاحك، لا يشعر أكثر الغارقين محافظة معه بأي غضاضة أو حرج»، ونوهت نوارة إلى أن المصادفة البيولوجية البحتة جعلتها ابنة نجم دون اختيار منها أو منه، وهذا لا يعطيها الحق في احتكار الكتابة عنه. وروت نوارة قصة في صدر الكتاب عن احترام الفاجومي حق الآخرين بانتقاده دون تحفظات، حيث هاجم في ندوة أقامها معرض الكتاب محاولة مقدمها منع شباب تهجموا على نجم، وقال لمقدم الندوة «ما هذا؟ لماذا تطلب من الأولاد السكوت؟ دعهم يقولوا ما يريدون. أنا أمضيت عمري وأنا أحارب الرموز والأصنام، وتريدون الآن أن تجعلوا مني صنماً».

وسردت ابنة شاعر العامية الراحل، ظروف نشأتها الصعبة، حيث تعرضت والدتها صافيناز كاظم للاعتقال، وهي لازالت رضيعة، ما اضطر كاظم للهروب إلى العراق للعمل في جامعة المستنصرية، ولتصبح كل علاقتها بوالدها هي صور معلقة على جدران غرفتها ببغداد، وإرسال شرائط كاسيت له، وأنها حين عادت إلى القاهرة زارته للمرة الأولى وهو في السجن، ما جعل الضباط الذين حضروا الزيارة يقطفون زهوراً من الحديقة المحيطة، ويعطونها لوالدها ليقدمها إليها، بينما كانت زيارتها التالية له وهو مطارد ومختفٍ في منزل بحي «مصر الجديدة».

وعن صلتها الشخصية بوالدها، قالت نوارة إن «حضوره لزيارتها (حيث كان انفصل عن والدتها) لم يكن بالسهل»، و«ذهابها إليه كان مجازفة، حيث كانت تعود غالباً خالية الوفاض»، و«كانت صلته الأساسية بالعالم تليفون بقال بحوش قدم، حيث يتعامل البقال مع المتصلين بعجرفة، بوصفه مديراً لأعمال الفاجومي».

وعن ذكريات والدها مع نجوم الفن والثقافة والمجال العام في مصر، كشفت نوارة عن «أن الفاجومي تعرض للقبض عليه بعد مشاركته في فيلم (العصفور) للمخرج يوسف شاهين عام 1972-1973، ثم أصدرت النيابة العامة أمراً بالإفراج عنه بكفالة قدرها 90 جنيهاً، ولم يكن بالطبع في تلك الفترة يملك المبلغ، فشرع الصحافي والكاتب محمد عودة في جمع قيمة الكفالة من الأصدقاء، لكن تم تبديد المبلغ الذي تم تحصيله من قبل صديق، فاتصلت والدتها صافيناز كاظم بالمخرج يوسف شاهين، باعتبار أن الفاجومي كتب قصيدة مصر (يامه يا بهية) لفيلم العصفور، وله حق مادي نظير إبداعه، لكن يوسف شاهين رفض التعاطي بإيجابية، وقال: أنا فقير مثل الجميع، الأمر الذي استفز صافيناز كاظم، ودعاها إلى تذكير شاهين بأنه بنى كل مجد فيلم العصفور الذي عرضه في فرنسا على الأغنية، وأخذ تحية كبيرة في بلاد الفرنجة على شجاعته في الاستعانة بفنانين تطاردهم السلطة، ولم يدفع لأحد أبطال فيلمه الحقيقيين أجراً، ثم أغلقت السماعة في وجهه، بحسب رواية نوارة.

وتطرقت نوارة إلى عوالم والدها في بيته في «حوش قدم» بالغورية، الذي كان مقراً مفتوحاً للفنانين والأدباء، حيث قابلت هناك الفنان سعيد صالح، الذي وصفته بأنه «شديد اللطف والحنان والأبوة»، والفنان عادل إمام، والفنان صلاح السعدني، والكاتب خيري شلبي، والفنان محمد منير، «الذين كانوا يتعاملون بأن البيت بيتهم والدار دارهم»، والفنانة سعاد حسني، التي لم ترها، لكن إحدى الجارات بحوش قدم قالت لها إنها «ليست جميلة كما تظهر في التلفزيون»، وإن نوارة حين نقلت كلام الجارة لأمها استنكرت الأخيرة هذا الكلام بشدة، وقالت لها «إنها أجمل من التلفزيون».

ونقلت نوارة نجم حالة التناقض التي كان يتعامل بها زميلاتها في المدرسة معها، «فهل هي دون المستوى لأن أباها يسكن في حارة، وأهلها رد سجون، أم فوق المستوى لأن أباها شاعر كبير، وصديق سعيد صالح، وأمها حفيدة الشاه، وصديقة سعاد حسني».

وعن الطبيعة الشخصية لنجم، روت نوارة جانباً من غرائبيتها، حيث نظمت الهيئة المصرية العامة للكتاب ندوة خاصة للفاجومي، ففوجئت بعدم حضوره، واضطر رئيس الهيئة وقتها د. سمير سرحان إلى الاستعانة بالشاعر زين العابدين فؤاد، ليحل محله، والذي قال للجمهور «لا تؤاخذونا هذه طبيعة نجم، قد يكون التقى بأحدهم في الطريق، أو نسي الموعد، وربما علم أن ابنته هنا فهرب منها»، وقد آلمت العبارة الأخيرة نوارة، وتسببت في دخول زين العابدين في مواجهة حادة مع والدتها.

وتطرقت نوارة أيضاً في مذكراتها التي اتسمت بالشجاعة والجرأة والصراحة غير المعهودة أحياناً في السيرة الذاتية، بنوع من الانتقاد للطريقة التي تعامل بها والدها معها في خلافهما حول ارتدائها الحجاب. ووصفت نوارة صراع والديها حولها في هذه الواقعة بأنه «كان مؤذياً جداً وقاسياً جداً»، فـ«لا والدتي كانت محقة في استخدامي بحجة إغاظة آخرين، ولا والدي كان محقاً في معاقبة والدتي عن طريقي»، خصوصاً «أنها تعلم أن الفاجومي لم يكن ضد الحجاب». وقالت نوارة إنها «تروي الموقف بصراحة في شهادتها كي تتخلص منه نفسياً، لأنه مازال يؤذيها حتى اللحظة»، و«أنها تحمد الله أنها قصت القصة التي كانت تنغص ذكرياتها»، وأنها «سامحتهما وليسامحهما الله».

وحول الجوانب الإنسانية لشخصية نجم، قالت نوارة إن ردة فعل نجم تجاه تجربة اعتقالها أكدت لها أن «والدها ليس بالشخص القوي في ما يتعلق بالعلاقات الإنسانية. هو قوي فقط في مواجهة السلطات، لكنه شديد الضعف والهشاشة في المواقف الإنسانية، و(طفل) أمام الأزمات الشخصية، ويفقد في ما هو خاص حسن التصرف، وسرعة البديهة، اللذين يتمتع بهما في مواجهة العام».

مذكرات الفاجومي تستحق الترجمة إلى لغات عدة، لأنه نجح، كما قال المستشار طارق البشري، في تحويل كل ما هو مشين في عرف المجتمع المحافظ إلى حدث مبهر وضاحك.

قالت نوارة إن والدها ليس بالشخص القوي في ما يتعلق بالعلاقات الإنسانية.. هو قوي فقط في مواجهة السلطات، لكنه شديد الضعف والهشاشة في المواقف الإنسانية.

تويتر