بهدف سد الفراغ الناجم عن انسحاب الدول الغربية

الصين تطوّر تعاملها مع «طالبان» لتعزيز وضعها كدولة عظمى

صورة

تعتبر الصين إحدى الدول القليلة التي تعمل على توسيع تعاملاتها مع حكومة «طالبان» في أفغانستان، حيث تأمل توسيع استخدامها للموارد الطبيعية الموجودة في هذا البلد، وفي الوقت ذاته تعزيز أمنها الجيوسياسي.

وفي منتصف عام 2021 رحبت الصين بوفد «طالبان»، مظهرة استعدادها للاعتراف بحكومة «طالبان» في الوقت الذي أشارت فيه الولايات المتحدة إلى انسحابها المرتقب. وفي بداية يناير 2023، وافقت شركة صينية على توقيع عقد لاستخراج النفط من أفغانستان مدته 25 عاماً. وهناك أيضاً احتمال أن تقوم إحدى الشركات المملوكة للحكومة الصينية بتوقيع عقد من أجل استخلاص النحاس من أفغانستان.

وليس من المفاجئ أنه في الوقت الذي سحبت فيه الدول الغربية كل علاقاتها تقريباً مع أفغانستان، تبدو الصين مستعدة لزيادة وجودها التجاري في هذه الدولة. وعلى الرغم من أنه تقليدياً لم تكن السياسة الأفغانية إحدى أولويات الدبلوماسية الصينية، إلا أنها ترى فيها الآن فرصة سانحة.

وعلى الرغم من أنها تعد أكبر المستثمرين الأجانب في أفغانستان في الماضي، وشريكها الاستراتيجي، إلا أن علاقات الصين مع هذه الدولة كانت محدودة نسبياً في السابق مقارنة بدول أخرى، مثل روسيا والولايات المتحدة.

ويرى البعض أن سياسة الصين إزاء أفغانستان كانت مدفوعة بالمصالح الاقتصادية المحلية والقضايا الأمنية. ولكن، خلال العقد الماضي تقريباً، تبنت الصين سياسة خارجية أكثر حزماً. وفي الوقت ذاته، أدت المصالح التجارية إلى زيادة تعامل الصين مع أفغانستان.

موارد طبيعية مفيدة

ربما يؤدي التعامل النشط مع أفغانستان إلى تمكين الصين من الاستفادة بطرق عدة. ومن المعروف أن أفغانستان هي واحدة من أغنى دول العالم بالموارد، ولكن ظروفها الأمنية منعت تطوير هذا القطاع. وتشير بعض التقديرات إلى أن قيمة الرواسب المعدنية غير المستغلة، مثل النحاس، والحديد، والليثيوم، تعادل نحو 811 مليار جنيه إسترليني. وأما في ما يتعلق بالنفط الخام فيوجد في أفغانستان نحو 1.6 مليار برميل. وأما في ما يتعلق بالغاز الطبيعي تمتلك أفغانستان نحو 16 تريليون قدم مكعبة منه، كما أنها تمتلك 500 مليون برميل من الغاز الطبيعي المسال.

ولكن النشاطات الصينية في القطاع المعدني في أفغانستان توقفت. في نهاية عام 2010، على سبيل المثال، أدت المخاوف الأمنية إلى إعاقة النشاطات، والمشروعات الصينية التي تستغل الموارد المعدنية في هذه الدولة.

أمن الطاقة

هناك مكاسب أخرى لها علاقة بالعمل في قطاع الموارد الطبيعية. وتعتبر إمدادات الطاقة الصينية المحلية محدودة بسبب الجيولوجيا وكثافة الطاقة، واعتمادها على الدول الأخرى، ما أدى إلى وجود «مخاوف تتعلق بالطاقة».

وبناءً عليه، فإن الوصول إلى الموارد الطبيعية الأفغانية لا يوفر الحوافز الاقتصادية للصين فقط، بل يزيد من وجودها التجاري في الدولة. وهو ما ينطوي على احتمال المساعدة على تخفيف طلبها المتزايد للطاقة.

وتأتي زيادة تعامل الصين مع أفغانستان ضمن أولويات الصين من أجل الحفاظ على أمن الطاقة على المدى القصير، لكنها يمكن أن تصبح عنصراً استراتيجياً أساسياً لاحتياجاتها من الطاقة على المدى البعيد.

وأثر الوضع الأمني الهش في أفغانستان على الصين بطريقتين: الأولى، شعرت الصين بالقلق من أن سنوات من انعدام الاستقرار في أفغانستان يمكن أن تنتشر إلى أراضيها.

وثانياً، فإن انعدام الاستقرار الصادر عن أفغانستان يؤثر سلباً في تطور مبادرة الحزام والطريق الصينية، والتي تعمل على إنشاء طرق تجارية مع بقية دول العالم، لأن اثنين من ممراتها الأساسية تمر بمحاذاة أفغانستان. وباعتبارها بنية تحتية عالمية وخطة استثمار تنموية تشمل نحو 60 دولة، بما فيها بعض من دول شرق آسيا وأوروبا، تمثل هذه المبادرة مطيّة تركبها الصين لتوسيع نفوذها الاقتصادي والسياسي العالمي. ويعتبر هذا التوسع بالنسبة للصين بمثابة طموحات الدول العظمى.

وأدت الاحتكاكات التجارية مع الولايات المتحدة والدول الأخرى إلى زيادة الضغوط على الصين كي تفتح أسواقاً جديدة لبضائعها. وتعتبر مبادرة الحزام والطريق بمثابة قناة لتطوير أسواق تصدير جديدة، والتي من شأنها تخفيف الضغوط التجارية. وعلى الرغم من أن السوق الاستهلاكية الأفغانية صغيرة نوعاً ما، إلا أنها غير مستغلة من قبل البضائع الصينية، خصوصاً تلك التي يتم إنتاجها في مناطق غرب الصين.

مخاوف أمنية

ثمة مكسب إضافي هو الجيوسياسية. وبعد عقود من وجود الهيمنة «المجاور»، ولكن على درجة من التردد للانخراط في القضايا الأفغانية، يبدو أن الصين باتت مستعدة، إلى حد ما، لملء فراغ السلطة الناجم عن انسحاب الدول الغربية من أفغانستان.

ويؤمّن الوجود الكبير في أفغانستان للصين فرصة لتعزيز سلطتها ونفوذها الإقليميين. وعن طريق القيام بذلك، يمكنها المساهمة في جلب الاستقرار لأفغانستان. وبالتالي فإن مثل هذا الدور الذي ستقوم به يمكن أن يساعد على تحسين صورة الصين كقوة عظمى صاعدة ومسؤولة.

وحتى الآن، لاتزال الصين غير مقتنعة بالاضطلاع بدور أمني في أفغانستان، لأن هذا ربما سيؤدي إلى حدوث احتكاك مع دول أخرى، ويزيد تعرّضها للتهديدات من قبل المجموعات الإرهابية العالمية. ولكن حدوث أي تغير في استراتيجيتها لزيادة الاستقرار الاقتصادي لأفغانستان يمكن أن يسهم في تقليل نقاط الضعف الأمنية لدى الصين. 


• الوصول إلى الموارد الطبيعية الأفغانية لا يوفر الحوافز الاقتصادية للصين فقط، بل يزيد من وجودها التجاري في الدولة.

• أدّت الاحتكاكات التجارية مع الولايات المتحدة والدول الأخرى إلى زيادة الضغوط على الصين كي تفتح أسواقاً جديدة لبضائعها.

• تأتي زيادة تعامل الصين مع أفغانستان ضمن أولويات الصين من أجل الحفاظ على أمن الطاقة على المدى القصير.

خوسيه كاباليرو.. خبير اقتصادي - مركز المنافسة الدولية

تويتر