لأن واشنطن الحليف الأقوى لإسرائيل

زيارة بلينكن لا تنطوي على أهمية كبيرة بالنسبة للفلسطينيين

صورة

كانت تلك أشد الهجمات الإسرائيلية فتكاً منذ سنوات، والتي أودت بحياة تسعة فلسطينيين على الأقل في مخيم جنين، أعقبها هجوم قام به أحد الفلسطينيين على كنيس إسرائيلي في القدس، نجم عنه مقتل سبعة من الإسرائيليين. وفي انعكاس لمدى ترسخ دائرة العنف في الديار المقدسة، اتضح أن منفذ الهجوم على الكنيس الإسرائيلي، قتل جده قبل 25 عاماً من قبل يهودي متعصب، وقد بات الرفقاء الأيديولوجيون لهؤلاء المتعصبين ضمن السلطة الحاكمة في إسرائيل.

ولدى وصول وزير الخارجية الأميركي، توني بلينكن، إلى إسرائيل، دعا إلى اتخاذ «خطوات عاجلة لاستعادة الهدوء» بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ولكن هذه التوسلات ربما لن تذهب بعيداً. وتأتي زيارة بلينكن إلى إسرائيل والضفة الغربية ولقاؤه مع رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، وفيما بعد مع الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في لحظات عصيبة، إذ إن التوتر مرتفع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، بعد تزايد الهجمات التي قام بها المستوطنون اليهود في الضفة الغربية، والاقتحامات التي قامت بها قوات الأمن الإسرائيلية على الفلسطينيين، إضافة إلى الهجمات التي قام بها المسلحون الفلسطينيون. وهناك اضطراب، أيضاً، داخل النظام السياسي الإسرائيلي، بالنظر إلى أن الائتلاف الحاكم يتشكل من جماعات اليمين المتطرف، الموجودين في الحكومة الإسرائيلية، وهم عازمون على تغيير النظام السياسي في البلد، وهي خطوة يخشى المراقبون أن تؤدي إلى تدمير الديمقراطية الإسرائيلية، وتمهد الطريق لمزيد من تجريد الفلسطينيين من ملكياتهم وحقوقهم.

عودة نتنياهو إلى السلطة

ويبدو أنه ليس هناك الكثير من الود بين نتنياهو والرئيس الأميركي جو بايدن على الرغم من موقف الأخير الداعم دائماً لإسرائيل. وكانت إدارة بايدن تأمل في أن يتمكن الائتلاف الذي سبق نتنياهو في إسرائيل، من ترسيخ نفسه ويخفض درجة التوتر في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي يعتبر الأكثر استعصاء على الحل في الشرق الأوسط. ولكن ذلك الائتلاف انهار وعاد نتنياهو إلى السلطة بعد انتخابات جرت في نوفمبر الماضي والتي جلبت أشد الحكومات تطرفاً في تاريخ إسرائيل.

وفي مؤتمر صحافي مشترك مع نتنياهو لمح بلينكن إلى قضية تغيير النظام القضائي، وكذلك إلى حيوية المجتمع المدني في إسرائيل. ولكن نتنياهو رد عليه بسرعة قائلاً «نحن نتشارك معكم المصالح المشتركة ذاتها، وكذلك القيم المشتركة أيضاً»، وأضاف «واطمئنك بأننا سنظل نظامين ديمقراطيين قويين»، وكانت تلك المصالح المشتركة على رأس أجندة بلينكن، وبصورة رئيسة المخاوف المشتركة بشأن إيران، وبرنامجها النووي المتطور، إضافة إلى أن المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين يعملون على إزالة العقبات أمام المواطنين الإسرائيليين كي يتمكنوا من السفر إلى الولايات المتحدة دون تأشيرة دخول.

عملية السلام الميتة

ولكن الأمر الذي كان أقل وضوحاً بكثير، هو ما الذي يمكن أن تفعله إدارة بايدن لإحياء عملية السلام الميتة بين إسرائيل والفلسطينيين وتوفير أي مضمون لإصرار الولايات المتحدة على أنها تؤمن بحل الدولتين، والذي مفاده إنشاء دولة فلسطينية مستقلة. وتعتبر الحكومة الإسرائيلية الحالية نتاج تحول نحو اليمين منذ زمن طويل في سياسة هذا البلد، إلى الحد الذي وصل فيه يهود متطرفون إلى السلطة، وهم يعارضون وبنشاط وجود أي دولة فلسطينية، ويدفعون باتجاه السياسات العنصرية ضد العرب في المناصب الوزارية.

وفي هذه الأثناء، تفقد السلطة الفلسطينية، التي تفتقر إلى الشعبية بصورة متزايدة، والتي يقودها عباس، سلطتها على الضفة الغربية، حيث يرى العديد من الفلسطينيين الآن، أن السلطة أصبحت شريكاً للاحتلال الإسرائيلي. ولسنوات عدة أصبح الوضع الراهن، حيث ملايين الفلسطينيين الموجودين يمتلكون حقوقاً أقل من جيرانهم الإسرائيليين، مقبولاً لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل، التي تحتفظ بالسيطرة على الضفة الغربية كأمر واقع، في حين أن واشنطن تحميها في المحافل الدولية. وبالتالي أصبح حل الدولتين في خبر كان.

ولطالما استندت إدارة الرئيس السابق، دونالد ترامب، في سياستها إزاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على ما تلقنها حركة المستوطنين اليهود ما الذي يتعين فعله من أجل السلام في الشرق الأوسط، حيث كانت تروج هذه الحركة لرؤية عن السلام لا تنطوي على تأسيس دولة فلسطينية، والفلسطينيون أنفسهم أخذوا يركزون على افتقارهم للحقوق، وليس على قيام الدولة الفلسطينية.

خطاب أقوى

وبالطبع لم يسمع أحد هذه المخاوف العميقة من بلينكن، كما أن الناشطين، والمحللين الفلسطينيين لا يرون الولايات المتحدة كوسيط حسن النية بين الجانبين. ولم يدع بلينكن «لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي والاستيطان في الأراضي الفلسطينية، ولم يدن المناورات السياسية للحكومة المتطرفة». وأبلغتني المحللة السياسية الفلسطينية، يارا هواري، قائلة «بالنسبة للفلسطينيين فإن زيارة بلينكن ليست ذات أهمية. فنحن لا نتوقع أي شيء مهم من الإدارة الأميركية، فهي الحليف الأقوى لإسرائيل».

وتوقع بعض الإسرائيليين سماع خطاب أقوى من بلينكن وزملائه، ورسائل تمس الواقع الجاري. ويقول، نمرود نوفيك، كبير المستشارين السابق لرئيس الحكومة السابق شيمون بيريز «ثمة إحساس أن واشنطن لاتزال في مزاج يتعلق بالعام الماضي. أي مزيج من التعبيرات بالقلق مع توقعات بالحاجة إلى الاهتمام بالقضية مرة أو مرتين سنوياً، عندما يتم استدعاء رجال الإطفاء، وهذا غير كافٍ بالنظر إلى طبيعة الأوضاع في إسرائيل»، وأضاف نوفيك «لكن اتساع وتيرة التغيير التي تهدد الديمقراطية الإسرائيلية، وأمننا واستقرار المنطقة، تتطلب تطبيق أقوى لكبح الفرامل»، ولكن في وقت الأزمات، من الصعب تخيل أن إدارة بايدن ستعمل على إنفاق مقدار كبير من رأس المال السياسي على واحد من أقدم الصراعات في العالم.

• يبدو أنه ليس هناك الكثير من الود بين نتنياهو وبايدن، على الرغم من موقف الأخير الداعم دائماً لإسرائيل.

• إدارة بايدن كانت تأمل في أن يتمكن الائتلاف الذي سبق نتنياهو في إسرائيل، من ترسيخ نفسه ويخفض درجة التوتر في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي يعتبر الأكثر استعصاء على الحل في الشرق الأوسط.

• تعتبر الحكومة الإسرائيلية الحالية نتاج تحول نحو اليمين منذ زمن طويل في سياسة هذا البلد، إلى الحد الذي وصل فيه يهود متطرفون إلى السلطة، وهم يعارضون وبنشاط وجود أي دولة فلسطينية، ويدفعون باتجاه السياسات العنصرية ضد العرب في المناصب الوزارية.

ايشان ثارور ■ كاتب في الشؤون الخارجية في «واشنطن بوست»

تويتر