بعد الكلفة الاقتصادية العالية التي تكبدتها بريطانيا بعد البريكست

ثلثا البريطانيين يرغبون في العودة إلى أحضان الاتحاد الأوروبي

صورة

صادف الموافق 31 يناير الذكرى الثالثة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، الذي يُعرف اختصاراً بـ«بريكست»، كما صادف التاريخ نفسه مُضي 50 عاماً على انضمام بريطانيا إلى المجموعة الاقتصادية الأوروبية. ومع حلول الذكرى الثالثة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يبدو أن هناك ندماً من معظم الشعب البريطاني بعد اتخاذ هذه الخطوة التاريخية الفاصلة، إذ لم تعد الحياة هي نفسها، وتعرضت البلاد لنكبات اقتصادية لم تكن تتوقعها.

و أظهر استطلاع جديد للرأي أن ما يقرب من ثلثي البريطانيين يؤيدون الآن استفتاء على العودة إلى الاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي تواجه فيه بريطانيا تحديات اقتصادية صعبة، بعد الانفصال عن شريكها التجاري الرئيس، وهناك خيبة أمل متزايدة بين السكان بشأن الوعود التي قطعها مؤيدو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وقد انعكس ذلك في الاستطلاع الأخير، حيث أظهر أن ما يقرب من ثلثي البريطانيين يريدون إجراء استفتاء ثانٍ، ومن المتوقع الآن أن يذهب التصويت لمصلحة العودة إلى الاتحاد الأوروبي.

وهناك استطلاع آخر كشف أن أعداد الذين يريدون تصويتاً ثانياً ارتفعت إلى 65%، مقارنة بـ55% قبل عام. وللمرة الأولى، يظهر هذا الاستطلاع أيضاً أن الأغلبية (54%)، تعتقد أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان قراراً خاطئاً، بزيادة من 46% العام قبل الماضي.ويظهر استطلاع جديد، أجرته شركة آيبسوس، والذي تم إجراؤه بعد ثلاث سنوات من مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي رسمياً، أن 45% يعتقدون أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يسير أسوأ مما كانوا يتوقعون، ارتفاعاً من 28% في يونيو 2021.

وتبدو الأرقام متشابهة عندما سئلوا عن تأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على حياتهم اليومية، حيث يعتقد نحو 45% أن خروج بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي زاد الأمر سوءاً (دون تغيير منذ يونيو 2022)، مقابل 37% ذكروا أنه لم يحدث فرق، وقال واحد من كل 10 (11%) إنه قد حسن حياتهم.

وعند السؤال عن النتائج السلبية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تأتي الحواجز المتزايدة أمام التجارة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي في المقدمة، كما ذكرها اثنان من كل خمسة (40%)، بزيادة 13 نقطة مئوية عن آخر استبيان في مارس 2021. أيضاً ثلاثة من بين كل 10 أشخاص يقولون إن تلك الحواجز وضعت حداً لحرية التنقل (30%)، وواحد من كل أربعة يشير إلى تعاون دولي أقل بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي (26%).

من ناحية أخرى، عند السؤال عن النتائج الإيجابية، ذكر أكثر من واحد من كل خمسة أن بريطانيا أصبحت تسيطر على قوانينها وأنظمتها (23%)، وقدرتها على الاستجابة لوباء «كوفيد-19» بشكل أفضل (22%)، وأنها قادرة على اتخاذ قراراتها بشكل عام (21%). ومع ذلك، فإن نحو واحد من كل أربعة (24%) يقول إنه لا توجد نتائج إيجابية.

كلفة عالية

يكلف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الاقتصاد البريطاني 100 مليار جنيه إسترليني سنوياً (124 مليار دولار)، مع آثار تمتد داخل كل شيء، بدءاً من الاستثمار التجاري، وصولاً إلى قدرة الشركات على توظيف العمال.

ويرسم تحليل أجرته بلومبيرغ إيكونوميكس، بعد ثلاث سنوات من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، صورة قاتمة للضرر الذي أحدثته الطريقة التي نفذت بها حكومة المحافظين الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.

ويعتقد الاقتصاديان، آنا أندريدي، ودان هانسون، أن الاقتصاد انكمش بنسبة 4%، مع تخلف الاستثمار في الأعمال بشكل كبير في الوقت الذي يتسع فيه النقص في عدد العمال من الاتحاد الأوروبي.

وفي مذكرة نُشرت الثلاثاء، يتساءل كل من اندريدي وهانسون «هل ارتكبت المملكة المتحدة فعلاً من أفعال الإيذاء الاقتصادي الذاتي عندما صوتت لمغادرة الاتحاد الأوروبي في عام 2016؟»، ويتوصلان إلى إجابة بأن الأدلة مازالت تشير إلى ذلك، و«الخلاصة الأساسية هي أن الانفصال عن السوق الموحدة ربما يكون قد أثر في الاقتصاد البريطاني، بشكل أسرع مما توقعنا نحن أو معظم المتنبئين الآخرين».

هذه النتائج تدحض ما ذهب إليه رئيس الوزراء، ريشي سوناك، من أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو «فرصة كبيرة» للمملكة المتحدة، التي بدأت تتحقق، حيث يسمح قطع العلاقات مع الاتحاد الأوروبي لبريطانيا بإنشاء منافذ حرة لتحفيز التجارة، وإصلاح قواعد الخدمات المالية لمصلحة البنوك في مدينة لندن.

وصرح سوناك في بيانه، مساء الإثنين، بقوله «لقد قطعنا أشواطاً كبيرة في تسخير الحريات التي أطلقها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لمواجهة تحديات الأجيال»، ويسترسل «سواء أبرمنا صفقات تجارية مع أكثر من 70 دولة أو استعدنا السيطرة على حدودنا، فقد قمنا بصياغة مسار مميز كدولة مستقلة تتمتع بالثقة».

تبلور فكرة الانفصال

بدأت قصة انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي قبل وقت طويل من قرار 52% من الناخبين في استفتاء يونيو 2016 لمغادرة الكتلة. وفيما يلي نظرة مختصرة عن أسباب خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي:

في عام 1973، انضمت المملكة المتحدة إلى المجموعة الاقتصادية الأوروبية، ومنذ البداية، انقسم الرأي العام والسياسيون حول قيمة العضوية. وكتبت صحيفة الغارديان في افتتاحية في الأول من يناير 1973: «في هذه الحالة، يجب الاعتراف بأن جزءاً كبيراً من البلاد ليس سعيداً بالنتيجة. ستكون الرحلة إلى أوروبا مليئة بالمطبات ومتناقضة».

بعد ذلك بعامين فقط، في عام 1975، أجرت المملكة المتحدة أول استفتاء وطني، بشأن العضوية في المجتمع الأوروبي. ودافع المحافظون، بقيادة رئيسة الوزراء الراحلة، مارغريت تاتشر، عن البقاء ضمن الاتحاد. ونادت تاتشر بـ«نعم» ضخمة لأوروبا في الاستفتاء، وارتدت سترة على شكل يورو. ووافق نحو 67% من البريطانيين على البقاء ضمن الاتحاد، إلا أن ذلك لم يحسم مسألة مكانة المملكة المتحدة داخل أوروبا، ففي العقود الأربعة التالية تغيرت المملكة المتحدة وكذلك أوروبا.

ثم جاء الاستفتاء.

عام 2013، وعد رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، ديفيد كاميرون، بأنه إذا فاز حزبه المحافظ في الانتخابات، فإنه سيجري استفتاء حول ما إذا كان ينبغي أن تظل المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي أم ستغادر. استسلم كاميرون جزئياً لضغوط الجناح الأيمن لحزبه وحزب الاستقلال في المملكة المتحدة، الحزب اليميني الذي يحبذ الخروج من الاتحاد الأوروبي.

فاز كاميرون، ووفي بوعده، وأجرت المملكة المتحدة استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 23 يونيو 2016. وكان هناك خياران: مغادرة الاتحاد الأوروبي أو البقاء داخله. دعم كاميرون البقاء، ولكنّ أعضاء بارزين آخرين في حزبه لم يفعلوا ذلك. وانضم عمدة لندن السابق الشهير، بوريس جونسون، الذي أصبح رئيساً للوزراء فيما بعد، إلى حملة التصويت للخروج من التكتل. وصوت 17.4 مليون شخص لمصلحة المغادرة. وفضّلت إيرلندا الشمالية واسكتلندا للبقاء، بينما فضّل الإنجليز والويلزيون المغادرة.

الأزمة الاقتصادية ومستقبل بريطانيا

أدت الأزمة المالية في عام 2008، والأزمة الاقتصادية في منطقة اليورو التي أعقبتها، إلى زيادة الشكوك حول مستقبل الاتحاد الأوروبي، كما زاد تدفق المهاجرين من دول الاتحاد الأوروبي الفقيرة داخل بريطانيا، وقدوم لاجئين ومهاجرين من أماكن أخرى، مثل الشرق الأوسط وإفريقيا - زاد الوضع

تصاعد جرائم الكراهية ضد الأجانب

تلا خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي زيادة حادة في عدد الجرائم العرقية أو الدينية، التي سجلتها الشرطة في إنجلترا وويلز بعد الاستفتاء على البريكست. ففي يوليو 2016، سجلت الشرطة زيادة بنسبة 41% مقارنة بالشهر نفسه من العام السابق، وفقاً لتقرير وزارة الداخلية.

إحدى المقيمات السابقات في منطقة بليموث قالت إنها غادرت المملكة المتحدة بعد أكثر من 20 عاماً، بسبب المضايقات وجرائم الكراهية الموجهة ضد الأجانب، واضطرت سيمون جيمس، الألمانية الأصل، إلى مغادرة بريطانيا، بعد أن كانت تعيش مع زوجها البريطاني هناك. وتحدثت عن الإساءات التي تعرضت لها شخصياً، لذلك ابتعدت عن هذا البلد الذي ظلت تحبه. واتخذت سيمون القرار الصعب للغاية، وغادرت المملكة المتحدة نهائياً، واستقلت عبارة إلى سانتاندير من أجل حياة جديدة في إسبانيا.

تقول «أعزائي ناخبي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لقد اتبعت التعليمات التي قدمتموها لي خلال السنوات القليلة الماضية - نعم، سأعود إلى الاتحاد الأوروبي»، وتمضي في سردها «لقد جئت إلى هنا منذ أكثر من 20 عاماً من ألمانيا، بعد أن قابلت زوجي البريطاني، عملت بجد دون توقف، ودفعت جميع الضرائب، وأسهمت في المجتمعات المحلية والمجتمع، واندمجت فيها، وقضيت 16 عاماً من عملي في مساعدة البريطانيين الضعفاء والمحرومين لكي يقفوا على أقدامهم».

«أحببت العيش هنا، حتى إنني صوت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لكنني بعد الاستفتاء لم أشعر أبداً بالترحيب، ليس من قبل الجميع بالطبع، ولكن يكفي». وتابعت سيمون «إنه لأمر محزن أن أرى ما يحدث للبلد الذي أحبه، تزايد كراهية الأجانب، والخطاب الفاشي، وتحية هتلر التي تحملتها شخصياً. إنه أمر مؤلم».

يعتقد نحو 45% أن خروج بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي زاد الأمر سوءاً (دون تغيير منذ يونيو 2022)، مقابل 37% ذكروا أنه لم يحدث فرق، وقال واحد من كل 10 (11%) إنه قد حسن حياتهم.

مع حلول الذكرى الثالثة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يبدو أن هناك ندماً من معظم الشعب البريطاني بعد اتخاذ هذه الخطوة التاريخية الفاصلة، إذ لم تعد الحياة هي نفسها، وتعرضت البلاد لنكبات اقتصادية لم تكن تتوقعها.

تويتر