بعد عقد من المشاحنات والخلافات

علاقة جديدة بين باكستان والولايات المتحدة تبرز أخيراً

صورة

يبدو أن العلاقات الباكستانية الأميركية تسير في الطريق الصحيح، ومن غير الواضح كيف سيتم ذلك، ولكن كلا الجانبين حريص على المضي قدماً بعد عقد من المشاحنات التي جعلت هذه العلاقة في أسوأ حالاتها منذ تشكلها.

علاقة مضطربة

خلال العقدين الماضيين كانت العلاقة بين واشنطن وإسلام أباد تستمد قوتها من الحرب في أفغانستان، وكانت باكستان توفر للجيش الأميركي الدعم اللوجستي والاستخباراتي، وكانت باكستان تحصل لقاء ذلك على مساعدات أميركية سخية، ولكن فشل واشنطن في أفغانستان جعل المساعدة الباكستانية في أدراج الرياح، كما عانت باكستان رد فعل سلبياً من هذه الحرب، وأصبحت مساعدات واشنطن غير ذات أهمية.

وأصبحت جهود باكستان الناجحة في جلب حركة «طالبان» إلى طاولة المفاوضات غير مهمة، بالنظر إلى أن اتفاقية إدارة الرئيس دونالد ترامب كانت خاطئة، وجعلت «طالبان» تفوز بالمعركة السياسية دون نصر عسكري. وأسهمت فرحة رئيس الحكومة الباكستانية السابق عمران خان لانتصار «طالبان»، وانتقادات السياسات الأميركية في وسائل الإعلام الأميركية، في جلب مزيد من الإهانة إلى الضرر الحاصل للولايات المتحدة، ما أثار ردود فعل عنيفة في واشنطن. وعبّر الجمهوريون في الكونغرس عن غضبهم عن طريق إلقاء اللوم على باكستان التي تمنح «طالبان» ملاذاً آمناً، وهددوا بفرض عقوبات على إسلام أباد.

ومع ذلك، ففي جلسة للكونغرس في سبتمبر عام 2021، قال وزير الخارجية، انتوني بلينكن، إن واشنطن «ستنظر ليس إلى الدور الذي لعبته باكستان خلال العقدين الماضيين، وإنما إلى الدور الذي نريدها أن تلعبه في السنوات المقبلة».

إعادة تصور العلاقة

بالنظر إلى أن حرب أفغانستان أصبحت من الماضي، كما أن خان لم يعد في السلطة، قررت الولايات المتحدة وباكستان إيجاد معنى جديد لعلاقتهما. وخلال سبعة عقود من عمر العلاقات بين البلدين، ورغم المطبات التي شابت هذه العلاقة، إلا أن الدولتين كانتا تعودان إلى بعضهما دائماً.

وتدرك الولايات المتحدة وباكستان الآن أنه إذا كانتا تريدان إحياء علاقتهما يجب أن تكون دائمة، وذات منفعة مشتركة، وتحظى بدعم الجميع. وجاء الحافز لتنشيط العلاقة من الجهتين، وإن كانت المبادرة جاءت من واشنطن، التي تركز الآن على باكستان بعد انتهائها من حرب أفغانستان.

عودة التفكير في باكستان

وتعيد باكستان التفكير في هذه العلاقة، خصوصاً لدى النخبة الحاكمة، لأن الصعوبات الاقتصادية والتحديات، وعدم الاستقرار الداخلي، والتهديدات الخارجية التي تواجهها باكستان، تستلزم علاقات جيدة مع واشنطن، ولكن العلاقات الأميركية الباكستانية لم تعد تستند إلى نموذج العلاقة بين الجانبين في الفترة ما بين 1954 و1965، عندما عمدت واشنطن إلى تقوية قدرات باكستان الدفاعية لمصلحتها، وكذلك تطورها الاقتصادي.

ولكن منذ تلك الفترة لم تعد باكستان هي الدولة المهمة بالنسبة لواشنطن، وإنما خدماتها، حيث سمحت إسلام أباد لواشنطن بالتلاعب بالسلطة غير المتوازنة، والضعف الهيكلي لنظامها الذي يعتمد على النخبة، وأصبحت دعامة خارجية لحفظ النظام، وبالتالي تطور نوع من اعتماد الدولتين على بعضهما بعضاً، الأمر الذي خدم السياسات الخاطئة لدى الطرفين، ما فتح الباب أمام كل طرف لإلقاء اللوم على الآخر نتيجة لإخفاقاته، وزاد من تعقيد العلاقة بين البلدين.

السياق الأوسع

على الرغم من رغبة باكستان في توسيع نطاق العلاقة، إلا أن أولويات أميركا تظل محدودة، وتركز على الصين وأفغانستان، وإن كانت واشنطن يمكن أن تتابع هذه الأولويات، ولكن في سياق أكثر اتساعاً. وليس لدى الولايات المتحدة أي مصالح اقتصادية مهمة مع باكستان، بيد أن علاقتها الاقتصادية معها مهمة من أجل تحقيق أهدافها في المنطقة. وتجري مناقشة العديد من المجالات للتعاون المحتمل، بما فيها تقنية الطاقة، والزراعة، والذكاء الاصطناعي. وترغب واشنطن في تقديم المساعدة في مجال الرعاية الصحية والتعليم، إذ إن باكستان المستقرة من الناحية الأمنية والاقتصادية والسياسية، ربما تكون أساسية لإنجاز أهداف واشنطن الأمنية والاستراتيجية في المنطقة.

وفي الحقيقة، فإن رغبة باكستان في علاقات أفضل مع واشنطن والهند، تلتقي مع الأهداف العريضة لأميركا في جنوب آسيا، ولكن واشنطن مهتمة الآن أكثر بالاستقرار، لأن ذلك يصب في مصلحة استراتيجيتها في المحيطين الهندي والهادي.

جهود العلاقات العامة لواشنطن

تدرك واشنطن أنها إذا أرادت إعادة علاقاتها الطيبة مع باكستان، عليها القبول بالعداء المتفشي لأميركا في باكستان، ولهذا يجب أن تركز أميركا فوراً على أعمال تقدم مصلحة كبيرة للشعب الباكستاني، مثل أعمال الإغاثة من الفيضانات التي حظيت بتغطية كبيرة، وكذلك مساعدات إعادة الإعمار. ومن خلال بياناتها وأفعالها، تقدم الولايات المتحدة الانطباع بأنها لا تعود إلى باكستان لتنفيذ أجندتها المتمثلة في شراء الصداقات التي تستفيد منها النخبة. وباتت باكستان لفترة ضحية للإرهاب، وشريكاً في الحرب على المجموعات الإرهابية، التي شجعتها عودة «طالبان».

وعانت باكستان من 1007 هجمات إرهابية عام 2022، قامت بتنفيذ معظمها حركتا «طالبان باكستان» و«داعش خراسان». وفي مؤتمر صحافي في ديسمبر، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس «لقد شاركنا أصدقاءنا الباكستانيين، لمساعدتهم في الرد على هذه التحديات»، وأضاف «نسعى إلى شراكة قوية مع باكستان لمواجهة الإرهاب، ونتوقع عملاً متواصلاً ضد جميع المجموعات الإرهابية».

وتتخذ واشنطن خطوات تحظى بالقبول الشعبي، فقد تضمنت حزمة الإنفاق الشامل، التي بلغت 1.7 تريليون دولار، 200 مليون دولار لتشجيع المساواة بين الجنسين في باكستان، أي بزيادة 20 ضعفاً عما كانت عليه في عام 2020.

وفي الواقع، فإن العلاقة بين باكستان والولايات المتحدة تخدم العديد من المصالح الأميركية، ولكن محور هذه العلاقة ربما لا يجري الحديث عنه، فهل تكون هذه العلاقة هي الجزء المفقود في استراتيجية أميركا في المحيطين الهندي والهادي؟

توقير حسين سفير باكستاني سابق ومستشار دبلوماسي لرئيس الحكومة

تدرك الولايات المتحدة وباكستان الآن أنه إذا كانتا تريدان إحياء علاقتهما يجب أن تكون دائمة، وذات منفعة مشتركة، وتحظى بدعم الجميع.

أصبحت جهود باكستان الناجحة في جلب حركة «طالبان» إلى طاولة المفاوضات غير مهمة، بالنظر إلى أن اتفاقية إدارة الرئيس دونالد ترامب كانت خاطئة، وجعلت «طالبان» تفوز بالمعركة السياسية دون نصر عسكري.

واشنطن لا يمكنها تجاهل إسلام أباد

تتسم العلاقات بين الهند وباكستان بالتعقيد والحساسية المفرطة، لذلك تحتاج مختلف الدول، خصوصاً الكبرى، إلى قدر كبير من الحكمة والكياسة في التعامل معهما.

ومن الملاحظ أن إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، ركزت في أسلوب تعاملها في جنوب آسيا أساساً على الارتقاء بمستوى العلاقات بين الولايات المتحدة والهند. فعلى سبيل المثال، أرسلت الإدارة وزير الدفاع، لويد أوستن، للقاء القادة الهنود في نيودلهي.

وحتى عندما سعت إدارة بايدن إلى تطوير علاقاتها مع الهند، تجاهلت إلى حد كبير الدولة الكبيرة الأخرى المسلحة نووياً في جنوب آسيا، باكستان. وتجاهل وزير الدفاع، لويد أوستن، باكستان في زيارته الأخيرة للمنطقة، كما فعل جون كيري، المبعوث الأميركي للمناخ.

ولم يتحدث الرئيس، جو بايدن، حتى مع رئيس الوزراء الباكستاني، عمران خان، في حين التقى مستشارا الأمن القومي الباكستاني والأميركي، مؤيد يوسف، وجاك سوليفان، في جنيف في وقت سابق من العام الماضي.

وقال الاستاذ في قسم شؤون الأمن القومي بكلية الدراسات العليا البحرية الأميركية، بول كابور، في تقرير له نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء، إن من المنطقي أن تعطي إدارة بايدن أولوية للعلاقات مع الهند على علاقتها مع باكستان، ورغم الشراكة الظاهرية بين الولايات المتحدة وباكستان على مدى السنوات الـ20 الماضية في الحرب العالمية على الإرهاب، تراجعت العلاقات بين البلدين بشكل كبير خلال تلك الحرب.

واتبعت باكستان في الغالب أسلوباً يتعارض مع أغراض الولايات المتحدة، اتسم بمساندة حركة «طالبان» والجماعات ذات الصلة، وتقويض جهود التحالف لتحقيق الاستقرار في أفغانستان. من جهة أخرى، أقامت الولايات المتحدة والهند شراكة وثيقة، حيث أصبحت الهند محور جهود الولايات المتحدة لموازنة قوة الصين المتزايدة في منطقة المحيطين الهندي والهادي.

ورغم ذلك، لاتزال باكستان قوة إقليمية يحسب لها حساب، حيث تمتلك قدرة كبيرة في ما يتعلق بالأسلحة النووية، وهي تخوض منافسة أمنية منذ فترة طويلة مع الهند، كما تتمتع بعلاقة وثيقة مع الصين، ولها نفوذ كبير في أفغانستان. ويقلص عدم التواصل مع باكستان قدرة الولايات المتحدة على فهم موقف باكستان، وإمكانية التأثير في تصرفاتها، في هذه المجالات المهمة. ويرى كابور، الذي يعمل أيضاً ضمن فريق تخطيط السياسات بوزارة الخارجية الأميركية، أنه لذلك، لا يتعين على إدارة بايدن الاستمرار في تجاهل باكستان، ولكن يجب عليها في إطار جهودها لتحقيق توازن أفضل، ألا تفرط في تصحيح نهجها، وألا تذهب بعيداً في مسار تعاون الولايات المتحدة مع باكستان.

تويتر