لن تتمكن برلين بعد الآن من لعب دور الوسيط مع موسكو

قرار شولتس إرسال دبابات إلى أوكرانيا يقلب علاقات ألمانيا مع روسيا

صورة

بعد شهور من التردد، أعلن المستشار الألماني أولاف شولتس، الأربعاء الماضي، أن ألمانيا سترسل 14 دبابة ليوبارد2 إلى أوكرانيا، كما أنه سيسمح للدول الأوروبية التي اشترت الدبابات من ألمانيا بإرسالها إلى كييف.

وتقول الزميلة البارزة غير المقيمة بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، جودي ديمبسي، إنه بعد ضغط مستمر من الولايات المتحدة، ومن كثير من حلفاء ألمانيا الأوروبيين، أنهى شولتس فصلاً من قيادته التي مضى عليها 13 شهراً، وحملت في طياتها خطر عزل ألمانيا، وانقسام أوروبا، وإلحاق ضرر بالغ بعلاقات برلين مع الولايات المتحدة.

وذكرت ديمبسي في تقرير نشرته مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، أن شولتس قال للبرلمان الألماني إن قراره يتماشى تماماً مع تصرفاته السابقة. وقال إن ألمانيا لا تريد تصعيد الحرب في أوكرانيا، الذي زعمت روسيا أنه سيكون نتيجة لإرسال الدبابات، ولذلك السبب لم يكن مستعداً للسماح للدول الأخرى بتزويد أوكرانيا بدبابات ليوبارد2 أو القيام بذلك بصورة منفردة من دون غطاء من الولايات المتحدة، ولم يدع قرار الرئيس جو بايدن بارسال 32 دبابة إم 1 أبرامز إلى أوكرانيا أي مزيد من المبررات لشولتس.

الفصل التالي

وقالت ديمبسي إنه يحل الآن الفصل التالي للمستشار الألماني، ولن يكون فصلاً سلساً حتى بالمقارنة بالفصل السابق، لسببين: أولهما التداعيات داخل حزبه الاشتراكي الديمقراطي، فالجناح اليساري في الحزب كان دائماً ضد إرسال الدبابات، وحتى ضد تسليح أوكرانيا، ولا يرجع هذا فقط إلى أنهم دعاة سلام، ومشاعرهم متناقضة بالنسبة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) والولايات المتحدة، فهم يرون أن الحرب التي بدأتها روسيا تؤدي تدريجياً إلى إنهاء عقود من العلاقات الوثيقة للغاية بين ألمانيا وروسيا.

فالعلاقات التي نصت عليها «السياسة الشرقية»، صاغها في ستينات القرن الماضي المستشار وزعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي فيلي برانت، من أجل زيادة تقريب روسيا من أوروبا، وحتى دمجها في جزء ألمانيا من القارة الأوروبية.

وعندما أبرم القادة الألمان اتفاقاً مع موسكو لتشييد وتمويل أول خط أنابيب للغاز في مطلع سبعينات القرن الماضي، حذرتهم الولايات المتحدة من مخاطر هذا العقد الخاص بالطاقة، فواشنطن كانت ترى أن العقد محاولة من جانب موسكو لإضعاف الارتباط عبر الأطلسي من خلال إقامة علاقة خاصة مع ما كان يعرف آنذاك بألمانيا الغربية، أما الحزب الاشتراكي الديمقراطي فكان يعتبرعقد الطاقة وسيلة لـ«تحرير» ألمانيا من بعض الهيمنة الجارفة لأميركا في أوروبا الغربية.

تحدي مبدأ «السياسة الشرقية»

وكان يُعتبر تقريباً زنديقاً أي قائد من قادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي يعارض التقارب المتزايد لألمانيا مع موسكو، وعندما واجه هيلموت شميدت، وهو مستشار آخر من الحزب الاشتراكي الديمقراطي تظاهرات واسعة النطاق ضد نشر الولايات المتحدة صواريخ بيرشنغ، رداً على نشر موسكو صواريخ إس إس - 20 في ألمانيا الشرقية - حقق مبتغاه - لكن لم يُغفر له مطلقا تحديه لمبدأ «السياسة الشرقية» الأيديولوجي والسياسي.

وتضيف ديمبسي أنه منذ ثمانينات القرن الماضي قام الحزب الاشتراكي الديمقراطي (بدعم من الحزب المسيحي الديمقراطي المحافظ وحزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي) بتكثيف هذه العقود الاقتصادية والسياسية مع روسيا. وتمثلت الجائزة الكبرى للحزب الاشتراكي الديمقراطي، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في تشييد خطوط أنابيب نورد ستريم، التي أتاحت لروسيا إرسال الغاز مباشرة لألمانيا تحت بحر البلطيق. وحذرت بولندا ودول البلطيق والولايات المتحدة ألمانيا مراراً وتكراراً من اعتمادها المتزايد في الطاقة على روسيا.

ولم يتخل شولتس عن خط أنابيب نورد ستريم 2 إلا بعد ضغط شديد عقب بدء الحرب الروسية الأوكرنية في فبراير الماضي، وكذلك فإنه في ظل الضغط المتزايد الذي واجهه بشأن الدبابات خضع شولتس للضغط في ما يتعلق بخط أنابيب نورد ستريم.

جبهة معارضة

ومع ذلك، أعرب مسؤولون في الحزب الاشتراكي الديمقراطي عن استيائهم إزاء إنهاء عمل خط الأنابيب، وقرار إرسال الدبابات لأوكرانيا، قائلين إن القرارين أديا إلى إهدار علاقات ألمانيا الخاصة بروسيا وحتى إلى استبعاد ألمانيا من القيام بأي دور وساطة للتفاوض لإنهاء الحرب في أوكرانيا. ومثل هذا الاستياء يمكن أن يتحول إلى جبهة معارضة ضد شولتس داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي.

وتضيف ديمبسي أن السبب الثاني في أن فصل شولتس التالي لن يكون سلساً، هو مستقبل العلاقات الألمانية الروسية، فقد هدد متحدث باسم الكرملين بأن الدبابات سوف «يتم حرقها مثل كل الدبابات الأخرى» وأنها لن تؤثر على نتيجة الحرب.

وكانت تغطية التليفزيون الرسمي الروسي لقرار برلين لاذعة، وينبغي ألا يكون رد الفعل هذا مستغرباً من جانب أي أحد، ولكنه يساعد في تفسير تردد شولتس، فبعد عام 1945، قضت ألمانيا سنوات في محاولة خلق ثقة مع روسيا من أجل التغلب على قرون من الصراع، وإعادة تشكيل هذه العلاقات المعقدة، والآن يواجه شولتس مساراً مجهولاً مع روسيا.

واختتمت ديمبسي تقريرها بالقول إنه يتعين على شولتس أن يقبل الآن، مهما كان على مضض، أنه قد انتهى دور برلين كوسيط، وكذلك انتهت علاقاتها الخاصة مع موسكو، وربما تكون نهاية هذا الفصل فرصة لشولتس لتحويل تركيز بلاده إلى أوروبا وعلاقاتها عبر الأطلسي في هذا المسرح العالمي الجديد.

• يتعين على شولتس أن يقبل الآن مهما كان على مضض أن علاقات برلين الخاصة مع موسكو قد انتهت.

• عندما أبرم القادة الألمان اتفاقاً مع موسكو لتشييد وتمويل أول خط أنابيب للغاز في مطلع سبعينات القرن الماضي، حذرتهم الولايات المتحدة من مخاطر هذا العقد الخاص بالطاقة.

• منذ ثمانينات القرن الماضي قام الحزب الاشتراكي الديمقراطي (بدعم من الحزب المسيحي الديمقراطي المحافظ وحزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي) بتكثيف العقود الاقتصادية والسياسية مع روسيا.

تويتر