محاولة الانقلاب تضع الألمان على حافة الانهيار العصبي

في وقت مبكر من يوم الأربعاء الماضي، انتشر الآلاف من عناصر الشرطة الألمانية، الذين يرتدون أقنعة، في جميع أنحاء البلاد، واعتقلوا 25 شخصاً وصادروا أسلحة، في ما وصفته السلطات بأنه مؤامرة «شيطانية» للإطاحة بالحكومة في البلاد، وإعادة النظام الملكي. وقال كبير المدعين في القضية إن «الذراع العسكرية» للجماعة كانت تبني خلسة «جيشاً ألمانياً جديداً». ومع ذلك، بعد يوم واحد فقط، بدت الحالة أشبه بسيناريو حلقة تلفزيونية كوميدية أكثر من كونها فيلم إثارة وعنف.

وكان زعيم العصابة المزعوم هو الأمير هاينريش الثالث عشر، وهو من سلالة أرستقراطية، عمرها 800 عام، وقالت الشرطة إن العصابة نظمت اجتماعات تآمرية في قمة تلة شلوس في ريف تورينغيا. وقام الأمير البالغ من العمر 71 عاماً والمتآمرين المزعومين، وعدد منهم متقاعدون، بتجميع ترسانة هائلة من الأسلحة، وفقاً للشرطة، تضمنت قوساً ونشاباً (سلاح من العصور الوسطى)، ومقلاعاً، وسيوفاً، بالإضافة إلى بنادق صيد عتيقة غير واضحة المعالم، ومسدسات.

حالة هشة

إن حقيقة أن ما جرى يكشف عن الحالة الهشة للنفسية القومية في الوقت الحالي أكثر مما يكشف عن استقرار المؤسسات الديمقراطية في البلاد. ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، عاش الألمان وفقاً لشعار «مقاومة البدايات»، الذي يتبعونه حرفياً.

ألمانيا ليست غريبة على الإرهابيين الخطرين. ومنذ سبعينيات القرن الماضي، قتلت مجموعة إرهابية يسارية، تعرف باسم فصيل الجيش الأحمر أكثر من 30 شخصاً. وابتداءً من عام 2000، قامت مجموعة نازية جديدة، أطلقت على نفسها اسم «الحزب الاشتراكي الوطني السري»، بموجة قتل استمرت لسنوات خلفت تسعة قتلى.

ويذكر أن محمد عطا، الذي قاد هجوم بالطائرة على مركز التجارة العالمي في نيويورك، في عام 2001، قد جمع فريقه في هامبورغ، حيث أمضى سنوات عدة كطالب.

وفي حين أنه لا يوجد شك في أن مجموعة مثل تلك التي يُزعم أن الأمير هاينريش يتزعمها ربما انتهى بها الأمر إلى قتل الناس، فإن الإيحاء بأنه كان من الممكن أن يهدد ذلك استقرار أكبر دولة في الاتحاد الأوروبي، من حيث عدد السكان، هو أمر سخيف. والهيكل الفيدرالي الألماني وحده، الذي فُرض على البلاد بعد الحرب العالمية الثانية لمنع مركزية السلطة (كل ولاية من الولايات الألمانية الـ16 لديها شرطة خاصة بها، على سبيل المثال)، سيجعل من الصعب حتى على قوة جيدة التنظيم الإطاحة بالحكومة، ناهيك عن مجموعة يمكن وصفها بأنها «مجنونة».

وضم فريق هاينريش المتنوع، نائباً برلمانياً سابقاً من حزب البديل اليميني المتطرف من أجل ألمانيا، وضابطاً متقاعداً في القوات الخاصة الألمانية (الذي ترك الخدمة في عام 1996 ولم يشاهد القتال في الواقع)، بالإضافة إلى مغني أوبرا، وشخص متخصص في تركيب الأسقف، وطباخ محترف. وبعد الإطاحة بالحكومة (في مرحلة ما، فكرت المجموعة في جعل وفاة الملكة إليزابيث يوم الانطلاق، لكنها لم تكن مستعدة بعد وفاتها)؛ خطط المتآمرون لإنشاء «مجلس» سياسي لإدارة البلاد تحت قيادة الأمير هاينريش.

وينتمي كثيرون من أفراد المجموعة إلى حركة هامشية تُعرف باسم «الرايخسبورغ»، الذين يؤكدون أن الجمهورية الألمانية دولة غير شرعية ويطالبون بعودة النظام الملكي. وقدرت السلطات إجمالي عدد أعضاء الرايخسبورغ في ألمانيا، الذين غالباً ما يتم القبض عليهم لعدم دفعهم الضرائب، ولديهم تاريخ في إطلاق النار على ضباط الشرطة، بنحو 20 ألفاً.

وآخرين في المؤامرة المزعومة ينتمون إلى حركة المناهضين للقاح في ألمانيا. وليس من الواضح كيف يمكن لهذه المجموعة المتناثرة الاستيلاء على المؤسسات المركزية لبلد يزيد عدد سكانه على 80 مليون نسمة. ومع ذلك، أوقفت الإذاعة الألمانية المدعومة من الدولة، برامجها لتقديم تغطية شاملة للأحداث وراحت تحذر من نهاية الديمقراطية الألمانية. وحذر مراسل قناة «أيه أر دي» التلفزيونية، مايكل جوتشينبيرغ، من أن «كل من يضحك على ذلك يرتكب خطأ».

وأحد المبادئ الأساسية لرواية الرايخسبورغ الغامضة هو أن ألمانيا أصبحت تابعة للولايات المتحدة، وهي بيدق على رقعة الشطرنج للاستعمار الأميركي. ومما لا يثير الدهشة، أن أعضاء المجموعة، بمن فيهم الأمير هاينريش، مؤيدون أيضاً لروسيا. وقالت السلطات إن هاينريش ذهب مع صديقته الروسية، التي تم القبض عليها أيضاً، إلى السفارة الروسية في برلين في محاولة لحشد الدعم لمؤامرته.

ومع ذلك، كانت المؤامرة المزعومة مجنونة للغاية بالنسبة للروس، الذين يبدو أنهم رفضوا التعاون. ويحذر خبراء الإرهاب الألمان من أن مزيجاً من جائحة «كورونا» والحرب في أوكرانيا وأزمة الطاقة في أوروبا، قد وضع البلاد على حافة الهاوية.

وقال الأستاذ في كلية كينغز كوليدج في لندن، بيتر نيومان، للإذاعة الألمانية، «سنشهد المزيد من الأحداث مثل هذا» متابعاً، «نشأ مستنقع متصل جيداً من الاحتجاجات ضد سياسات جائحة فيروس كورونا والآن أصبح هذا المشهد متطرفاً».

وعلى أية حال، لن يتغير الوضع قريباً وسيكون هناك المزيد من الأشياء التي ستقلق الألمان في المستقبل.

الهيكل الفيدرالي الألماني الذي فُرض على البلاد بعد الحرب العالمية الثانية لمنع مركزية السلطة سيجعل من الصعب حتى على قوة جيدة التنظيم الإطاحة بالحكومة.

خطط المتآمرون أن يتم بعد الإطاحة بالحكومة إنشاء «مجلس» سياسي لإدارة البلاد تحت قيادة الأمير هاينريش. ألمانيا ليست غريبة على الإرهابيين الخطرين.

ومنذ سبعينيات القرن الماضي، قتلت مجموعة إرهابية يسارية، تعرف باسم فصيل الجيش الأحمر أكثر من 30 شخصاً. وابتداءً من عام 2000، قامت مجموعة نازية جديدة، أطلقت على نفسها اسم «الحزب الاشتراكي الوطني السري»، بموجة قتل استمرت لسنوات خلفت تسعة قتلى.

20000

عضو في الرايخسبورغ، وفقاً للسلطات الألمانية.

الأكثر مشاركة