يؤثر على نهر ميكونغ في فيتنام

تغير المناخ يؤثر على دلتا النيل ودلتا نهري الغانغ وبراهمابوترا

صورة

بدأ عماد عطية رمضان زراعة الأرز في قطعة أرض مساحتها 12 فداناً (خمسة هكتارات)، على أطراف مدينة دمياط المصرية، متخلياً عن زراعة الطماطم (البندورة) التي لم تعد تنمو جيداً في تربة زادت ملوحتها بشكل كبير قرب ساحل البحر المتوسط.

ويقول رمضان وهو يجمع العشب البري من أرضه، ويتحقق من علامات تراكم الملح بها، إن الأرز يُباع بسعر أقل، لكن مياه الري المستخدمة لزراعته تساعد على تطهير الأرض من الملح، ما يعطيه الفرصة للنمو.

رمضان هو أحد عشرات آلاف المزارعين الذين يكافحون للتكيف مع زحف الملوحة في دلتا النيل، وهي مثلث أخضر خصب مكتظ بالسكان، ويتجه نحو البحر إلى الشمال من القاهرة، ويمثل أكثر من ثلث الأراضي الزراعية في مصر.

وقال رمضان: «لو تركت الأرض 10 أيام من غير أن تسقى فإنها ستفرز ملوحة على سطحها».

وعلى حدود أرضه يوجد حقل أصفر جاف قاحل بسبب الملوحة، وحاول رمضان استخدام المواد الكيميائية دون تأثير يذكر، وأكد أن ملوحة التربة «تزداد كل عام».

يقول خبراء ومزارعون إن ارتفاع الملوحة في الدلتا له أسباب متعددة، بما في ذلك الإفراط في استخراج المياه الجوفية واستخدام الأسمدة ومبيدات الآفات.

لكنهم يقولون إن الأمر يزداد سوءاً بسبب تغير المناخ الذي أدى بالفعل إلى ارتفاع مستويات سطح البحر ودرجات الحرارة في مصر، وهو موضوع مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب27) الذي تستضيفه البلاد في دورته الحالية.

وتتضمن قمة المناخ المنعقدة بمدينة شرم الشيخ المصرية خططاً لمساعدة أربعة مليارات شخص يعيشون في المناطق المعرضة للخطر، جنباً إلى جنب مع تحديد أهداف أكثر صرامة بشأن الانبعاثات المسببة لارتفاع درجة حرارة الكوكب.

خيارات التكيف

ويقول المدير العام للمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا) علي أبوسبع، إنه بالنسبة لمزارعي الدلتا، تراوح خيارات التكيف بين إنشاء أحواض زراعة مرتفعة، واستخدام قوالب الزراعة الطولية لتحسين كفاءة الري والصرف، واستخدام سلالات بذور جديدة.

وقال وائل السيد، وهو مزارع في شرق الدلتا بالقرب من مدينة الزقازيق، إن الأحواض المرتفعة ساعدته على توفير الأسمدة والمياه، وضاعفت إنتاجية محصول القمح.

لكن البعض الآخر يكافح من أجل معالجة التربة وغسلها، وهم يقومون بتجربة محاصيل جديدة، أو يعتمدون على الدورات الزراعية.

قرب مدينة سيدي سالم بمحافظة كفر الشيخ، على بعد نحو 28 كيلومتراً إلى الجنوب من البحر، أشار إبراهيم عبدالوهاب، وهو مهندس زراعي يدير أراضي 15 مزارعاً من أصحاب الحيازات الصغيرة، إلى قطعة أرض مليئة ببقع من التربة الجرداء، ونبتات القطن التي تغير لونها تأثراً بحروق الملح.

منذ نحو عقد من الزمان كانت الطماطم والخيار والبطيخ والأناناس تُزرع في تلك الأرض، ولكن الآن يتم زراعة المحاصيل الأكثر تحملاً للملوحة مثل القطن، والبنجر، والأرز. وقال عبدالوهاب، إن عدم انتظام هطول الأمطار، ونقص المياه الصالحة للري، جعلا الزراعة أكثر صعوبة.

وأضاف عبدالوهاب أن الملوحة تجعله يحتاج إلى غرس ضعف كمية البذور، واستخدام سماد إضافي لتحقيق كثافة المحاصيل الطبيعية، لكن الإنتاجية لاتزال متأثرة.

وتعتمد مصر، التي يبلغ عدد سكانها 104 ملايين نسمة، بشكل كبير على استيراد الغذاء، وعادة تعد أكبر مستورد للقمح في العالم، ويقتصر إنتاجها الزراعي إلى حد كبير على وادي النيل الأوسع، حيث يمكن أن تكون المياه شحيحة، وتكافح السلطات لمنع الناس من البناء على الأراضي الصالحة للزراعة.

وأظهر تقرير للبنك الدولي نُشر هذا الشهر، أن مصر هي خامس دولة على الصعيد العالمي عرضة للتأثير الاقتصادي، لارتفاع مستوى سطح البحر على المدن، وسط وجود مخاطر على الزراعة ومياه الشرب من الفيضانات والتعرية وتسرب المياه المالحة.

ومن المتوقع أن تنخفض غلة المحاصيل الغذائية في مصر بأكثر من 10% بحلول عام 2050 بسبب ارتفاع درجات الحرارة وندرة المياه وزيادة ملوحة مياه الري، وفقاً لورقة بحثية نشرها المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية العام الماضي. وتشير بعض الدراسات إلى أن التأثير في منطقة الدلتا قد يكون أعلى من ذلك بكثير.

تغلغل الملوحة

ارتفعت مستويات سطح البحر في مصر بمقدار 3.2 ملليمترات سنوياً منذ عام 2012، ما يهدد بفيضان وتآكل الشاطئ الشمالي للدلتا، ودفع المياه المالحة إلى التربة، والمياه الجوفية التي يستخدمها المزارعون للري.

وتعمل درجات الحرارة المرتفعة على تسريع عملية التبخر، ما يؤدي إلى زيادة تركيز الأملاح.

فعلى مدار الـ30 عاماً الماضية، زادت درجات الحرارة في مصر بمقدار 0.4 درجة مئوية لكل عقد، وفقاً لبيانات من وحدة أبحاث المناخ بجامعة إيست أنغليا. وتُظهر بيانات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ارتفاع درجة حرارة شمال إفريقيا بمقدار 1.5 درجة مئوية بحلول منتصف القرن، مقارنة بفترة 1995-2014.

ويقول العلماء إن الملوحة تختلف من مكان إلى آخر، ومن الصعب قياس المساهمة الدقيقة لتغير المناخ. لكنها تؤثر بالفعل على 15% من أفضل الأراضي الصالحة للزراعة في الدلتا، وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو)، ومن المتوقع أن تزحف جنوباً. وقال أحد كبار مستشاري المنظمة، محمد عبدالمنعم: «مع مرور الوقت ومع ارتفاع مستوى سطح البحر ستتغلغل الملوحة إلى الدلتا، وسوف تتعمق أكثر». وتشير دراسة نُشرت العام الماضي في مجلة الاستدامة إلى أن 60% من مساحة 450 كيلومتراً مربعاً في شمال شرق الدلتا ستتأثر سلباً بنهاية القرن، بارتفاع نسب المياه الجوفية المرتبط بارتفاع مستوى سطح البحر.

تبخر

كما يهدد تسرب مياه البحر وملوحتها دلتا نهر ميكونغ في فيتنام، ودلتا نهري الغانغ وبراهمابوترا في بنغلادش.

وتقول خبيرة الموارد المائية والسياسة الزراعية في المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، كلوديا رينغلر، إن الأمر يمثل تحدياً لاسيما في وادي النيل بسبب المناخ الصحراوي الجاف. وأضافت: «يتوجب القيام بعمل أفضل بكثير في مكان مثل دلتا النيل لأن الماء يتبخر بسرعة».

وللتكيف حدود، فقد تساعد زراعة الأرز في غسل التربة، لكن الحكومة فرضت قيوداً على المحصول في أجزاء من الدلتا، وذلك بسبب شح المياه. وبالقرب من مدينة المنصورة، إلى الشمال الشرقي من القاهرة، وعلى بعد نحو 70 كيلومتراً من الساحل، قال المهندس الزراعي ومدير الأراضي الزراعية حسام العزباوي، إنه حتى بالنسبة لمحصول أكثر تحملاً للملوحة مثل البنجر، يمكن أن تنخفض الغلة بأكثر من النصف في المناطق المتأثرة بالملوحة.

وفي بعض الأراضي التي يديرها، تحول العزباوي إلى زراعة القطن، النبتة التي تمتد جذورها أعمق إلى تربة أقل ملوحة. وقد أجرى هذا العام تجارب لسلالة جديدة من الأرز، تزيد المحصول بنسبة 18% في حقول الأرض المتشققة والمليئة بالأملاح. وقال العزباوي: «لا يتوافر علاج جذري وسريع للملوحة، إنها بحاجة لعمل مكثف».

عشرات آلاف المزارعين يكافحون من أجل التكيف مع زحف الملوحة في دلتا النيل، وهي مثلث أخضر خصب مكتظ بالسكان، ويتجه نحو البحر إلى الشمال من القاهرة، ويمثل أكثر من ثلث الأراضي الزراعية في مصر.

تراوح خيارات التكيف في دلتا النيل ما بين إنشاء أحواض زراعة مرتفعة، واستخدام قوالب الزراعة الطولية لتحسين كفاءة الري والصرف، واستخدام سلالات بذور جديدة.

يتوقع أن تنخفض غلة المحاصيل الغذائية في مصر بأكثر من 10% بحلول عام 2050، بسبب ارتفاع درجات الحرارة وندرة المياه وزيادة ملوحة مياه الري.

تويتر