خبراء: استبعاد المؤتمر الوطني وإحياء الشراكة بين المكونين العسكري والمدني أهم مرتكزاته

اتفاق وشيك بين البرهان و«الحرية والتغيير المركزي» لإنهاء الأزمة السودانية

صورة

قال خبراء سودانيون إن اتفاقاً سياسياً في طور التشكّل يتم بين المكونين العسكري والمدني في السودان،أبرز مرتكزاته هو التقاء الطرفين على ضرورة استبعاد حزب المؤتمر الوطني، و«الإخوان»، وعناصر نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، من المشهد السياسي، وإحياء الشراكة بين المكونين العسكري والمدني بشأن المرحلة الانتقالية عبر صياغات جديدة. وأقر الخبراء بوجود خصوم للاتفاق من جانب بعض قوى ثورة ديسمبر من جهة، ومن جانب «الدولة العميقة»، والنظام القديم، و«الإخوان» من جهة أخرى، كما أقروا بوجود عقبات موضوعية في الاتفاق ذاته، خصوصاً بالتموضع المدني والعسكري في مرحلة الانتقال، مشيرين إلى ضرورة توسيع القوى المشاركة في الاتفاق، لضمان فرص أوسع لنجاحه.

نضوج على نار هادئة

وقال الناطق باسم الحكومة السابقة، التي كان يترأسها الدكتور عبدالله حمدوك، الكاتب الصحافي فايز السليك، لـ«الإمارات اليوم»، إن «بوادر نشوء تسوية سياسية بين المكون العسكري بقيادة رئيس مجلس السيادة الفريق عبدالفتاح البرهان، وقوى الحرية والتغيير–المجلس المركزي، بدأت منذ مارس الماضي، برعاية الآلية الرباعية، ولاتزال تطبخ على نار هادئة، وسط معارضة من بعض قوى ثورة ديسمبر، مثل لجان المقاومة، والحزب الشيوعي من جهة، ومن قوى قديمة مثل حزب المؤتمر الوطني، الذي كان يقوده الرئيس المخلوع عمر البشير، وعناصر (الإخوان) من جهة أخرى. وفيما يسعى المعسكر الأول إلى الإطاحة الكاملة بالوضع الراهن، متبنياً ما يطلق عليه (التغيير الجذري)، واصفاً حلفاءه السابقين من قوى الحرية والتغيير، بقوى الهبوط الناعم الخائنة لمبادئ ثورة ديسمبر، يسعى المعسكر الثاني، الذي يضم فلول البشير و(الإخوان) والإسلاميين، إلى إعادة المشهد السياسي إلى ما قبل 11 أبريل 2019».

تحدٍّ كبير

وأضاف السليك أن «هذا الوضع، المتمثل في وجود معارضة على الضفتين للاتفاق، يمثل تحدياً كبيراً لمشروع التسوية، في وقت يعيش فيه السودان حالة تراخي أمني وانهيار اقتصادي، تفاقمت كثيراً منذ 25 أكتوبر 2021، وما اتخذه البرهان من إجراءات فيه، سماها هو التصحيحية، بينما سمتها (الحرية والتغيير-المجلس المركزي)، وغالب القوى السياسية، وقوى متظاهرة في الشارع، بانقلاب».

وتابع السليك أن «السودان يقف على حافة الانهيار والانزلاق في فوضى شاملة بسبب الاحتقانات السياسية، وارتفاع وتيرة النعرات القبلية والصراعات في النيل الأزرق ودارفور، والفلتان الأمني».

وأضاف أن «الهدف الأساسي للتسوية من قبل (الحرية والتغيير- المجلس المركزي)، هو إنهاء انقلاب 25 أكتوبر، وتشكيل حكومة ورئاسة بقيادة مدنية كاملة، من كفاءات وطنية وشخصيات مستقلة»، ونوه السليك إلى أنه «لاتزال هناك نقاط اختلاف بين المكون العسكري، والمكون المدني، بشأن وضع قيادات الجيش، وضمان عدم مساءلتهم عن انتهاكات منسوبة إليهم، بما فيها ما حدث في فض اعتصام القيادة العامة، وفي التظاهرات المتواصلة منذ 25 أكتوبر، ويطالب المجلس العسكري بأن يتضمن الاتفاق مجلساً أعلى للقوات المسلحة يترأسه البرهان، يكون مسؤولاً عن الجيش والأمن، وبنك السودان المركزي، والعلاقات الخارجية، بينما تطالب (الحرية والتغيير –المجلس المركزي)، بمجلس دفاع وأمن وطني، برئاسة رئيس مجلس الوزراء».

ولادة متعثرة

وتوقع السليك أن «تتم التسوية عبر ولادة متعثرة، تحت إشراف الرباعية والأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي، و(إيقاد)»، كما نوه إلى «ضرورة إنشاء مجلس تشريعي ليكون رقيباً على المؤسسات، على أن يضم طيفاً سياسياً واجتماعياً واسعاً، لتحاشي سلبيات تجربة الشراكة السابقة».

ودعا السليك إلى «عقد مؤتمر تأسيسي لقوى ثورة ديسمبر، لمواجهة مغامرات (الإخوان) والإسلاميين، وتفكيك دولتهم الموازية، وقطع الطريق أمام مخططاتهم التي تمثل تهديداً للسودان والإقليم، والمجتمع الدولي، هذا التهديد الذي يشمل إمكانية تفكيرهم في انقلاب عسكري، خصوصاً بعد فقدهم الثقة في أن يكونوا حاضنة سياسية».مراجعة اتفاق جوبا

وختم السليك بأن «الاتفاق لابد لكي ينجح أن يتضمن مراجعة لاتفاق جوبا، وإلغاء المسارات، وضم الحركة الشعبية جناح عبدالعزيز الحلو، وحركة تحرير السودان بقيادة عبدالواحد نور، لجهود السلام».

من جهته، قال المحلل السياسي، عبدالجليل سليمان، لـ«الإمارات اليوم» إن «التسوية السياسية جاءت نتيجة لفشل مرحلة ما بعد فض الشراكة، والمرحلة الانتقالية في 25 أكتوبر، التي مر عليها عام كامل لم تتوافر فيه إمكانية تشكيل حكومة، ولم تتوقف فيه التظاهرات المستمرة والضغوط المحلية التي تقودها لجان المقاومة وتجمع المهنيين، وقد حاول نظام 25 أكتوبر إعادة عناصر نظام البشير لدعمه، فلم يثمر هذا شيئاً، بل تفاقم الأمر، فأصبح لابد أن ينتهي إلى تسوية سياسية».

وتابع سليمان أن «هذه التسوية بدأت ملامحها تظهر إلى النور في الرابع من يوليو الماضي، بإعلان البرهان انسحاب القوات المسلحة السودانية من العملية السياسية، وهذا الإعلان اعتبره كثيرون في البداية نوعاً من المناورة، لكن سرعان ما تأكد أن التسوية جادة، خصوصاً بعد أن أعلنت اللجنة التسييرية لنقابة المحامين تبنيها مسودة دستور جديد تم تسليمها للأمم المتحدة، نصت على مدنية الدولة، وتشكيل مجلس عسكري يترأسه البرهان، ومجلس دفاع برئاسة مدنية، ومجلس وزراء من كفاءات مستقلة، ودمج قوات الدعم السريع والحركات المسلحة في إطار جيش قومي موحد».

وأشار سليمان إلى أن «التسوية المشار إليها، وليكتب لها النجاح، تحتاج إلى مشاورات أوسع، وأنها إذا اقتصرت على مفاوضات بين المكون العسكري والحرية والتغيير –المجلس المركزي، فلن يكتب لها النجاح، وستنتهي إلى أزمة وصراعات».

وأوضح سليمان أن «هناك قوى أخرى يجب أن توضع في الحسبان، فهناك قوة تسمي نفسها الحرية والتغيير– التوافق الوطني، وهي تضم الحركات المسلحة التي وقّعت سلام جوبا، التي وقفت بجانب البرهان في انقلاب 25 أكتوبر، كما أنها تضم كيانات سياسية صغيرة، وطرقاً صوفية، وزعماء قبائل، وهذه في مجموعها قوى لا يستهان بها، ويجب أن يتم استيعابها في التسوية، خصوصاً أن هناك تسريبات بأن (الحرية والتغيير–المجلس المركزي) دعت إلى إعادة النظر في اتفاق جوبا، رغم أنه عهد واتفاق بحضور شهود دوليين، ولا يمكن إعادة النظر فيه من دون حضورهم ورضا موقعيه الأصليين. كذلك يجب أن نضع في الاعتبار أن هناك جهات رافضة للاتفاق، كالحزب الشيوعي السوداني، وهو رغم صغره إلا أن له قدرة على تعبئة وتحريض الشارع، وهناك لجان المقاومة، وتجمع المهنيين، هذا غير قوى النظام القديم والسلفيين، وكل هؤلاء قادرون على إنتاج خطاب شعبوي تحريضي ضد الاتفاق».

ليس الجميع

وتابع سليمان أن «هذا الكلام ليس معناه أن يتضمن الاتفاق الجميع، لأن هذا مستحيل، ولكن أقصد توسيع مظلة الاتفاق والتشاور السياسي لتضم أكبر شرائح ممكنة، على الأقل الأحزاب الكبيرة، وفي مقدمتها (الاتحادي) و(الأمة)، والحركات المسلحة، وقوى التوافق، والقوى المؤثرة في شرق السودان».

وختم سليمان بأن «مشروع التسوية بالتأكيد مشروع جيد، لأن السودان يمر بظروف شديدة الحرج والتعقيد، وفي تقديري أن التصريحات الأخيرة للبرهان تشير إلى أنها ستكون شاملة».

تحذير

الجدير بالذكر أن عبدالفتاح البرهان حذّر أخيراً في خطاب، في قاعدة حطاب العسكرية العملياتية، حزب البشير، والحركة الإسلامية الموالية له، من «محاولة الاحتماء بالجيش، أو ترويج إشاعات تفيد بأنهم سيعودون إلى الحكم من خلال المؤسسة العسكرية». وقال البرهان في الخطاب إن «الجيش غير موالٍ لجهة معينة، وليس لديه حزب أو فئة، ولم يدافع عن حزب أو فئة»، مشدداً على أن «المؤسسة العسكرية بريئة من الإشاعات التي تقول إنها تدعم الحزب الوطني، أو الحركة الإسلامية، هذا كذب لن يعودوا إلى الحكم من خلال الجيش». وتابع البرهان أن «هناك توافقاً بين المكون العسكري وقوى الحرية والتغيير، وغيرها من الجهات، التي وقفت ضد نظام البشير، على إكمال ما تبقى من الفترة الانتقالية، وأن المكون العسكري في انتظار توافق القوى السياسية لتشكيل حكومة كفاءات مستقلة، وأنه في حالة فشل التوافق سيتخذ خطوة إيجابية من أجل حفظ أمن البلاد»، بحسب سكاي نيوز، وبي بي سي، ووكالات.

يطالب المجلس العسكري بأن يتضمن الاتفاق مجلساً أعلى للقوات المسلحة يترأسه البرهان، يكون مسؤولاً عن الجيش والأمن وبنك السودان المركزي والعلاقات الخارجية، بينما تطالب الحرية والتغيير – المجلس المركزي، بمجلس دفاع وأمن وطني، برئاسة رئيس مجلس الوزراء.

تويتر