المحور الصيني الروسي يتعزز ضد الغرب

مع استمرار الحرب في أوكرانيا وبكثافة جديدة، ينتظر العالم الشتاء المقبل بشعور جديد من الرهبة والتشاؤم. وفي الجانب الآخر من أوراسيا سعت الصين إلى طرح نفسها باعتبارها واحة من الاستقرار وسط بحر مضطرب. وباستثناء البيان المشجع الصادر أخيراً من قبل خبير في الجيش الصيني في قضية دق طبول الحرب النووية من قبل موسكو، ظلت بكين صامتة بشأن هذه القضية، أو أنها ألقت باللوم على واشنطن.

وبعد ذلك أدلى وزير الخارجية الصيني وانغ يي بأحد أكثر التصريحات تشدداً في دعمه لروسيا خلال اتصال هاتفي مع نظيره الروسي سيرغي لافروف. وقال وانغ يي: «الصين ستدعم روسيا بحزم بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين، لتوحيد الشعب الروسي للتغلب على الصعوبات والاتهامات، ولتحقيق الهدف الاستراتيجي في التنمية وتعزيز مكانة روسيا كقوة عظمى».

موازنة صعبة

وبصورة عامة تواصل الصين عملية الموازنة الصعبة المتمثلة في البقاء موالية لشريكتها القريبة روسيا، وعدم إثارة غضب الدول الأوروبية. وبالنظر إلى أن المستشار الألماني أولاف شولتس يزور الصين في هذه الأيام، يبدو أن هذا الإصرار على الحفاظ على الحالة الطبيعية في العلاقات الصينية - الأوروبية، ينطوي على أساس واضح.

والأمر المؤكد أن الصين استفادت إلى حد ما من الحرب في أوكرانيا. ومقارنة بالعديد من السنوات السابقة، لم يتم توجيه الانتقادات للصين في الصحافة الغربية، بالنظر إلى أنها متفرغة الآن بصورة كلية لروسيا، وربما يتم توصيف الصين بأنها أكثر عقلانية في هذه الصحافة. وبصورة ملموسة أهم أسباب تمتع الاقتصاد الصيني بالنمو في هذا الوقت هو حصول بكين على الطاقة من المصادر الروسية الرخيصة. وفي هذا السياق تسلك الصين سلوكاً متشابهاً مع الهند، حيث تستفيدان من أسعار المبيعات الروسية الرخيصة للصادرات الروسية وبصورة خاصة البترول والغاز.

حرب أوكرانيا

وأشار تقرير صدر أخيراً إلى أن صادرات روسيا إلى الصين ازدادت بنسبة 50% مقارنة بما كان عليه الحال عام 2021، كما أن التجارة الثنائية بينهما ستسجل رقماً قياسياً مع نهاية عام 2022.

وقد تستفيد الصين من ملامح عسكرية معينة لاندلاع الحرب في أوكرانيا، ولا يتوقف الأمر على فرصة المراقبة الحذرة لاستخدام الأسلحة الأميركية الجديدة، مثل طائرات بدون طيار بأنواع «همراس» و«سويتشبليد»، وإنما يستطيع الجيش الشعبي الصيني تقييم عقائد تنفيذ الأساليب الجديدة للحرب برمتها.

وليس من المستغرب أن الاستراتيجيين الصينيين أولوا انتباهاً خاصاً لجوانب معينة من الحرب في أوكرانيا، والتي يمكن أن تكون مفيدة في سيناريو تايوان إذا حدث، بما فيها طائرات درون، وعمليات المروحيات، وهجمات الصواريخ بعيدة المدى، والدعم الجوي، وحرب المدن وحرب الألغام. ويبدو أن الجيش الصيني يعمل على تكييف قواته وفق الدروس التي استقاها من هذا الصراع.

ومع ذلك فإن الصين مثل معظم الدول الأخرى في العام تعاني تحديات جديدة نتيجة الحرب في أوكرانيا. وعلى سبيل المثال تواجه مبادرة الحزام والطريق رياحاً معاكسة أصلاً، لكنها باتت الآن تواجه العديد من التعقيدات الجديدة منذ أن توقفت طرق التجارة الأوراسية على نحو سيئ نتيجة حرب أوكرانيا.

التوقعات أكثر قتامة

وبصورة مشابهة أعطت الصين الأولوية لتطوير القطب الشمالي على نحو قد يستمر، ولكن التوقعات أصبحت الآن أكثر قتامة من ذي قبل، بالنظر إلى أن علاقات روسيا مع أوروبا، واليابان مع كوريا الجنوبية، تراجعت إلى فترة الحرب الباردة.

وإضافة إلى ذلك إذا كان هناك طموح في تايوان على المدى القريب، سيكون ذلك أكثر صعوبة لأن تايوان بدت أكثر جدية في التعامل مع الأمن العسكري. وكان من الممكن أن تكون هذه التحديات المذكورة آنفاً كافية لدفع الصين إلى إعادة التفكير في شبه تحالفها مع روسيا، ولكن ذلك لن يحدث على الأرجح، لأن بكين استثمرت الكثير في علاقتها مع روسيا بقيادة بوتين. وتشير الآراء المنشورة والناطقة باللغة الصينية إلى تعاطف عميق بين النخبة الصينية وروسيا في ورطتها مع الغرب.

ولهذا فإن تحليلات الحرب التي ظهرت في مجلة «إيلوسي يانجوي للدراسات الروسية»، تؤدي إلى نتيجة واضحة بشكل صارخ، مفادها أنه «للحفاظ على موقف الهيمنة، تعمل الولايات المتحدة على دعم أوكرانيا كي تشن حربها ضد روسيا. والهدف من ذلك ضرب روسيا، واحتواء أوروبا، واختطاف الحلفاء، وتهديد الصين».

 

توسع الغرب لم يتوقف

وعلى نحو مشابه، اعتبر خبير صيني متخصص بشؤون أوكرانيا أن توسع حلف شمال الأطلسي (ناتو) باتجاه الشرق، و«الاحتواء الشامل للولايات المتحدة لروسيا»، هما السبب لاندلاع حرب أوكرانيا. وحتى بعد أن حققت أوكرانيا بعض النجاحات في الحرب ضد روسيا في سبتمبر الماضي، عززت بكين دعمها لموسكو. وحذر أحد المعلقين الصينيين في بداية أكتوبر من أن «توسع الغرب في شتى أنحاء العالم منذ 500 عام لم يتوقف، وأن أي حضارة ليست غربية، سواء كانت روسيا أو الصين، يجب أن تكون تابعة للغرب».

وقال أحد عمداء الكليات في جامعة بكين الشعبية محتجاً، ومشدداً على أن صراع الحضارات مستعر بقوة في حرب أوكرانيا: «منذ قرون خلت سيطرت الشعوب الأنغلوسكسونية على هيكلية النظام العالمي».

وتشير الآراء السابقة الواردة باللغة الصينية والمتعلقة بحرب أوكرانيا إلى أن ثمة تعاوناً صينياً روسياً متجذراً على نحو أكثر عمقاً مما يقدره معظم الغربيين. وقبل إثارة غضب بكين أكثر من المهم النظر في أن تكاليف دفع العمالقة الأوراسيين إلى تقارب؛ أبدية.

ضبط النفس

وفي الوقت الحالي أظهرت الصين ضبطاً للنفس، حيث تسعى إلى حماية أسهمها التجارية مع الغرب، ولكن القيام بجهود نشطة تهدف إلى احتواء الصين، مثل إبعاد الصين عن الحصول على تقنية أشباه الموصلات (الرقائق الإلكترونية)؛ من شأنه أن يدفعها إلى الانتقام، الذي يمكن أن يضر بمصالح الولايات المتحدة وأصدقائها.

وأظهر تقرير إخباري روسي صادر في 23 أكتوبر الماضي، شاحنة تحمل طائرات بدون طيار (درون) وهي تفرغ حمولتها دعماً للجيش الروسي. وهذا ربما مجرد «قمة جبل الجليد» كما يقال، إذا قررت بكين زيادة دعمها لموسكو.

ليلي غولدستاين باحث أميركي في الشؤون الآسيوية

ليس من المستغرب أن الاستراتيجيين الصينيين أولوا انتباهاً خاصاً لجوانب معينة من الحرب في أوكرانيا، والتي يمكن أن تكون مفيدة في سيناريو تايوان إذا حدث، بما فيها طائرات درون، وعمليات المروحيات، وهجمات الصواريخ بعيدة المدى، والدعم الجوي، وحرب المدن وحرب الألغام.

تواصل الصين عملية الموازنة الصعبة المتمثلة في البقاء موالية لشريكتها القريبة روسيا، وعدم إثارة غضب الدول الأوروبية.

بصورة ملموسة أهم أسباب تمتع الاقتصاد الصيني بالنمو في هذا الوقت، هو حصول بكين على الطاقة من المصادر الروسية الرخيصة.

الأكثر مشاركة