وسط مشهد جيوسياسي جديد

هل سيكون للسلاح النووي دور كبير في حسم غلبة الدول

صورة

منذ أن لوّح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، باستخدام السلاح النووي، أخيراً، استفاق العالم على واقع جديد أصبح التهديد فيه باستخدام هذا السلاح المدمر أمراً واقعاً، إذ لم يعد يقتصر على كونه سلاحاً للردع فحسب.

ويقول الدبلوماسي الأميركي، ريتشارد هاس، في تقرير نشره «مجلس العلاقات الخارجية» إن «الأسلحة النووية كانت سمة من سمات العلاقات الدولية منذ أغسطس 1945، عندما أسقطت الولايات المتحدة اثنين منها على اليابان، للتعجيل بنهاية الحرب العالمية الثانية. ولم يتم استخدام أي منها منذ ذلك الحين، ويمكن القول إنها ساعدت في إبقاء الحرب الباردة، من خلال فرض درجة من الحذر على جانبي المواجهة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي».

ويضيف هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، الذي شغل منصب مدير تخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأميركية، إنه «علاوة على ذلك، نجحت مفاوضات الحد من التسلح في الحد من الترسانات النووية لكلا البلدين، وأوقفت الانتشار النووي أو أبطأته. واليوم، تمتلك سبع دول أخرى فقط (المملكة المتحدة، فرنسا، الصين، إسرائيل، الهند، باكستان، وكوريا الشمالية) أسلحة نووية».

والسؤال المطروح الآن هو: «ما إذا كنا على أعتاب عصر جديد من توسيع الترسانات النووية، وظهور دور أكثر بروزاً لها في الجغرافيا السياسية، والجهود التي تبذلها المزيد من البلدان للحصول عليها».

ويرى هاس أنه «ما يزيد من الخطر، الشعور بأن المحظورات ضد حيازة الأسلحة النووية أو حتى استخدامها آخذة في التلاشي، بسبب مرور الوقت وظهور جيل جديد يُسمى بـ(الأسلحة النووية التكتيكية)، التي تنطوي على نتائج أقل كارثية، وبالتالي قد تبدو أكثر قابلية للاستخدام».

حقبة جديدة

لقد جعلت حرب روسيا ضد أوكرانيا وصول هذه الحقبة الجديدة أكثر احتمالاً بطرق عدة. فبعد تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991، تنازلت أوكرانيا عن الأسلحة النووية التي بقيت على أراضيها مقابل ضمانات أمنية. ومنذ ذلك الحين، غزتها روسيا مرتين، وهي النتيجة التي قد تقنع الآخرين بأن التخلي عن الأسلحة النووية يقلل من أمن أي بلد.

وفي أعقاب الحرب الروسية الثانية في وقت سابق من هذا العام، استبعدت الولايات المتحدة التدخل العسكري المباشر نيابة عن أوكرانيا، بسبب القلق من أن إرسال قوات أو إنشاء منطقة حظر جوي، يمكن أن يؤدي إلى حرب عالمية نووية.

دليل

ويمكن للصين وغيرها أن ترى في ذلك دليلاً على أن امتلاك ترسانة نووية كبيرة، يمكن أن يردع الولايات المتحدة، أو على الأقل يدفعها إلى التصرف بقدر أكبر من ضبط النفس.

وفي الآونة الأخيرة، وعلى خلفية الانتكاسات الكبيرة في ساحة المعركة، هدّد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، باستخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا أو بالقرب منها، في محاولة لترهيب الأوكرانيين وإجبار الحكومات الأوروبية والولايات المتحدة، على إعادة التفكير في دعمها لأوكرانيا.

كما أسهمت التطوّرات في أماكن أخرى، في إعادة التفكير في قيمة الأسلحة النووية. فقد أطيح بالأنظمة والقادة في العراق وليبيا، بعد التخلي عن برامجهما للأسلحة النووية، الأمر الذي قد يدفع الآخرين إلى النظر في مزايا الاحتفاظ بالقدرات النووية أو تطويرها. وكوريا الشمالية، من جانبها، لاتزال آمنة بينما تواصل توسيع ترسانتها النووية. وبالمثل، تعلم العالم التعايش مع الترسانات النووية الإسرائيلية، والهندية، والباكستانية.

خطر

ويقول هاس: «إن الخطر يكمن في أن وقوع المزيد من الأسلحة النووية في أيادي كثير من الدول، يزيد من احتمالات استخدام واحد أو أكثر من هذه الأسلحة المدمرة التي لا يمكن تصوّرها. ولا يمكن افتراض الردع والوصاية المسؤولة. كما أن امتلاك الأسلحة النووية، ينطوي على إمكانية توفير شيء مثل درع يمكن أن يجعل العدوان غير النووي أكثر شيوعاً. وحتى الاعتقاد بأن دولة ما تتحرك لتطوير أسلحة نووية يمكن أن يؤدي إلى عمل عسكري من قبل الجيران القلقين، ما قد يؤدي إلى صراع أكبر».

ونظرا لهذه المخاطر، يرى هاس أن «المهمة الأكثر إلحاحاً، تتلخص في ضمان عدم مكافأة بوتين لتلويحه بالسلاح النووي، خشية أن يشكل هذا سابقة خطيرة. وهذا يتطلب الحفاظ على الدعم العسكري والاقتصادي الغربي لأوكرانيا، فضلاً عن التذكير المنتظم لروسيا من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، بأن عواقب أي استخدام نووي، سواء بالنسبة للقوات العسكرية الروسية في أوكرانيا، أو لأي شخص مشارك في القرار، من شأنها أن تفوق بكثير أي فوائد متصوّرة».

تجدّد المفاوضات

وفي الوقت نفسه، وبالتأكيد قبل أوائل عام 2026، عندما تنتهي معاهدة «ستارت» الجديدة، التي تحدّ من ترسانتي القوتين النوويتين العظميين، يتعيّن على الولايات المتحدة أن تبلغ روسيا استعدادها لمناقشة المرحلة التالية من الحدّ من الأسلحة النووية. ويجب أن يكون عدد وأنواع منظومات الأسلحة التي يتعيّن الحدّ منها على جدول الأعمال، وكذلك إدراج الصين.

ويتعين على الولايات المتحدة، جنباً إلى جنب مع شركائها في المنطقة، أن تتخذ أيضاً خطوات دبلوماسية أو عسكرية إذا لزم الأمر، لضمان عدم قيام إيران بتطوير أسلحة نووية، أو الاقتراب إلى الحدّ الذي يجعلها قادرة على تحقيق اختراق نووي، من دون تحذير كاف للآخرين لمنعه. وإذا لم يحدث ذلك، فقد تقرر دولة أو أكثر من الدول المجاورة لإيران، أنها بحاجة إلى أسلحة نووية خاصة بها. ومن شأن مثل هذا السيناريو أن يأخذ الشرق الأوسط، الذي كان على مدى ثلاثة عقود المنطقة الأقل استقراراً في العالم، في اتجاه أكثر خطورة.

إن إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، الذي توصلت إلىه إيران مع القوى العالمية (والذي انسحبت منه الولايات المتحدة في عام 2018)، من شأنه أن يساعد بشكل مؤقت فقط، لأن الاتفاق يتضمن العديد مما يُسمى بـ«شروط الانقضاء». ويبدو هذا ثمناً باهظاً للغاية لا يمكن دفعه، لأنه سيسمح لإيران بالخروج من ظل عقوبات كبيرة، ما يمكّن النظام من اتباع سياسة خارجية أكثر عدوانية، وتزويده بشريان الحياة فقط عندما تتصاعد المعارضة الداخلية له.

ويقول هاس: «إنه يتعين على الولايات المتحدة أيضاً أن تحافظ على تحالفها الوثيق مع كل من كوريا الجنوبية واليابان، في مواجهة ليس فقط كوريا الشمالية، بل والصين أيضاً. ومن المرجح أن يؤدي الفشل في القيام بذلك إلى دفع كلا البلدين إلى إعادة النظر في تخليهما عن الأسلحة النووية».

ويخلص هاس إلى القول إنه «لفترة طويلة، عمل العديد من الباحثين وصنّاع السياسات تحت وهم أن المشكلة النووية كانت من مخلفات الحرب الباردة. والواقع أن العالم يقترب من عصر يمكن تعريفه بشكل أكثر حدة بعصرالأسلحة النووية. وإن تغيير المسار أمر حتمي، والوقت ينفد».

• الخطر يكمن في أن وقوع المزيد من الأسلحة النووية في أيادي كثير من الدول، يزيد من احتمالات استخدام واحد أو أكثر من هذه الأسلحة المدمرة التي لا يمكن تصوّرها.

• ما يزيد من الخطر، الشعور بأن المحظورات ضد حيازة الأسلحة النووية أو حتى استخدامها آخذة في التلاشي، بسبب مرور الوقت وظهور جيل جديد «الأسلحة النووية التكتيكية»، التي تنطوي على نتائج أقل كارثية، وبالتالي قد تبدو أكثر قابلية للاستخدام.

• بعد الحرب الروسية الثانية في وقت سابق من هذا العام، استبعدت الولايات المتحدة التدخل العسكري المباشر نيابة عن أوكرانيا، بسبب القلق من أن إرسال قوات أو إنشاء منطقة حظر جوي، يمكن أن يؤدي إلى حرب عالمية نووية.

تويتر