تصرفات الشرطة دفعت السجناء إلى ترديد هتافات مناهضة للحكومة

حريق سجن إيران اندلع بعد اشتباك الشرطة مع سجناء

التظاهرات التي عمت مدناً إيرانية مختلفة أسهمت في زيادة غضب السجناء داخل المعتقل. أ.ب

قالت ستة مصادر لـ«رويترز» إنه قبل يومين من اندلاع حريق في قسم من سجن إيفين الإيراني، ومقتل ما لا يقل عن ثمانية أشخاص، وصلت وحدة من شرطة مكافحة الشغب إلى المجمع، وبدأت تنفذ أعمالاً دورية في الممرات، وهي تهتف «الله أكبر» وتضرب بالهراوات على أبواب الزنازين.

وأضافت المصادر أن الدوريات في السجن الموجود بطهران بدأت دون أي استفزاز واضح من جانب النزلاء. واستمرت الدوريات من الخميس إلى السبت، عندما رد بعض السجناء بالهتاف بسقوط الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، على غرار الاحتجاجات التي اندلعت في أنحاء إيران منذ سبتمبر الماضي.

وقال أحد السجناء داخل العنبر 8، الذي يضم في الغالب سجناء مدانين بجرائم مالية «ثم سمعنا طلقات وهتافات (الموت لخامنئي) من قبل سجناء في أجنحة أخرى».

وتحدث السجين، الذي كان يدلي بشهادته لأول مرة لـ«رويترز»، بشرط عدم ذكر اسمه، أو طريقة التواصل معه.

وهزّت حملة القمع الدموية التي شنتها الشرطة والحريق المميت مساء يوم 15 أكتوبر، والذي كان سببه محل خلاف، مجتمعاً في حالة توتر بالفعل بعد شهر من العنف بين قوات الأمن والمحتجين المناهضين للحكومة.

وتشير مقابلة «رويترز» مع سجين عنبر 8، وكذلك قريب لنزيل آخر، وأربعة نشطاء حقوقيين لهم مصادر في السجن، إلى أن هتافات السجناء المناهضة للحكومة، كانت رد فعل لدوريات الشرطة، وأن الشرطة ردت بعد ذلك بالقوة لقمعهم.

وتحدث السجين ومصادر أخرى لـ«رويترز» شريطة عدم الكشف عن هويتهم، خوفاً على سلامتهم.

ولم تتمكن «رويترز» من تحديد سبب إرسال شرطة مكافحة الشغب إلى السجن، وما هي دوافع الحكومة لهذه الحملة وكيف بدأ الحريق. لكن هذا يعزز الشعور المتزايد بتصميم السلطات على سحق المعارضة، وتجنب فقدان السيطرة على إيفين، أو غيره من الأماكن التي تُعد جزءاً مركزياً في سيطرة الجمهورية الإسلامية على المجتمع، حسبما ذكر أربعة نشطاء حقوقيين.

موجة من الاضطرابات

كان السجن الواقع في ضاحية إيفين بطهران الموقع الرئيس لاحتجاز السجناء السياسيين الإيرانيين البارزين، حتى قبل الثورة الإسلامية عام 1979، وكذلك للأجانب ومزدوجي الجنسية. وتقول السلطات الإيرانية، وعائلات سجناء، ومحامون، إنه يضم أيضاً سجناء مدانين بجرائم عادية، ويستقبل الآن سيلاً من المعارضين المعتقلين في موجة الاضطرابات المستمرة التي تجتاح البلاد.

يُعرف السجن باسم «جامعة إيفين» بسبب احتجاز العديد من المثقفين والأكاديميين المناهضين للحكومة هناك.

وقالت السلطة القضائية إن ثمانية سجناء لقوا حتفهم جراء استنشاق الدخان نتيجة الحريق. ويخشى سجناء ونشطاء حقوقيون قابلتهم «رويترز» أن يكون عدد القتلى أكبر. واستند التقييم إلى عشرات الجرحى، كثير منهم إصابتهم خطيرة، الذين شاهدهم النزيل وسجناء كانوا على اتصال بالنشطاء الذين قابلتهم «رويترز». وسعت «رويترز» للحصول على تعليق من مسؤولي السجون ووزارة الداخلية، ومسؤولين في القضاء عبر الهاتف، وعن طريق إرسال رسائل نصية مكتوبة، بأسئلة تتعلق بالنقاط الرئيسة، بما في ذلك رواية المصادر حول نشر شرطة مكافحة الشغب في 13 أكتوبر. ولم ترد السلطات.

لكن مسؤولاً تم الاتصال به عبر الهاتف، لكنه رفض ذكر اسمه أو المؤسسة التي يعمل بها، قال إنه لا يعرف سبب إرسال شرطة مكافحة الشغب إلى السجن، وأعرب عن دهشته من أن السلطات بدت وكأنها فقدت السيطرة على السجن لبعض الوقت مساء السبت.

وقال ناشط مناهض للحكومة، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب مخاوف على سلامته، لـ«رويترز» إن الحكومة ربما خططت لحملة السجن من أجل أن تُظهر للمحتجين الشكل القاسي للاحتجاز الذي ينتظرهم في إيفين، إذا استمروا في تحدي الحكومة.

مثل منطقة حرب

قالت منظمة العفو الدولية إن لديها أدلة، لم تكشف عنها، على أن السلطات سعت لتبرير حملتها الدموية بحجة مكافحة الحريق ومنع هروب السجناء.

وذكرت المنظمة أيضاً أن مسؤولي السجون، وشرطة مكافحة الشغب، ضربوا مراراً العديد من السجناء بوحشية بالهراوات، لا سيما على رؤوسهم ووجوههم.

وساد التوتر البلاد بالفعل مساء 15 أكتوبر، عندما أظهرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي حريقاً وأعمدة دخان تتصاعد من السجن مع دوي أعيرة نارية، وشوهدت أشياء تُلقى في المجمع.

وتكافح قوات الأمن لاحتواء التظاهرات التي عمت أرجاء البلاد، والتي اندلعت بسبب مقتل الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني، البالغة من العمر 22 عاماً، الشهر الماضي أثناء احتجازها لدى شرطة الأخلاق.

وفي ليلة الحريق، أفادت وسائل الإعلام الرسمية بأن مجموعة من السجناء كانوا يحاولون الفرار، وأنهم دخلوا حقل ألغام خارج المجمع.

ونفى القضاء هذه الرواية يوم الأحد، قائلاً إن النيران أضرمت في ورشة في السجن منتصف مساء يوم السبت «بعد شجار بين عدد من السجناء». وقال السجين ونشطاء إنه لم يكن من الممكن وجود أي نزيل في الورشة في المساء، لأنه من المفترض أنهم كانوا محبوسين في الزنازين في هذا الوقت. وتغلق زنازين سجن إيفين بين الخامسة والسادسة مساء وفقاً لوقت الصلاة. ولم يتسنَّ لـ«رويترز» تحديد سبب اندلاع الحريق بشكل مستقل.

الجميع كانوا خائفين

تصاعد التوتر عندما ردد السجناء، الذين استفزتهم شرطة مكافحة الشغب وهي تردد شعارات دينية وتدق بالهراوات على أبواب الزنازين، «الموت لخامنئي». وقالت المصادر إن شرطة مكافحة الشغب أطلقت أعيرة نارية عند نحو الساعة الثامنة مساء.

وذكر السجين «عندما سمعنا الطلقات والهتافات، حاولنا كسر الباب والوصول إلى الممر لمساعدة سجناء آخرين من العنبر 7، الذين كسروا الباب، واشتبكوا مع شرطة مكافحة الشغب، وحراس السجن في الممر. كان كل السجناء خائفين».

ويوجد في عنبر 7 سجناء مدانون بجرائم عامة وسجناء سياسيون، ويقع في المبنى نفسه عنبر 8. وأطلقت شرطة مكافحة الشغب وحراس السجن الغاز المسيل للدموع على مئات السجناء وضربوهم بالهراوات، بحسب مقابلة «رويترز» مع السجين، وأحد أقارب نزيل ونشطاء لهم مصادر في السجن.

وقال السجين «فتحوا باب عنبرنا (8) أطلقوا الغاز المسيل للدموع. كان هناك العشرات منهم. أصيب كثير من الناس في جناحنا، ولم يتمكنوا من التنفس».

وأضاف «كنا نسمع طلقات نارية، كان السجناء يصرخون وكان الحراس يصرخون، فتحوا الباب وألقوا الكثير من الغاز المسيل للدموع في الداخل، واستخدموا بنادق الصيد. فقد العديد من النزلاء وعيهم، وأصيب العشرات. كان الأمر أشبه بمنطقة حرب».

ظلت الناشطة الحقوقية، أتينا دائمي، التي سُجنت في إيفين لمدة خمس سنوات ونصف السنة وأُطلق سراحها قبل تسعة أشهر، على اتصال بالمعتقلين هناك.

وقالت إن «سجناء عنبر 7 حاولوا كسر باب العنبر 8 لإخراجهم أيضاً. كان ذلك عندما بدأت القوات في إطلاق النار على السجناء في نحو الساعة 20:30 بالذخيرة الحية».

ولم تكشف وسائل الإعلام الرسمية ولا القضاء عن الأساليب التي استخدمتها الشرطة لاستعادة السيطرة على إيفين.

ويقضي مهدي رافسنجاني، وهو نجل رئيس سابق، عقوبة بالسجن لمدة 10 سنوات في إيفين بتهمة الفساد المالي، وعادة ما يكون لديه إجازة أسبوعية من الأربعاء إلى الجمعة. وتم إخباره يوم الأربعاء 12 أكتوبر، بأنه يجب ألا يعود إلى السجن قبل يوم السبت، وفقاً لما ذكره شقيقه ياسر هاشمي رافسنجاني على إحدى منصات التواصل الاجتماعي.

وأضاف «طُلب من أخي مهدي ألا يعود إلا بعد يوم السبت»، مشيراً إلى أن شقيقه لم يتلقَّ أي تفسير وعاد الآن إلى السجن.

هزّت حملة القمع الدموية التي شنتها الشرطة والحريق المميت مساء يوم 15 أكتوبر، والذي كان سببه محل خلاف، مجتمعاً في حالة توتر بالفعل بعد شهر من العنف بين قوات الأمن والمحتجين المناهضين للحكومة.

ربما خططت الحكومة لحملة السجن من أجل أن تُظهر للمحتجين الشكل القاسي للاحتجاز الذي ينتظرهم في إيفين، إذا استمروا في تحدي الحكومة.

تويتر