بضربها الأكراد في العراق

إيران تسعى لصرف الأنظار عن احتجاجات الداخل

صورة

خيّمت الضربات الصاروخية التي شنتها إيران على مناطق في إقليم كردستان بشمال العراق، بظلال من التوتر على العلاقات بين بغداد وطهران.

فاستدعت وزارة الخارجية العراقية السفير الإيراني لدى بغداد، وسلمته مذكرة احتجاج شديدة اللهجة على تلك الضربات، التي وصفت بأنها الأكبر والأكثر دموية في الأيام الأخيرة، والتي أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات.

وقالت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية: «هاجمت إيران شمال العراق بأكثر من 40 صاروخاً باليستياً وطائرات مسيرة مسلحة، أسقطت طائرة حربية أميركية إحداها أثناء توجهها نحو مدينة أربيل، حيث تتمركز القوات الأميركية».

وأكدت القيادة المركزية الأميركية، التي تشرف على العمليات العسكرية في الشرق الأوسط، تلك الرواية، حينما ذكرت في بيان أن الطائرة المسيرة أسقطت بعد ظهر الأربعاء بالتوقيت المحلي، حيث «بدا أنها تشكل تهديداً لقوات القيادة المركزية في المنطقة».

وأضافت الصحيفة أن طائرات من دون طيار أخرى وصواريخ «فاتح 110» الباليستية الإيرانية قصيرة المدى استهدفت معسكرات وقواعد يستخدمها مسلحون ولاجئون أكراد في ضواحي أربيل، وبالقرب من السليمانية.

وأشارت الصحيفة إلى أن الحرس الثوري الإيراني دأب على قصف مناطق كردية في شمال العراق، منذ الأسبوع الماضي، بعد أن ألقت طهران باللوم على جماعات كردية إيرانية متمركزة هناك في إثارة الاضطرابات التي تجتاح إيران منذ نحو أسبوعين.

هجمات متواترة

وشنت إيران بشكل منتظم في السنوات الأخيرة مثل هذه الهجمات، التي استهدفت ما قالت إنها جماعات كردية إيرانية تختبئ عبر الحدود الشمالية الغربية في المنطقة الكردية الجبلية بالعراق.

وقالت السلطات الإيرانية إن المعارضين شاركوا في الاحتجاجات التي اندلعت في المنطقة الكردية بإيران، عقب جنازة الفتاة مهسا أميني (22 عاماً)، التي توفيت بعد احتجازها في أحد مراكز شرطة الأخلاق (الآداب)، بدعوى ارتدائها ملابس غير محتشمة، في 17 سبتمبر الجاري بمسقط رأسها في المنطقة.

من جهتها، اعتبرت صحيفة واشنطن بوست الأميركية أن الضربات التي نفذتها طهران ضد الأكراد في شمال العراق تدل على «يأس» الحكومة الإيرانية، التي «تواجه واحداً من أكبر الاحتجاجات في تاريخ البلاد».

وقالت الصحيفة إن طهران شنت هجمات دامية، استهدفت من خلالها مقار ثلاثة أحزاب معارضة كردية إيرانية تدعم التظاهرات الجارية داخل إيران.

ورأت الصحيفة الأميركية أن الضربات الإيرانية تؤكد «ارتباك» حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي في التعامل مع الاحتجاجات، التي أسفرت عن مقتل العشرات من المتظاهرين، وإصابة المئات.

وأوضحت «واشنطن بوست» أنه «لطالما استقرت الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة في العراق، وبينما أعربت عن دعمها للاحتجاجات في إيران، لا يوجد ما يشير إلى ارتباطها المباشر بالاضطرابات».

ونقلت الصحيفة عن محللين قولهم إن «الهجمات الإيرانية كانت بمثابة محاولة يائسة من قبل النظام الإيراني، للنأي بنفسه عن المساءلة عن الاحتجاجات، وعدم قدرته على حلها بالطرق السلمية، إذ ترد طهران إلقاء اللوم على قوى خارجية».

معارضة علنية ضد النظام

وقال المحلل السياسي الكردي المقيم في أربيل، هيوا عثمان، للصحيفة: «ما يريد الإيرانيون قوله هو أن الاضطرابات داخل إيران تحرض عليها أحزاب المعارضة في العراق، لكنها في الواقع معارضة علنية من قبل الشعب الإيراني ضد النظام».

واستبعدت صحيفة الغارديان البريطانية أن يهدئ الخطاب الذي ألقاه رئيسي قبل أيام «الشباب الإيراني المنتفض، الذي فقد الثقة، خصوصاً أن الرئيس الإيراني هو الذي أمر بتطبيق أكثر صرامة لقوانين الحجاب في وقت سابق من هذا الصيف».

ونقلت الصحيفة عن نشطاء في إيران: «ثقتنا آخذة في الازدياد.. لن نتراجع عن انتفاضتنا رغم الاعتقالات.. هناك اعتقاد سائد بأن شيئاً ما سيتغير هذه المرة».

وتابعت الغارديان: «الحكومة الإيرانية تسعى لضمان عدم امتداد الاحتجاجات إلى المزيد من أحياء الطبقة العاملة، ومن المرجح أن تصور المتظاهرين على أنهم ليبراليون مناهضون للوطنية، على خلاف مع قيم النظام».

بالتزامن، نقلت صحيفة فايننشال تايمز عن إحدى الصحافيات الإيرانيات من طهران أنه مع استمرار الاحتجاجات التي فجرتها وفاة أميني، اختفت شرطة الأخلاق من الشوارع، وأن السلطات بدأت تستخدم أساليب أقل صرامة في مراقبة قواعد الملابس، خصوصاً الحجاب.

وجاء في التقرير أن السيارات ذات اللونين الأبيض والأخضر، التي تستخدمها شرطة الأخلاق الإيرانية لمراقبة واعتقال النساء غير الملتزمات بقواعد الزي الإسلامي، لم تظهر حتى خارج مركز شرطة الأخلاق نفسها في وسط طهران، رغم أنها كانت على مدار العقد الماضي رمزاً لرقابة السلطات على النساء.

وأشارت الصحيفة إلى أن الغضب من وفاة الفتاة الكردية، دفع الناس من مختلف الأطياف السياسية الإيرانية للمطالبة بإنهاء المراقبة الرسمية لملابس النساء.

ورأى فريق من المحللين أنه «سيتم سحب دوريات الإرشاد من الشوارع.. الجمهورية الإسلامية ستواجه انتكاسة كبيرة، ولن يكون أمامها خيار آخر سوى إعطاء المزيد من الحرية الاجتماعية لشباب الطبقة الوسطى في المناطق الحضرية».

وبشكل يومي منذ وفاة أميني، يتدفق متظاهرون شباب، كثير منهم في عمرها نفسه، إلى الشوارع في البلدات والمدن في أنحاء البلاد، مرددين شعارات مناهضة للنظام، مثل «لا نريد الجمهورية الإسلامية»، و«الموت للديكتاتور».

كما تظاهر طلاب في الجامعات، وواجهت متظاهرات شرطة مكافحة الشغب دون ارتداء الحجاب، وقد تراجع الخوف في نفوسهن.

وقال عالم الاجتماع عماد أفرو، لوكالة الأنباء الإيرانية الرسمية، إنه بالنسبة للشباب الذين يعانون مشكلات اقتصادية هائلة، مثل الفقر وعدم المساواة «أصبحت هذه الدوريات تؤجج غضبهم».

وقوبلت الحملة الإيرانية للتعامل مع الاحتجاجات التي خرجت بعد وفاة أميني بتنديد دولي، ومطالبات للنظام الإيراني بضبط النفس، وضرورة احترام حقوق الإنسان، بما في ذلك حرية التعبير والتجمع السلمي.

وأثارت تصرفات إيران ردود فعل دولية مختلفة. ففي ألمانيا، ندد البرلمان «بوندستاغ» بحملة القمع العنيفة للسلطات في إيران. وقالت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، الخميس الماضي، إنه «يتعين على السلطات الإيرانية أن تتوقف فوراً عن أعمالها الوحشية ضد المتظاهرين». واستدعت الخارجية الألمانية سفير إيران لدى برلين، على خلفية مقتل مهسا أميني.

وأعلنت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على عناصر من الشرطة الإيرانية على خلفية مقتل مهسا.

وألمح ممثل الشؤون الخارجية والسياسة الأمنية بالاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، إلى إمكانية فرض عقوبات من جانب التكتل ضد إيران.

وفي النرويج، حاول العديد من المتظاهرين اقتحام السفارة الإيرانية خلال تظاهرة في أوسلو.

• دأب الحرس الثوري الإيراني على قصف مناطق كردية في شمال العراق، منذ الأسبوع الماضي، بعد أن ألقت طهران باللوم على جماعات كردية إيرانية متمركزة هناك في إثارة الاضطرابات التي تجتاح إيران منذ نحو أسبوعين.

• الضربات التي نفذتها طهران ضد الأكراد في شمال العراق تدل على تصاعد مشكلات الحكومة الإيرانية التي «تواجه واحداً من أكبر الاحتجاجات في تاريخ البلاد».

تويتر