بلغة «برايل» جمعت حكايات الأطفال الشعبية وصفات أبطالها في قصة واحدة

أطفال غزة المكفوفون يُبصرون القصص.. على طريقة «تيماء»

صورة

«بواسطة فن النحت صمّمت رسومات ولوحات فنية بارزة، متاحة للّمس والتحسس، لتصبح نقطة التقاء مع المكفوفين، خصوصاً فاقدي البصر منذ الولادة، الذين لا يمتلكون مشاهد بصرية سابقة طوال حياتهم».

إيماناً بحقوق ذوي الإعاقة البصرية في قطاع غزة المحاصر، وانطلاقاً من احتياجاتهم المتعددة في حياتهم اليومية، شقت الفنانة التشكيلية الشابة تيماء عاطف سلامة، (24 عاماً)، طريق تحقيق الحلم الذي يراودها طويلاً، ليبصر وليدها الفني الثقافي الأول النور، والذي خُط بلغة برايل.

ما أنجزته (تيماء) عبارة عن كتاب يحتوي على نصوص عمياء، فيما ترصع صفحاته منحوتات فنية بارزة تجسد شخصيات حكاية شعبية اسمها «الحطاب والشجرة»، والتي عجز الأطفال المكفوفون عن الاستمتاع بتفاصيلها، ومشاهدة أبطال تلك الرواية التراثية، التي استقرت في ذهن كل طفل سليم.

«الحطاب والشجرة»

سردت الشابة (تيماء) مشوارها الفني لـ«الإمارات اليوم»، بينما تتوسط لوحات فنية رسمتها ريشتها، ومجسمات نحتتها بيديها، داخل غرفة أعلى منزلها، كانت قد حولتها منذ عامين إلى مرسم خاص بموهبتها التي تلازمها منذ نعومة أظفارها، ورافقتها طوال مرحلة دراستها الجامعية.

وتقول الفنانة التشكيلية الغزية: «بعد دراسة الفنون الجميلة في المرحلة الجامعية، راودتني فكرة إصدار كتاب يتضمن حكايات خاصة بالأطفال ذوي الإعاقة البصرية، لتجمع بين المضمون الثقافي التراثي للقصة ذاتها، وتجسيد شخصياتها من خلال منحوتات فنية مطابقة لصفاتهم».

وتواصل (تيماء): «بحثت بدقة عالية عن القصص الشعبية التراثية التي سردتها النساء الفلسطينيات على مدار سنوات طويلة، وبقيت حاضرة حتى يومنا هذا، واكتشفت أن قصة (الحطاب والشجرة) مناسبة لمشروعي الفني الأول المخصص لذوي الإعاقة البصرية».

ومنذ اللحظة الأولى لتنفيذ فكرتها، أجرت الفنانة الغزية تجارب كثيرة، وبذلت جهوداً كبيرة، حتى بلغت الهدف المنشود من فكرتها الخاصة، ونجحت في إصدار قصة نحتية تتساوى مع قدرات واحتياجات أطفال غزة من ذوي الإعاقة البصرية.

إبصار فني

بفضل عمل (تيماء) الفني الثقافي، أصبح الأطفال المكفوفون يمتلكون القدرة على تصفح قصص كتبت خصيصاً لهم، بلغة تمكنهم من قراءتها بسلاسة مطلقة، فيما بات باستطاعتهم تخيل أشكال أبطالها، من خلال تحسس مجسمات فنية تصف شخصياتهم، رسمت وصممت لأجلهم، دون غيرهم.

وليس هذا فحسب، فبينما تحتفظ الشابة (تيماء) اليوم بقصتها الفنية الأولى «الحطاب والشجرة»، تستعد بموهبتها لتصميم حكاية جديدة، تتلاءم مع احتياجات ذوي الإعاقة البصرية من الصغار.

الإنجاز القادم للفنانة التشكيلية الغزية، الذي باحت بجزء من تفاصيله، حظي بدعم ثقافي مؤسساتي، لتصدر ثاني عمل لها تخصصه لذوي الإعاقة البصرية، بمنحة مقدمة من المركز الفرنسي الثقافي في غزة.

وتسترسل (تيماء): «إن القصة الفنية الثانية ستكون شيقة حتى للمبصرين، لأنها ستصمم بتقنية عالية تختلف عن سابقتها، ومواد مغايرة من الصلصال لاستخدامها في فن النحت، إضافة إلى تزويدها بخلاصة خبرات وتجارب سابقة».

فنانة الأكِفّاء

بالرجوع إلى الفترة الزمنية التي سبقت إصدار «الحطاب والشجرة»، عقدت الشابة (تيماء) العزم على الاهتمام بشريحة الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، منذ إنهاء دراستها الفنون الجميلة في جامعة الأقصى بمدينة غزة، ورسم لوحات بارزة تمنحهم فرصة مشاركة المبصرين اهتماماتهم الثقافية والفنية، لتثبت حق الأطفال المكفوفين أيضاً قراءة القصص كغيرهم من الأطفال.

تسخير (تيماء) موهبتها لذوي الإعاقة البصرية في مدينتها التي تعيش ظروفاً قاسية، نتاج لموقف إنساني شخصي، دفعها لتغيير مسار رحلتها الفنية، وعن ذلك تقول: «أثناء مشاركتي في أحد المعارض الفنية بلوحات نحتية عدة، استوقفني مشهد فتاة كفيفة تقف أمام إحدى لوحاتي، ويحيطها الأمل الناتج عن شرح صديقتها لها محتوى المشهد الفني الذي كانت تلمسه بكلتا يديها، لتعبّر عن إعجابها بعملي الفني بابتسامة عريضة رُسمت على وجنتيها».

وتضيف «إن هذا المشهد الإنساني دفعني لتطوير موهبتي في النحت، والتي سخرتها لفئة المكفوفين، كونهم الأكثر تهميشاً، ومن هنا كانت النقلة النوعية لأجتهد وأتميز في فن النحت البارز (الريليف) عن جميع أنواع الرسم والفنون الجميلة».

ومنذ تلك اللحظة قررت (تيماء) أن يكون في ريشتها إبصار للمكفوفين للتمتع بالفن، وقررت أن تعمل على تقنية جديدة تعتمد على رسم لوحات مجسمة يمكن للمكفوفين لمسها والإحساس بجمالياتها.

وتقول فنانة الأكِفّاء: «إن العالم الفرنسي لويس برايل فتح الباب أمام المكفوفين لمعرفة القراءة عن طريق الحروف البارزة على الورق، ولكن هذه التقنية تقتصر على القراءة فقط، وبقي حرمان المكفوفين من التمتع بالفن التشكيلي، ومجاله الأبرز الرسم».

تسخير «تيماء» موهبتها لخدمة ذوي الإعاقة البصرية في مدينتها التي تعيش ظروفاً قاسية، نتاج لموقف إنساني شخصي، دفعها إلى تغيير مسار رحلتها الفنية.

بفضل عمل «تيماء» الفني الثقافي، أصبح الأطفال المكفوفون يمتلكون القدرة على تصفّح قصص كتبت خصيصاً لهم، بلغة تمكنهم من قراءتها بسلاسة مطلقة، فيما بات باستطاعتهم تخيل أشكال أبطالها، من خلال تحسس مجسمات فنية تصف شخصياتهم.

تويتر