دول عدة باتت أكثر عُرضة لاستخدام السلاح الفتّاك

العالم أمام تحدّي نزع فتيل الحرب النووية المدمّرة

صورة

خلال الحرب الباردة، كان الملايين من الناس ينامون كل ليلة وهم خائفون من اندلاع صراع نووي. ومع ذلك، منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، أصبح العالم ينظر بشكل متزايد إلى خطر الحرب النووية على أنه أمر غير مرجح. واليوم، مع اشتداد الحرب الروسية في أوكرانيا، وتصاعد المنافسة بين القوى العظمى، من الضروري إعادة النظر في افتراضاتنا حول احتمال نشوب صراع نووي. والطريقة الوحيدة للحماية بشكل فعال من سيناريو «فناء العالم»، الذي يتكشف، هو تعزيز نظام الأسلحة النووية الدولي الحالي.

وفي رسالة بعث بها في بداية أغسطس إلى المشاركين في مؤتمر حول معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: «لا يمكن أن يكون هناك رابحون في حرب نووية، ولا ينبغي إطلاق العنان لها أبداً». وكانت هذه محاولة من قبل بوتين للتراجع عن تهديد سابق مع بدء غزو روسيا لأوكرانيا.

تحذير الغرب

وفي ذلك الوقت، وفي إشارة واضحة إلى ترسانة الكرملين النووية، حذّر بوتين الغرب من أن أي محاولات للتدخل في حملة موسكو العسكرية ضد جارتها ستؤدي إلى «عواقب لم تصادفها في تاريخك». وبعد أيام، وضع بوتين القوات النووية الروسية في حالة تأهب قصوى.

وبعد ستة أشهر، تعرّض الأداء الكئيب لروسيا في ساحة المعارك لانتكاسة، في وقت تترنح فيه موسكو تحت وطأة العقوبات الهائلة. وقد ألمح المتحدثون الرسميون الروس الكبار إلى استخدام الأسلحة النووية التكتيكية، أو ما هو أسوأ. وأشار مدير وكالة المخابرات المركزية، ويليام بيرنز، إلى ذلك، خلال خطاب عام في أبريل، محذراً من أن بوتين قد يلجأ إلى استخدام الأسلحة النووية التكتيكية، إذا شعر أن روسيا تواجه خسارة فادحة في حربها في أوكرانيا. وبعد ثلاثة أسابيع، في مقابلة مع صحيفة «فاينانشيال تايمز»، أشار بيرنز، مرة أخرى، إلى أنه «نظراً لنوع التهديدات العسكرية التي سمعناها من القيادة الروسية»، فإن واشنطن «لا يمكنها الاستخفاف» باحتمال قيام روسيا بتنفيذ ضربة نووية منخفضة القوة.

مصدر القلق

وفي حين أن خطر قيام روسيا بشن هجمات نووية قد ازداد بسبب حربها في أوكرانيا، فمن المؤكد أنها ليست مصدر القلق الوحيد على هذه الجبهة. وفي الآونة الأخيرة، ونظراً للتوترات المتصاعدة بشأن تايوان، زادت مخاطر نشوب حرب بين الولايات المتحدة والصين. ونظراً لأن القدرات العسكرية التقليدية لبكين أضعف بكثير من قدرات واشنطن، فإن المنطق نفسه ينطبق على الحالة الصينية: في محاولة لتجنب الهزيمة، والتي يمكن أن تترجم، أيضاً، إلى إضعاف النظام، يقرر الصينيون اللجوء إلى السلاح النووي.

ليست القوى العظمى هي الوحيدة التي يمكن أن تلجأ إلى استخدام الأسلحة النووية في مواقف معينة. وفي الشهر الماضي، فقط، هدد الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، بأن بلاده مستعدة لنشر قواتها النووية إذا قررت كوريا الجنوبية المدعومة من الولايات المتحدة شن ضربات استباقية ضد بيونغ يانغ.

وبالمثل، نظراً لحالة الجغرافيا السياسية لجنوب آسيا، فإن مخاطر التبادل النووي في المنطقة آخذة في الارتفاع.

ونظراً لتفاوتها التقليدي مع خصمها اللدود -الهند، فقد احتفظت باكستان بسياسة الاستخدام النووي لأول مرة. ولكن الآن، مع دخول اقتصاد إسلام آباد أضعف لحظاته، وسط التحديات الأمنية المتزايدة، لاسيما من المتطرفين، وصعود النظام القومي الهندوسي اليميني المتطرف في الهند المجاورة، فإن مخاطر الصراع النووي في شبه القارة الهندية أكبر بكثير من ذي قبل. وفي غضون ذلك، في الشرق الأوسط، بغض النظر عما إذا كان هناك اتفاق نووي جديد أم لا، يمكن توقع استمرار إيران في السعي للحصول على أسلحة نووية، خصوصاً أن النظام يضعف داخلياً، مع الحفاظ على سياسة خارجية عدوانية.

نجاحات سابقة

وفي الوقت الذي لدينا فيه العديد من نقاط الاشتعال النووي، من الأهمية بمكان أن ننظر إلى الوراء إلى نجاحات نزع السلاح النووي السابقة. وبالطبع، لا يوجد سوى عدد قليل من هذه الحالات، والتي تشمل كازاخستان وبيلاروسيا، وأوكرانيا وجنوب إفريقيا. ومع ذلك، يقدم كل منها دروساً مهمة يمكن أن تساعد في تعزيز الجهود نحو الأمن النووي الدولي.

وحالة كازاخستان جديرة بالملاحظة بشكل خاص، حيث كانت دولة جديدة خرجت من تحت أنقاض الاتحاد السوفييتي، وكانت تمتلك رابع أكبر ترسانة في العالم. ومات عدد لا يحصى من المواطنين بسبب التسمم الإشعاعي، أو الإصابة بالسرطان، نتيجة لأكثر من 450 تجربة نووية سوفييتية في أرض التجارب النووية الضخمة في سيميبالاتينسك.

ولم تتخلَّ الدولة الأوراسية عن الأسلحة النووية، فحسب، بل ظهرت، أيضاً، كرائد في الجهود الدولية لنزع السلاح النووي، كما يتضح من الأمر التنفيذي الأول للرئيس السابق نور سلطان نزارباييف عند الاستقلال، والمتمثل في إغلاق موقع «سيمي». وعلى عكس مواقع التجارب النووية الأخرى، فقد ظل «سيمي» مغلقاً إلى الأبد.

ومبادرة كازاخستان لعام 2009، لإعلان يوم 29 أغسطس يوماً دولياً لمناهضة التجارب النووية، تم تبنيها بالإجماع في الجمعية العامة للأمم المتحدة. واحتفل العالم أخيراً بهذا التاريخ المهم. وعلى الرغم من كونها ذات طابع رمزي، فإن مثل هذه التحركات تقطع شوطاً طويلاً في حشد العمل الجماعي الضروري لتعزيز المعايير الدولية الحاسمة لعدم الانتشار العالمي. وهي تعزز الدبلوماسية متعددة الأطراف، التي تواجه قيوداً خطيرة. والعمل كالمعتاد غير كافٍ لتقييد سلوك الدول التي تجد نفسها في مواقف وجودية.

«نوبل للسلام»

هنا حيث يمكن لجائزة نوبل للسلام، التي أنشئت لأول مرة لتعزيز السعي العالمي لتحقيق السلام، أن تلعب دوراً رئيساً في تشكيل الحوار العالمي. ولكن في العقود الثلاثة الماضية، مُنحت الجائزة السنوية مرتين، فقط، تقديراً للجهود المبذولة لتحقيق الأمن النووي. الأولى في عام 2005، عندما حصلت الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومديرها آنذاك، محمد البرادعي، على جائزة نوبل للسلام. وبعد 12 عاماً، حصلت الحملة الدولية للقضاء على الأسلحة النووية على الجائزة المرموقة.

ولا يوجد تهديد للأمن الدولي أكبر من احتمال اندلاع حرب نووية. وفي بيئة عالمية متعددة الأقطاب بشكل متزايد، خصوصاً وسط التدهور الخطير للنظام الدولي القائم على القواعد، فإن الخطر يتزايد. وجائزة نوبل للسلام في حد ذاتها هي اعتراف بالجهود التي يبذلها الأفراد والمؤسسات لتعزيز السلام الدولي. والأهم من ذلك بكثير هي المعايير التي تشكلها الجائزة في هذه العملية. واليوم، من الأهمية بمكان أن تساعد لجنة جائزة نوبل للسلام النرويجية في مواجهة التهديدات المتصاعدة للصراع النووي.

• مع اشتداد الحرب الروسية في أوكرانيا، وتصاعد المنافسة بين القوى العظمى، من الضروري إعادة النظر في افتراضاتنا حول احتمال نشوب صراع نووي.

• نظراً لتفاوتها التقليدي مع خصمها اللدود -الهند، فقد احتفظت باكستان بسياسة الاستخدام النووي لأول مرة.

• 450 تجربة نووية سوفييتية أُجريت في أرض التجارب النووية الضخمة في سيميبالاتينسك.

تويتر