وفاتها جاءت في لحظة حساب لماضي بريطانيا الاستعماري

رحيل إليزابيث الثانية يهدد بتفكيك اتحاد دول الكومنولث

صورة

اتسم حكم الملكة إليزابيث الثانية، الذي استمر 70 عاماً، بفترات من عدم اليقين الشديد بشأن دور بريطانيا على المسرح العالمي. والملكة التي توفيت الأسبوع الماضي، تم تتويجها عام 1953 عندما بدأت الشمس تغرب على الإمبراطورية البريطانية، وتأتي وفاتها في الوقت الذي تعيد فيه البلاد النظر في مكانتها في العالم، ووسط دعوات متزايدة للمملكة المتحدة للاعتراف بتاريخها الاستعماري، ومع اكتساب المشاعر الجمهورية زخماً بين دول منطقة البحر الكاريبي.

وعلمت إليزابيث بوفاة والدها أثناء وجودها في كينيا، عندما كانت تقوم بجولة امتدت أشهراً في الكومنولث البريطاني، عام 1952. وبعد عقد من الزمان، انفصلت كينيا عن الحكم البريطاني في موجة مناهضة للاستعمار. واجتاحت الحركات إفريقيا وآسيا، وأعلنت عشرات الدول استقلالها عن القوى الإمبريالية الأوروبية.

وظل العديد من الأعضاء المستقلين حديثاً في الإمبراطورية البريطانية السابقة غير متماسكين معاً في «كومنولث الأمم»، الذي تأسس عام 1949، كاتحاد طوعي للأعضاء السابقين في الإمبراطورية، وللمقاطعات ذات التاريخ والمصالح المشتركة. وفي بدايته، كان القصد من الكومنولث، إلى حد كبير، تعزيز الديمقراطية والسلام والتنمية الاقتصادية عبر الدول الأعضاء. وفي حين أثبت أنه منتدى دبلوماسي قيم، خصوصاً بالنسبة للدول الأصغر، فإنه ظل في الأساس منتدى ثقافياً، حيث سرعان ما طغت أهميته السياسية والاقتصادية لدى المنظمات الدولية الأخرى التي تأسست في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وفي ذلك قالت مؤرخة الإمبراطورية البريطانية بجامعة سيدني، سيندي ماكريري «الكومنولث لم يصل حقاً إلى إمكاناته».

أداة للقوة الناعمة

لقد كان اتحاد هذه الدول بمثابة أداة قوية للقوة الناعمة والدبلوماسية البريطانية. واهتمت الملكة اهتماماً شخصياً وعميقاً بالكومنولث، طوال فترة حكمها، إذ قامت بأكثر من 200 زيارة إلى الدول الأعضاء. وقال مدير معهد دراسات الكومنولث في جامعة لندن، فيليب مورفي، «لقد كانت تعني كل شيء حقاً»، موضحاً «كان هذا هو ما جعلها مميزة كملكة أوروبية، ولديها هذا الدور المزدوج بصفتها صاحبة سيادة على أكثر من 12 مملكة حول العالم ورئيسة للكومنولث». وفي العديد من البلدان المستقلة حديثاً، والتي ظهرت في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، كان القادة الأكثر اعتدالاً للحركات المناهضة للاستعمار هم الذين وصلوا إلى السلطة في البداية، ورأوا فائدة في البقاء على علاقة جيدة مع المملكة المتحدة. وفي ذلك تقول مؤرخة الإمبراطورية البريطانية في جامعة ستانفورد، بريا ساتيا «استمرار الصداقة مع الحاكم السابق لبلادهم كان ذا قيمة وشيئاً جيداً»، متابعة «سمح الكومنولث للمستعمرات السابقة مثل الهند بأن تمارس (المساواة) في الكريكيت والمسابقات الرياضية الأخرى».

إحساس بالاستقرار

وكانت هناك أيضاً مزايا جيوسياسية للعضوية، ففي السنوات الأولى التي أعقبت تأسيس المنظمة، وجد جزء من العالم نفسه عالقاً في الصراع على السلطة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة. وفي خطاب ألقاه عام 1955، حث رئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو، الدول المستقلة حديثاً على عدم الانحياز إلى أي من القوتين الرئيستين.

وتقول ماكريري «قدم الكومنولث إحساساً بالاستقرار، وبالطبع في حقبة الحرب الباردة، كان بديلاً متعمداً لسياسات الاستقطاب لحلف شمال الأطلسي مقابل الكتلة الشرقية».

وخلال موجة حركات الاستقلال في الستينات، بذلت الملكة جهوداً متضافرة للوصول إلى قادة الدول الجديدة. وفي عام 1961، بعد أربع سنوات من إعلان غانا استقلالها عن الإمبراطورية البريطانية، سافرت إليزابيث إلى هناك، حيث رقصت مع الرئيس الماركسي للبلاد في حفل استقبال أقيم على شرفها في عصر كان من غير المعتاد فيه رؤية امرأة بيضاء وهي ترقص مع رجل أسود، وفقاً لماكريري.

خلاف

وعلى الرغم من الحفاظ على آرائها جانباً، فإن الملكة كانت على خلاف مع رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر التي عارضت فرض عقوبات على نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا؛ الأمر الذي جعل بريطانيا الدولة الوحيدة المعرقلة لهذا الإجراء بين دول الكومنولث. ووفقاً لوثائق رفعت عنها السرية في عام 2017، كانت إليزابيث غاضبة جداً من قرار تاتشر، خوفاً من أن يلحق الضرر بالكومنولث، لدرجة أنها فكرت في إلغاء اجتماعاتها الأسبوعية مع رئيسة الوزراء. وواصلت الملكة تطوير صداقة دافئة مع نيلسون مانديلا، أول رئيس لجنوب إفريقيا بعد إلغاء الفصل العنصري.

فحص الجذور الاستعمارية

ومن نواحٍ عدة، سهل الكومنولث الانتقال من علاقة استعمارية إلى أسرة من الأمم، كما تصف المنظمة نفسها الآن، لكنها أخَّرت أيضاً تسليط الضوء على الجوانب الأكثر وحشية للحكم الاستعماري البريطاني والعبودية.

وفي ذلك قال مورفي من جامعة لندن «كان هناك اتفاق تقريباً على النسيان بين بريطانيا والجيل الأول من قادة الكومنولث». وفي السنوات الأخيرة، مع ظهور أجيال جديدة، نمت الدعوات إلى محاسبة أكبر للإرث الكامل للإمبراطورية البريطانية في كل من المملكة المتحدة وأعضاء الكومنولث. وتقول ساتيا «ما حدث - وهذا مؤسف - هو أنه لم يتم توضيح أي شيء. هل هذه الدول حرة أم لا؟ هل هي جمهوريات أم ملكية؟ هل انتهت الإمبراطورية أم لا؟».

ويتولى تشارلز الدور الرمزي كرئيس للكومنولث، في وقت تقوم فيه كل من المملكة المتحدة والدول الأعضاء الأخرى البالغ عددها 55 دولة بإعادة فحص الجذور الاستعمارية للمنظمة بشكل متزايد. وخلال خطاب ألقاه في باربادوس العام الماضي، عندما أصبحت البلاد جمهورية، أقر تشارلز بـ«فظائع العبودية المروعة» التي «لطخت إلى الأبد التاريخ البريطاني».

وفي حين أن منظمة الكومنولث التي تمثل ما يقرب من ثلث سكان العالم قد تصارع لتحقيق هدفها في بعض الأحيان، فمن المرجح أن تجد الدول الجزرية الأصغر التي تعاني بالفعل عواقب تغير المناخ، مدافعاً قوياً يتمثل في الملك الجديد، الذي لديه مصلحة عميقة وطويلة الأمد في حماية البيئة. وفي قمة المناخ التي عقدتها الأمم المتحدة في غلاسكو، العام الماضي، دعا إلى «حملة واسعة النطاق» لحشد موارد القطاع الخاص في مكافحة تغير المناخ.

القادة الأكثر اعتدالاً للحركات المناهضة للاستعمار رأوا فائدة في البقاء على علاقة جيدة مع المملكة المتحدة.

في السنوات الأخيرة، مع ظهور أجيال جديدة نمت الدعوات إلى محاسبة أكبر للإرث الكامل للإمبراطورية البريطانية في كل من المملكة المتحدة وأعضاء الكومنولث.

تويتر