تاريخياً كانت الدولتان أساسيتين في المنطقة

أوروبا بحاجة إلى علاقة مستقرّة بين روسيا وألمانيا

صورة

خلال القرن الـ20 أدّت التحالفات وصراعات المصالح والتداخل بين روسيا وألمانيا إلى حدوث حربين عالميتين. وتجد أوروبا نفسها هذه الأيام في موقف قلق. فيما أدّت الحرب الأوكرانية على المدى القصير إلى تعزيز علاقات الشراكة بين طرفي الأطلسي، عن طريق تقديم إمدادات المساعدات العسكرية لكييف، وفرض العقوبات على موسكو، الأمر الذي نجم عنه إنعاش الاتحاد الأوروبي، الذي بدأ بدوره بالتوجه إلى النظام الدولي سريع التغيير.

ولكن مع استمرار الحرب في أوكرانيا، ثمة شكوك حيال مدى تمكن الأوروبيين من تقديم الدعم غير المشروط إلى أوكرانيا، وسط التحديات الداخلية. وإلى جانب هذه التوجهات المتغيّرة العابرة للحدود، تلقت اقتراحات الإصلاح الثورية التي أطلقها المستشار الألماني، أولاف شولتز، من أجل تغيير أمن برلين وسياسات إنفاق الدفاع، اهتماماً بالغاً.

إعادة تقييم سريعة

باتت أوروبا، التي خرجت من الحرب الباردة، عبارة عن شيء من مخلفات الماضي. ومن سيحل مكانها سيؤثر بقوة في القضايا الدولية لعقود مقبلة. ولكن في حال انجراف أوروبا نحو زيادة الإنفاق العسكري، وزيادة التسلح، والتحوّل إلى بيئة أمنية متصدعة وعاجزة، وشبيهة بالعقود التي سبقت الحرب العالمية الأولى، عندها يجب القيام بإعادة تقييم سريعة. وفي هذه البيئة قد تكون أجواء «المنافسة التي يتم التحكم بها» هي النتيجة المرغوبة أكثر من غيرها، إذا فشلت التسوية السلمية والعادلة في أوكرانيا. ولإنجاح هذا النظام يجب أن تكون العلاقات بين روسيا وألمانيا هي الأكثر أهمية. ويقدم التاريخ المشترك للبلدين دروساً مهمة.

علاقة ضرورية

تعتبر العلاقة بين روسيا وألمانيا ضرورية لتشكيل البيئة الأوسع التي تعيش فيها الدول الأوروبية. وبدأت الصداقة الروسية - الألمانية في اتفاقية «كاليش» عام 1813، التي كانت موجهة ضد الجيش الفرنسي خلال السنوات الأخيرة من حروب نابليون، والتي دمرت شرعية النظام الأوروبي السابق. وثبت أنها ترتيبات ودية تم انشاؤها - غالباً - انطلاقاً من المصالح، والقيم المشتركة، واستمرت خلال العقود السبعة التالية. وعلى الرغم من أن مؤتمر فيينا حصل على الفضل كله في منع حدوث صراع في كل أرجاء القارة الأوروبية بعد الحروب النابليونية، فإن فوائد العلاقة بين ألمانيا وروسيا كانت ملحوظة بحد ذاتها.

القيصر ألكساندر الثاني

خلال حرب القرم 1853-1856 كانت بروسيا هي الدولة الوحيدة التي لم تشارك في الائتلاف ضد روسيا. وبالمثل حافظ القيصر ألكساندر الثاني على الحيادية خلال حروب بروسيا ضد النمسا، وفرنسا، التي أدّت إلى تشكل الإمبراطورية الألمانية. ومع انتهاء التحالف الروسي - الألماني رسمياً برفض برلين عام 1890 تمديد معاهدة التأمين السرية مع روسيا، كانت هذه الصداقة واحدة من أهم الركائز التي أدّت إلى استقرار النظام الأوروبي في القرن الـ19. وكما أظهر التاريخ، فقد تم إلقاء روسيا في أحضان فرنسا التي كانت تسعى من خلال هذه الصداقة إلى استعادة إقليمي «الألزاس واللورين» من قبضة ألمانيا.

نهاية التحالف

على الرغم من أن العوامل التي أدّت إلى نهاية التحالف الروسي - الألماني بدت بأنها غير قابلة للرجوع، فإنه من المهم النظر إلى نتائج انفصال علاقة البلدين. فبعد نهاية الحلف بين ألمانيا وروسيا تدهور الوضع الأمني في كل أوروبا، وتزايد إنتاج السلاح، إضافة إلى الإنفاق العسكري، وأصبحت المشاعر القومية في تزايد كبير، وأسهمت السياسات الجماهيرية في التقلبات داخل الدول الإمبريالية في وسط وشرق أوروبا. وفي نهاية المطاف أدّت إلى اندلاع الحرب العالمية الأولى، التي بدأت نتيجة تزايد التوتر بين ألمانيا وروسيا في جنوب وشرق أوروبا. وحتى الحرب العالمية الثانية بدأت في شرق أوروبا وأدّت إلى حدوث قتال أكثر فتكاً بين ألمانيا النازية والاتحاد السوفييتي، لأسباب ليس أقلها عجز اتفاقية «فرساي» عن إيجاد نظام جديد مستقر.

الدبلوماسي بارون روزين

كتب الدبلوماسي بارون روزين، من معهد أوروبا الإمبريالية في مذكراته يقول: «لعبت هذه الدولة، التي يبلغ تعداد سكانها نحو 150مليون نسمة، وتحتل مساحة تعادل نحو سُبع الكرة الأرضية المسكونة، دوراً كبيراً ومهماً في تاريخ العالم بالنظر إلى ظروفها وقدرها»، ولايزال صدى كلمات هذا الرجل مسموعاً بقوة حتى في عصرنا الحالي.

وخلال العقود الثلاثة التي تلت توحيد ألمانيا، فهم المؤرخون الروس والألمان أهمية العلاقات الودية بين القوتين، من أجل الحفاظ على السلام والاستقرار عبر القارة الأوروبية. وكان موقف برلين الودي نسبياً مع موسكو منذ نهاية الحرب الباردة نابعاً من عوامل محددة وفريدة بالنسبة لألمانيا. والأكثر أهمية أنها تتضمن مشاعر أحاسيس الشعور بالخطأ، لأنها غزت الاتحاد السوفييتي والخسائر والمعاناة من كلا الطرفين. ويكن الألمان الكثير من الامتنان للرئيس الأخير للاتحاد السوفييتي، ميخائيل غورباتشوف، لسماحه بالتوحيد السلمي لبرلين.

ويتساءل الأوروبيون والألمان الذين أقاموا علاقات اقتصادية مع الاتحاد السوفييتي، خلال السنوات الأخيرة، من وجوده عما إذا كان إطالة أمد الحرب في أوكرانيا قد تؤدي إلى حل سلمي للصراع ويعيد الاستقرار في أوروبا. وبالنظر إلى الركود المحدق في ألمانيا، وارتفاع أسعار الطاقة في أوروبا، وارتفاع تكاليف المعيشة، فإن احتمال حدوث اضطرابات في القارة الأوروبية غير مستبعد.

كيف تتوقف حرب أوكرانيا

ومن المرجح أن تتوقف الحرب إذا تعرّض أحد جانبي الصراع للهزيمة، أو وافق كلاهما على التوصل إلى حل عن طريق التفاوض. وعلى الرغم من أن الوضع الجاري يبدو مغرياً لإضعاف روسيا، فإن هذه الاستراتيجية تحمل مخاطر أكثر من منافعها. ويجب على كل من يحلم بإضعاف روسيا أو تقسيمها أو أي شيء من هذا القبيل أن يتذكر تحذيرات الدبلوماسي بارون روزين، التي كانت قبل اختراع الأسلحة النووية. ولكن من المؤكد أن ثمة طريقة لإنهاء الحرب في أوكرانيا، من خلال الدبلوماسية من أجل تحقيق السلام الدائم.

وفي الحقيقة، فإن العلاقات الودية لألمانيا وروسيا لم تسفر دائماً عن نتائج مفيدة، خصوصاً بالنسبة للدول الواقعة بينهما. ومع ذلك لا ينبغي التغاضي عن المصائب التي ضربت أوروبا والعالم عندما كانت علاقة ألمانيا وروسيا مضطربة.

الاعتماد على الولايات المتحدة

وركزت الاستراتيجية التي انتهجتها ألمانيا إزاء روسيا، خلال العقود الثلاثة الماضية، على الاقتصاد على حساب حلف الأطلسي، والولايات المتحدة، وقضايا الدفاع. وأظهرت حرب أوكرانيا عدم فعالية هذه السياسة وحتمية إصلاحها في أي علاقة مستقبلية مع موسكو. وبالنظر إلى الاعتماد المتواصل على الولايات المتحدة قد تجد ألمانيا وشركاؤها في أوروبا أنفسها غير قادرين على الدفاع عن أنفسها إذا قررت واشنطن تقليل التزاماتها الإقليمية كي تهتم بالتطورات في شرق آسيا أو أي مكان آخر.

وأعلن أول مستشار لألمانيا، أوتو فون بسمارك، أن سر السياسة الجيدة هي إجراء اتفاقية مع روسيا. وعلى الرغم من أن عقد مثل هذه الاتفاقية في الظروف الراهنة سيكون مختلفاً تماماً عن الاتفاقيات السابقة، فإن حكمة وجهة نظر بسمارك لاتزال صحيحة هذه الأيام. وستكون مسؤولية قادة ألمانيا في هذه الأيام كيفية صياغة مثل هذه الاتفاقية وتنفيذها بصورة عادلة ومستدامة.

آرتين درسيمونيان باحث في شؤون أوروبا وألمانيا في جامعة غلاسكو.


خلال العقود الثلاثة التي تلت توحيد ألمانيا، فهم المؤرخون الروس والألمان أهمية العلاقات الودية بين القوتين، من أجل الحفاظ على السلام والاستقرار عبر القارة الأوروبية.

يتساءل الأوروبيون والألمان الذين أقاموا علاقات اقتصادية مع الاتحاد السوفييتي، خلال السنوات الأخيرة من وجوده، عمّا إذا كانت إطالة أمد الحرب في أوكرانيا قد تؤدي إلى حل سلمي للصراع وتعيد الاستقرار في أوروبا.

تويتر