بعد أن توقفت دائرة العنف الأخيرة

نار الصراعات لاتزال متقدة تحت الرماد في العراق

صورة

بعد أن شهد العراق واحدة من أسوأ المواجهات المسلحة منذ سنوات، ظن البعض ألا أحد يستطيع إيقاف هذه الدائرة من العنف وأن البلاد ماضية لا محالة نحو حرب أهلية لا تبقي ولا تذر، واستشعر كل من التيار الصدري والإطار التنسيقي الخطر مع اتساع دائرة العنف وسقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى. ودعا الجانبان، وهما المعسكران الرئيسان اللذان يتحكمان في زمام المشهد السياسي، بل ويتمتعان بقدرة على التحشيد في الشارع، أنصارهما إلى وقف الاقتتال وإنهاء جميع مظاهر الاعتصامات والتجمعات في الشوارع والميادين والعودة إلى منازلهم في محاولة لحقن الدماء وإخماد نار الفتنة.

وبالفعل انسحب أنصار الصدر من المنطقة الخضراء في بغداد بعد أن أمهلهم زعيمهم 60 دقيقة لوقف كل الاحتجاجات، ولوح بالتبرؤ منهم إذا لم يوقفوا المواجهات مع قوى الأمن وأفراد الحشد الشعبي. وفور بدء الانسحاب، رفع الجيش العراقي حظر التجوال الذي أعلنه مع اندلاع شرارة المواجهات التي استخدمت فيها الأسلحة الآلية والقذائف الصاروخية بعد نزول أنصار الصدر إلى الشوارع غاضبين، إثر إعلانه اعتزال العمل السياسي «نهائياً».

كما أنهى أنصار الإطار التنسيقي اعتصامهم في بغداد، لتهدأ الأوضاع نسبياً وسط حديث عن تفاهمات غير معلنة بين الأطراف المتنازعة بشأن المسارات التي يمكن من خلالها الخروج من الأزمة السياسية الراهنة، وحالة الجمود التي يعانيها العراق منذ نحو عام.

ورأت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية في ما فعله الصدر مقامرة محسوبة أراد من خلالها إيصال رسالة معينة. وتقول الصحيفة إن الصدر «تعد مناورته جزءاً من التنافس الشيعي المتطور في البلاد الذي يهدد بزعزعة استقرار الدولة الضعيفة بشكل أكبر، ويعقد معادلة النظام الديني الإيراني، الذي يمارس نفوذه على بغداد منذ فترة طويلة».

بينما اعتبرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، أن «الأزمة السياسية في العراق تشير إلى ضعف نفوذ إيران في بغداد»، ورأت أن الفصائل الشيعية في العراق باتت منقسمة بشدة.

ولم تتوقف صحيفة «الغارديان» البريطانية كثيراً عند مساعي التهدئة وراحت تستدعي ساعات الرعب التي عاشها العراقيون، والتي قالت إن بعضهم كان يخشى سيناريو تطور المواجهات المسلحة إلى حرب أهلية، وقالت إن العراق يمضي على مسار تصادمي منذ أشهر عدة بعد تعمق التوترات السياسية بين الأطراف الشيعية المتناحرة، ما أدى إلى الفشل في تشكيل حكومة جديدة على الرغم من مرور 11 شهراً على الانتخابات البرلمانية.

هذا الهدوء الظاهري، كما وصفه مراقبون، لم يُخف الهوة العميقة بين فرقاء العراق، فعلى الرغم من إعلان الصدر اعتزال العمل السياسي نهائياً، لم تمر سوى أيام قليلة على مواجهات الاثنين العنيفة حتى قدم مقرب منه هو صالح العراقي مقترحات عدة إلى رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، من بينها تغيير رئيس هيئة الحشد الشعبي الموالي لإيران فالح الفياض. ووصف العراقي في بيان الفياض بأنه «متحزب ورئيس كتلة، وهذا ما يسيس الحشد المجاهد»، معتبراً أنه «لا يمتلك شخصية قوية بل ولا يمتلك ذهنية عسكرية، وعموماً فإنه غير مؤهل لهذا المنصب». كما اقترح العراقي «استصدار أمر حازم وشديد بحل الفصائل التي تدعي المقاومة وهي تقتل أبناء الشعب، وإخراج جميع الفصائل بل والحشد الشعبي من المنطقة الخضراء، على أن تمسك زمامها القوات الأمنية الوطنية البطلة». واعتبر أن «بقاءهم فيه خطورة أمنية على قائد القوات المسلحة نفسه، فضلاً عن بقية المؤسسات ولاسيما القضاء والضغط عليه».

ووسط مخاوف من تجدد المواجهات، وجّه الأمين العام لحزب الدعوة نوري المالكي نداء إلى قادة القوى الوطنية في العراق، قائلاً إن «صوتي وموقفي معكم يا دعاة الدين والتعقل والمسؤولية، وإنني أقف دوماً إلى جنب نداء التهدئة والركون إلى الاستقرار». وحذر المالكي في بيان، من «مشاعر استرخاص سفك الدماء»، مبيناً أن «الدم إذا سال ظلماً ترك حقداً وصدعاً يصعب معالجته ويطول أثره، فتعالوا إلى كلمة سواء أن يكون العراق هو طاولة اللقاء والعراقي هو هدفنا جميعاً».

دعوة تلاقت مع مثيلات لها من قوى إقليمية ودولية عدة، حيث تلقى رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي اتصالاً هاتفياً من الرئيس الأميركي جو بايدن الأربعاء بعد الأحداث الأخيرة التي شهدها العراق. وقال المكتب الإعلامي للكاظمي إن بايدن أكد دعمه لعراق «مستقل وذي سيادة»، كما جاء في «اتفاقية الإطار الاستراتيجي» الموقعة بين العراق والولايات المتحدة.

وقال البيت الأبيض في بيان إن بايدن «رحب بعودة الأمن إلى الشارع ودعا جميع القادة العراقيين إلى البدء بحوار وطني يهدف إلى بناء حل مشترك، في إطار الدستور والقوانين العراقية».

وبعيداً عن العراقيين المحسوبين على المعسكرات السياسية المختلفة، تبقى شريحة غير قليلة من أهل العراق تخشى خروج الأمور عن السيطرة وهي تستذكر الفوضى العارمة التي اجتاحت شوارع بغداد في أعقاب الغزو الأميركي عام 2003، حيث «لم يكن هناك أمن ولا حماية ولا دولة»، كما يقول البعض. وفي هذا الصدد، تقول صحيفة الغارديان «بعد ما يقرب من 20 عاماً على الغزو الأميركي، لايزال العراق يكافح من أجل تحقيق السلام. لقد كشفت الأزمة الأخيرة مرة أخرى ضعف مؤسساته وهشاشة الوضع السياسي».

هذا الهدوء الظاهري، كما وصفه مراقبون، لم يُخف الهوة العميقة بين فرقاء العراق، فعلى الرغم من إعلان الصدر اعتزال العمل السياسي نهائياً، لم تمر سوى أيام قليلة على مواجهات الإثنين العنيفة حتى قدّم مقرب منه هو صالح العراقي مقترحات عدة إلى رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، من بينها تغيير رئيس هيئة الحشد الشعبي الموالي لإيران فالح الفياض.

بعد ما يقرب من 20 عاماً على الغزو الأميركي، لايزال العراق يكافح من أجل تحقيق السلام. لقد كشفت الأزمة الأخيرة مرة أخرى ضعف مؤسساته وهشاشة الوضع السياسي.

تويتر