المرصد

الصحافة الإنسانية وحريق «أبوسيفين»

برهن حادث حريق «كنيسة أبوسيفين» في مصر، أخيراً، على أنه رغم سيادة «المعلوماتية الجافة» على المشهد الإعلامي إلا أن «الصحافة الإنسانية» تظل صاحبة الجاذبية الأعلى بمجرد ظهورها على المسرح. فالناس رغم تعطشها الإعلامي حين وقع الحادث لمعلومات من نوع كيف وقع الحريق؟ ومن المسؤول؟ وكم عدد الضحايا؟ وكيف تصرف المسؤولون مع الموقف؟ إلا أن هذا التعطش سرعان ما زال، لتحل محله الصور واللقطات الإنسانية التي ظلت محل حديث الناس وتأثرهم العاطفي الذي لا يتوقف.

كانت القصة الأولى الأكثر تصدراً للمشهد، والتي لم تستنكف وسيلة إعلامية عن نقلها وإضافة الجديد إليها، هي قصة وفاة إيرين عاطف وأطفالها الصغار الثلاثة وهم التوأم مارسينا تامر (خمس سنوات)، وميريام تامر (خمس سنوات)، وإبرام تامر (3 سنوات)، ومعهم، علاوة على والدتهم، جدتهم ماجدة وخالتهم ميرنا، اختناقاً بالنيران، وقد زاد الحادث مأساوية أن إيرين كانت لا تنجب سنوات طوالاً، وبعد إنجابها آخر ولد توفي زوجها.

أما القصة الثانية التي تصدرت التغطيات، فهي القصة البطولية لكاهن الكنيسة عبدالمسيح بخيت، الذي رفض أن يفكر في النجاة بنفسه، وانخرط في محاولات مستميته لإنقاذ الأطفال، حتى حاصره الدخان وتوفي.

وأما القصة الثالثة للحادث، فهي بانورامية ومركبة، وتتكون من عشرات اللقطات لأهالي حي «وراق العرب» الشعبي وهم يتدافعون نحو الكنيسة رجالاً ونساءً وأطفالاً في مسعى لإنقاذ المحاصرين، فينجحون أحياناً ويخفقون أحياناً، لكنهم في كل الأحوال يوقفون امتداد النيران ويوقفون حريقاً كان يمكن أن يلتهم حي الوراق وإمبابة، بحسب شهود عيان.

وأما الصورة الرابعة فكانت درساً في «الوحدة الوطنية»، أقوى من الخطب والإنشاء، فهي للشاب المسلم محمد يحيى الذي قفز وسط النيران لانتشال الأطفال فأمسكت به النيران وأصيب بكسور، وتم نقله إلى المستشفى حيث يعالج.

وكانت هذه القصص هي الأبرز من أرشيف لقطات تابعتها الناس بقلوبها قبل عقولها، وقد ساعد على استكمالها وإنضاجها وجود الـ«سوشيال ميديا»، حيث قدمت حسابات هؤلاء الضحايا على «فيس بوك»، صوراً ومعلومات لهم، ساعدت الصحافيين في إنتاج قصص متكاملة.

وقد عزز هذه القصص، قصة خبر، لا يبعد كثيراً عن مضمونها وهو منح الأزهر الشريف 50 ألف جنيه لكل ضحية توفيت في الكنيسة في لمسة تجاور فيها الإنساني والديني.

صحافة اليوم، وقد أرهقتها تخمة المعلومات، بحاجة لتعزيز هذا النوع من الصحافة، وهو بالرغم من جاذبيته، كما أثبت الحادث، لايزال يفتقر إلى «ستايل بوك» يمنحه مزيداً من المكانة، حيث يعتمد حتى الآن في تعريفه على كتاب هيئة الصليب الأحمر الأميركي الصادر 2008، ويقره الصحافيون تجاوزاً، كدليل صحافي، بحسب شبكة الصحافيين الدوليين.

تويتر