على الرغم من مرور 75 عاماً على تقسيم الدولتين

الحدود السياسية بين الهند وباكستان لاتزال تفصل بين أفراد العائلة الواحدة

صورة

مرّ 75 عاماً منذ أن أعلنت بريطانيا عن تقسيم ما كان يُعرف بـ(الهند البريطانية)، ضمن إمبراطوريتها الاستعمارية، ما أدى إلى ظهور دولتين مستقلتين:

«الهند ذات الأغلبية الهندوسية، وباكستان ذات الأغلبية المسلمة». لكن فرحة الاستقلال شابتها مذبحة التقسيم. واتسمت الأيام التي أعقبت ميلاد الدولتين بحالة من الفوضى لم يسبق لها مثيل، حيث اندلعت الكراهية بين الجماعات الدينية، فقد شق ملايين المسلمين طريقهم إلى باكستان، بينما رحل الهندوس والسيخ في الاتجاه المعاكس. وعانى الكثيرون فظائع مروعة على طول الطريق، حالت دون وصولهم إلى وجهتهم على الإطلاق.

وبالكاد نجا بريتام خان، وهو مسلم كان يعيش في منطقة لودهيانا بالهند، عندما غزت مجموعة من الغوغاء قريته، لكنه فقد بقية أفراد أسرته. وقال خان (86 عاماً)، في حديث مع وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ): «كنت ألعب قرب المنزل في ذلك الوقت عندما اقتحمته مجموع من الغوغاء المشاغبين».

وتمكن والده وإخوته الأكبر منه من الفرار، بينما اختبأ هو في حقول الذرة واختبأت والدته في بئر. وفي وقت لاحق عندما توجه للبحث عنها، لم تخرج من البئر. وكما حدث لوالدة بريتام خان، لقي مليون شخص على الأقل حتفهم في أعمال الشغب والمذابح بسبب التقسيم الذي تم عام 1947. واضطر نحو 15 مليون شخص إلى النزوح أو أرغموا على الفرار.

وفقد المواطنون ممتلكاتهم بسبب الانتقال من مكان إلى آخر، ما زاد من تأجيج الاضطرابات. ومازالت صدمات ذلك الوقت باقية في الذاكرة الجمعية حتى اليوم، حيث تؤثر في تشكيل السياسات وتفاقم التنافس المرير بين الدولتين.

ولا يعرف بريتام خان بالضبط ما حدث بعد وفاة والدته. وقال: «إنه هام على وجهه، ثم استقر في نهاية المطاف مع قرويين آخرين حتى انحسر العنف».

وترعرع بريتام في قرية هندية قرب القرية التي ينتمي إليها وعمل لحساب أحد المزارعين، ولم يلتحق بأي مدرسة على الإطلاق. وبعد نحو سبع سنوات من التقسيم، اكتشفت عائلته في باكستان أن بريتام مازال على قيد الحياة، وذلك بعد أن توجه شخص تربطه علاقة قرابة بعيدة بالعائلة إلى الهند للبحث عن ابنه المفقود.

وفي عام 1983، بدأ شاهباز خان وهو ابن أخيه في كتابة رسائل إليه وهما على اتصال معاً حتى اليوم. وفي الوقت الذي تحصي فيه عائلة خان وعائلات أخرى 75 عاماً منذ المآسي التي قسمتهم، تحتفل الدولتان باستقلالهما باعتباره انتصاراً، حيث تحتفل باكستان في 14 أغسطس بالمناسبة، بينما تحتفل به الهند في اليوم التالي.

ولن يحتفل خان. وقال: «إنه سيجلس في الخلاء على سريره المنسوج، وهو سرير تقليدي للنوم في المنطقة يطلق عليه (تشاربي)، ويفكر في أسرته التي افتقدها، كما يفعل غالباً هذه الأيام».

وقال شاهباز خان ( 54 عاماً)، ابن شقيق بريتام خان، لوكالة الأنباء الألمانية وهو جالس أسفل علم باكستاني، وهو الشيء الوحيد الذي يزيّن جدار حجرة الاستقبال الخاصة به في منطقة فيصل أباد: «إن الأحداث التي وقعت وقت التقسيم مؤلمة اليوم تماماً، كما كانت منذ 75 عاماً».

وتعتبر حالة عدم المساواة من تداعيات تقسيم المنطقة عام 1947، التي تعتبر من بين أكثر المناطق ازدحاماً بالسكان على وجه الأرض، حيث هناك أكثر من 1.3 مليار نسمة في الهند، ونحو 220 مليون نسمة في باكستان.

وتعتبر الهند دولة مستقرة تقدمت من وضعها كدولة نامية. من ناحية أخرى، تعتبر باكستان دولة تعاني اقتصاداً متعثراً، وهياكل ديمقراطية ضعيفة، ومشكلات أمنية معقدة بسبب الجماعات المسلحة المتطرفة. ومع ذلك، فإن أكثر ما يتمناه بريتام خان هو العودة إلى باكستان، ليكون مع عائلته. لكنه لا يستطيع ذلك، بسبب العلاقات المتوترة بين البلدين التي تجعل من الصعب عليه الحصول على تأشيرة، حسب قوله. وأضاف أنه دائماً يشعر بالحنين للانضمام إلى عائلته، ولكن زاد هذا الحنين قوة بعد ما زار باكستان في عام 2005 كحاج، مثل آلاف السيخ الذين يعبرون الحدود كل عام. وقضى يومين مع شقيقه الأكبر المتوفي الآن ومع أبنائه.

ويسترجع ابن شقيقه هذه الزيارة ويقول: «كنت أتمنى ألا نتركه يعود إلى الهند».

كما أن جيران بريتام خان الهنود، الذين يسمحون له باستخدام هواتفهم لاجراء مكالمات هاتفية، ويقومون بطهي الطعام له، وجلب الأدوية له، يتمنون أن يستطيع لم شمله مع عائلته، لأنهم يرون أنه يشعر بالوحدة. وعلى الرغم من أن بريتام وشاهباز لا يتناقشان في السياسة عندما يتحدثان معاً، فإنهما يتحدثان عن حقيقة أنهما ضحايا العلاقات الفاترة بين الدولتين. وقال شاهباز: «من المؤسف أن الأشخاص لم يستطيعوا حتى الالتقاء مع أقاربهم المقربين أو زيارتهم أو تقديم واجب العزاء في حالة وفاة أحد أفراد العائلة».

وأضاف: «بالطريقة التي تتدهور بها العلاقات بين باكستان والهند، لا أعتقد أنها ستتحسن في المستقبل القريب، وأعتقد أن الحكام لا يريدون حل القضايا، وإلا فإنه من الممكن حل كل مشكلة»، مشيراً إلى أن من واجب الحكومة لم شمل العائلات.

من ناحية أخرى، فإن ناصر علي ديلون، مدوّن «يوتيوب» (37 عاماً)، يعمل على كسر حاجز التواصل، من خلال قناته

«يونجابي ليهار»، يوفر شعاعاً من الأمل. ويتذكر ديلون، الذي له جذور في البنجاب الهندية، كيف أن جده دفعه للبحث عن صداقات على الجانب الآخر من الحدود. واكتشف عندما فعل ذلك مهمته وهي الربط بين الأشخاص الذين تفرقوا. في بادئ الأمر كوّن صداقات عبر «فيس بوك»، ثم بدأ في القيام بزيارات إلى نانكانا صاحب، وهي مسقط رأس مؤسس السيخية، وساعده في ذلك بوبيندر سينج لافلي، وهو صديق انضم إليه لاحقاً في نشاطه وفي القناة التي بدأت عملها على «يوتيوب» عام 2016، وبفضل القناة تمكّن الكثير من العائلات والأفراد من على جانبي الحدود من الالتقاء معاً شخصياً. وقال ديلون: «إنه لم يتم تحقيق أي شيء من وراء 75 عاماً من التوتر بين باكستان والهند، وينبغي أن تغيّر الدولتان مواقفهما إذا كانت هناك رغبة في تحقيق تقدم».

• ناصر علي ديلون، مدّون «يوتيوب» (37 عاماً)، يعمل على كسر حاجز التواصل، من خلال قناته «يونجابي ليهار»، يوفر شعاعاً من الأمل. ويتذكر ديلون، الذي له جذور في البنجاب الهندية، كيف أن جده دفعه للبحث عن صداقات على الجانب الآخر من الحدود.

تويتر